للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

(وقوله تعالى) وفي رواية: (عز وجل)، وفي أخرى: (وقول الله في سورة براءة) : ({إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ}) [التوبة: ٩١] بالإيمان بهما وإطاعتهما في السر والعلانية.

[حديث: بايعت رسول الله على إقام الصلاة]

٥٧ - وبه قال: (حدثنا مُسَدَّد) : هو ابن مُسرهِد، (قال: حدثنا يحيى) : هو ابن سعيد القطان، (عن إسماعيل) بن أبي خالد البَجَلي التابعي، (قال: حدثني) بالإفراد (قيس بن أبي حازم)؛ بالحاء المهملة والزاي المعجمة، البَجَلي؛ بفتح الموحدة والجيم، نسبة إلى بَجيلة بنت صعب، الكوفي التابعي المخضرم، المتوفى سنة أربع وثمانين أو ثمان وتسعين، (عن جرير بن عبد الله) بن جابر البَجَلي الأحمسي؛ بالحاء والسين المهملتين، المتوفى سنة إحدى وخمسين، (قال: بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم)؛ أي: عاهدته وعاقدته، وكان قُدُومه عليه سنة عشر في رمضان، وأسلم، وبايعه (على إقام الصلاة)؛ أي: أدائها على وجهها، (وإيتاء)؛ أي: إعطاء (الزكاة و) على (النصح لكل مسلم) ومسلمة.

وفيه تسمية النصح دينًا وإسلامًا؛ لأنَّ الدين يقع على العمل كما يقع على القول، وهو فرض كفاية على قدر الطاقة إذا علم أنه يقبل نصحه ويأمن على نفسه المكروه، فإن خشي؛ فهو في سعة، فيجب على من علم بالمبيع عيبًا أن يُبيِّنه بائعًا كان أو أجنبيًا، وعلى أن ينصح نفسه بامتثال الأوامر واجتناب النواهي، وحذف التاء من (إقامة)؛ تعويضًا عنها بالمضاف إليه، ولم يذكر الصوم وغيره؛ لدخوله في السمع والطاعة في الرواية الأخرى؛ فافهم.

[حديث: أما بعد أتيت النبي قلت أبايعك على الإسلام]

٥٨ - وبه قال: (حدثنا أبو النعمان) محمد بن الفضل السَّدوسي؛ بفتح السين الأولى، نسبة إلى سدوس بن شيبان البصري، المعروف بعارم؛ بمهملتين، المختلط بأخرة، المتوفى بالبصرة سنة أربع عشرة ومئتين، والعارم: الشرير المفسد، فهو لقب رديء (قال: حدثنا أبو عوانة)؛ بفتح العين والنون: الوضاح اليشكري، (عن زياد بن عِلاقة)؛ بكسر العين المهملة وبالقاف: ابن مالك الثعلبي؛ بالمثلثة والمهملة، الكوفي، المتوفى سنة خمس وعشرين ومئة (قال: سمعت جرير بن عبد الله) البَجَلي الأحمسي السابق آنفًا رضي الله عنه؛ أي: سمعت كلامه؛ فالمسموع هو الصوت والحروف، فلما حذف هذا؛ وقع ما بعده تفسيرًا له، وهو قوله: (يقول يومَ)؛ بالنصب على الظرفية، أضيف إلى الجملة؛ أعني: قوله: (مات المغيرة بن شعبة) سنة خمسين من الهجرة، وكان واليًا على الكوفة في خلافة معاويةَ كاتبِ الوحي، واستناب عند موته ولده عروة، وقيل: استناب جريرًا ولذا خطب، وقد (قام) على المنبر (فحمِد الله)؛ أي: أثنى عليه بالجميل، وجملة (قام) استئنافية لا محل لها، (وأثنى عليه)؛ أي: ذكره بالخير، ويَحتمل أن يُراد بـ (الحمد) وصفه متحليًا بالكمالات، وبـ (الثناء) وصفه متخليًا عن النقائص، فالأول إشارة إلى الصفات الوجودية، والثاني إلى الصفات العدمية؛ أي: التنزيهات؛ كذا في «عمدة القاري»، (وقال: عليكم باتقاء الله) اسم فعل؛ بمعنى: الزموا اتقاء الله (وحده)؛ أي: حال كونه منفردًا (لا شريك له) في ذاته، ولا في أفعاله، ولا في صفاته، (والوَقارِ)؛ أي: الرزانة؛ بفتح الواو: مجرور بالعطف على (اتقاء)؛ أي: وعليكم بالوقار (والسكينة)؛ أي: السكون، وإنَّما أمرهم بذلك؛ لأنَّ الغالب أنَّ وفاة الأمراء يؤدي إلى الفتنة، والهرج، والاضطراب، والمرج (حتى يأتيكم أمير) بدل أميركم المغيرة المتوفى، (فإنما يأتيكم الآنَ)؛ بالنصب على الظرفية؛ أي: المدة القريبة من الآن، فيكون الأمير زيادًا؛ إذ ولَّاه معاوية بعد وفاة المغيرة بالكوفة، أو المراد: الآن حقيقةً، فيكون الأمير جريرًا بنفسه؛ لما روي: أنَّ المغيرة استخلف جريرًا على الكوفة عند موته؛ على ما ذكرنا، كذا في «عمدة القاري»، و (حتى) للغاية، والفعل بعدها منصوب بـ (أن) مقدرة بعد (حتى)، ومفهوم الغاية من (حتى) هنا -وهو أنَّ المأمور به وهو الاتقاء- ينتهي بمجيء الأمير ليس مرادًا؛ بل يلزم عند مجيء الأمير بالطريق الأولى، وشرط اعتبار مفهوم المخالفة ألَّا يعارضه مفهوم الموافقة، انتهى، «قسطلاني» بزيادة.

(ثم قال) جرير: (استعفوا)؛ بالعين المهملة؛ أي: اطلبوا العفو (لأميركم) المتوفى من الله تعالى، (فإنه)؛ أي: الأمير، و (الفاء) للتعليل (كان يحب العفو) عن ذنوب الناس، فالجزاء من جنس العمل، وفي رواية: (استغفروا لأميركم)؛ بغين معجمة؛ أي: اطلبوا الغفران له من الله، (ثم قال: أما بعدُ)؛ بالبناء على الضم: ظرف زمان حذف منه المضاف إليه ونوي معناه، وفيه معنى الشرط، تلزم الفاء في تاليه، والتقدير: أمَّا بعد كلامي هذا؛ (فإنِّي أتيت النبي) الأعظم (صلى الله عليه وسلم قلت) وإنما لم يأت بأداة العطف؛ لأنَّ الجملة من الفعل والفاعل بدل من (أتيت) أو هي استئناف، وفي رواية: (فقلت له) : (يا رسول الله؛ أبايعك على الإسلام، فشَرَطَ) عليه السلام (عليَّ)؛ بتشديد المثناة؛ أي: الإسلام (والنصحِ)؛ بالجرِّ عطفًا على قوله: (الإسلام)، وبالنصب عطفًا على المقدر؛ أي: شَرَطَ عليَّ الإسلام وشَرَطَ النصح (لكل مسلم) ومسلمة، وذمي؛ بدُعائه إلى الإسلام وإرشاده إلى الصواب إذا استشار، فالتقييد بـ (المسلم) أغلبي، (فبايعته على هذا) المذكور من الإسلام والنصح، (ورب هذا المسجد)؛ أي: مسجد الكوفة إن كانت خطبته ثَمَّ، أو أشار به إلى المسجد الحرام، ويؤيِّده ما في «الطبراني» بلفظ: (ورب الكعبة)؛ تنبيهًا على شرف المقسم به؛ ليكون أقرب إلى المطلوب، كذا في «عمدة القاري»، قلت: لكن ظاهر السياق يدل على أنه كان في مسجد الكوفة؛ فتأمل، (إني لناصح لكم) فيه إشارة إلى أنَّه وفَّى بما بايع به النبي عليه السلام، وأنَّ كلامه عارٍ عن الأغراض النفسانية، والجملة جواب القسم مؤكد بـ (أن) واللام، والجملة اسمية.

(ثم استغفر) الله تعالى (ونزل) عن المنبر، أو معناه: قعد؛ لأنَّه في مقابلة قام، كذا في «عمدة القاري»، قلت: والظاهر الأول؛ لأنَّ النزول لا يستعمل بمعنى القعود وإن كان يطلق عليه لغة؛ فافهم، والله أعلم.

اللهم إنِّي أسألك بجاه حبيبك ونبينا محمد وبقدوتنا الإمام الأعظم عليهما الصلاة والسلام أن تمُنَّ علينا بالعلم والعمل، اللهم إنِّي أسألك علمًا نافعًا، ورزقًا واسعًا، وعملًا متقبلًا، وعمرًا طويلًا، وجاهًا عريضًا، وأولادًا كثيرة، ودخول الجنة برحمتك يا أرحم الراحمين، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين آمين.

((٣)) [كتاب العلم]

هذا (كتاب العلم)؛ أي: في بيان ما يتعلق به، وقدَّمه على غيره؛ لأنَّ مدار تلك الكتب كلِّها على العلم، وهو مصدر (علمت وأعلم علمًا)؛ نقيض الجهل، وهو إدراك الكليات، والمعرفة: إدراك الجزئيات، فلا يجوز أن يقال: الله عارف كما يقال: عالم، واختُلف في حدِّه؛ فقيل: إنه لا يُحدُّ؛ لعسر تحديده، وقيل: لا يُحدُّ؛ لأنَّه ضروري؛ إذ لو لم يكن ضروريًّا؛ لزم الدور، واللازم باطل، فالملزوم مثله، وقيل: إنه يُحدُّ؛ واختُلف في حدِّه؛ والأصحُّ: أنَّه صفة من صفات النفس توجب تمييزًا لا يحتمل النقيض في الأمور المعنوية، فقوله: (صفة) جنس؛ لتناوله لجميع صفات (١) النفس، وقوله: (يوجب تمييزًا) احتراز عما لا يوجب تمييزًا كالحياة، وقوله: (لا يحتمل النقيض) احتراز عن مثل الظن، وقوله: (في الأمور المعنوية) يخرج إدراك الحواس؛ لأنَّ إدراكها في الأمور الظاهرة المحسوسة، كذا قرره في «عمدة القاري».

(١) [باب فضل العلم]

(بسم الله الرحمن الرحيم) وفي رواية: ثبوتها قبل (كتاب).

(باب فضل العلم) وإنما قال: (فضل العلم)، ولم يقل: فضل العلماء؛ لأنَّ بيان فضل العلم يستلزم بيان فضل العلماء؛ لأنَّ العلم صفة قائمة بالعالم، فذِكْر بيان فضل الصفة يستلزم بيان فضل من هي قائمة به.

(وقول الله تعالى)؛ بالجرِّ عطفًا على المضاف إليه، إمَّا (فضل العلم) أو على (العلم) في (كتاب العلم) بناء على إثبات الباب وحذفه، وقال ابن حجر: ضبطناه في الأصول بالرفع على الاستئناف، قلت: هذا ليس بشيء، كما لا يخفى على أنه قد رده الشيخ الإمام بدر الدين العيني بما يطول، إلى أن قال: فتعين بطلان دعوى الرفع؛ فليحفظ: ({يَرْفَعِ})؛ بالكسر في الفرع والتلاوة؛ للساكنين ({اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ}) بالنصر وعلوِّ الكلمة، ودخول الجنة في الآخرة ({وَالَّذِينَ أُوتُوا العِلْمَ دَرَجَاتٍ})؛ منصوب بالكسرة، مفعول {يَرْفَعِ}؛ أي: ويرفع العلماء منكم خاصة درجات بما جمعوا من العلم والعمل، قال ابن عباس: درجات العلماء فوق المؤمنين بسبع مئة درجة، ما بين الدرجتين خمس مئة عام، ({وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ}) [المجادلة: ١١] تهديد لمن لم يمتثل الأمر أو استكرهه.

(وقوله) عز وجل: ({رَّبِّ}) وللأصيلي: {وقل رب}، ({زِدْنِي عِلْمًا}) [طه: ١١٤]؛ أي: سَلْهُ الزيادة منه؛ أي: بالقرآن؛ لأنَّه عليه السلام كلما نزل عليه شيء من القرآن ازداد به علمًا، وإنما اقتصر على هاتين (٢) الآيتين في الاستدلال لما ترجم له؛ إمَّا لأنَّ القرآن العظيم أعظم الأدلة، أو لأنَّه لم يقع له حديث من هذا النوع على شرطه؛ لأنَّه أوَّلًا كان يكتب الأبواب والتراجم ثم يلحق فيها ما يناسبها من الأحاديث التي على شرطه، ولو لم يكن من فضيلة العلم وأهله إلَّا آية {شَهِدَ اللهُ} [آل عمران: ١٨] فبدأ الله


(١) في الأصل (الصفات)، ولعل المثبت هو الصواب.
(٢) في الأصل (هذين)، ولعل المثبت هو الصواب.

<<  <   >  >>