للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

وهو أنَّ المذكور فيما قبله أحكام التيمم والنفخ فيه أيضًا من أحكامه، كذا قرره إمام الشارحين صاحب «عمدة القاري».

[حديث: إنَّما كان يكفيكَ هكذا]

٣٣٨ - وبالسَّند إليه قال: (حدثنا آدم)؛ بالمد: هو ابن أبي إياس؛ بكسر الهمزة (قال: حدثنا شعبة) هو ابن الحجاج (قال: حدثنا الحَكَم) بفتح الحاء المهملة، والكاف: هو ابن عُتَيْبَة؛ بضمِّ العين المهملة، وفتح المثناة الفوقية، وسكون التحتية، وفتح الموحدة، (عن ذَرٍّ) بفتح الذَّال المُعجمة، وتشديد الراء: هو ابن عبد الله الهمْداني؛ بسكون الميم، (عن سَعِيْد) بكسر العين المهملة (بن عبد الرحمن بن أَبْزَى) بفتح الهمزة، وسكون الموحدة، وبالزَّاي المفتوحة، مقصورًا، (عن أبيه) هو عبد الرَّحمن الصَّحابي الخزاعي الكوفي، استعمله علي الصدِّيق الأصغر رضي الله عنه على خَرَاسان (قال) أي: عبد الرحمن (جاء رجلٌ) أي: من أهل البادية، كذا صَرَّح به الطبراني في روايته (إلى عُمَر بن الخطاب) أمير المؤمنين رضي الله عنه، (فقال)؛ أي: الرَّجل: يا أمير المؤمنين؛ (إني أَجنبت) بفتح الهمزة؛ أي: صِرْت جُنبًا، وفي رواية: (جُنِبت)؛ بضمِّ الجيم، وكسر النون، (فلم أُصب الماء)؛ بضمِّ الهمزة، من الإصابة؛ أي: لم أجدهُ، وفي هذا دليلٌ على أنَّ المسافر له أن يطأ جاريته وإن علم أنَّه لا يجد الماء؛ لأنَّ الصَّعيد شرع طهورًا بحال عدم الماء، ولا تكره الجنابة حال وجود الماء، فكذا حالة عدمه، وبهذا صرَّح في «البحر» عن «المحيط»؛ فليُحفظ.

(فقال عمَّار) بتشديد الميم (بن ياسر) هو العَنْسي؛ بفتح العين المهملة، وسكون النون، الصحابي ابن الصَّحابي، شهد هو وأبوه المشاهد كلَّها، وأخرج التِّرمذي: أنَّه عليه السَّلام قال: «إنَّ عمارًا مُلِئَ إيمانًا»، واستأذن عليه، فقال له: «مرحبًا بالطَّيب المطيَّب»، وقال: «من عادى عمَّارًا؛ عاداه الله، ومن أبغض عمارًا؛ أبغضه الله»، وكان من السَّابقين الأولين، له في «الصَّحيح» أربعة أحاديث؛ منها قوله هنا (لعمر بن الخطاب) رضي الله عنه: يا أمير المؤمنين؛ (أَما)؛ بفتح الهمزة للاستفهام، وكلمة (ما) للنفي (تذكُر) من الذِكر؛ بضمِّ الذال المعجمة؛ أي: تحفظ، وتفطن، وتعلم (أنَّا) وفي رواية الأصيلي: (إذا)، وموضع (أنا) نصب على أنَّه مفعول (تذكر) (كنَّا في سفر) وفي رواية مسلم: (في سرية)، وزاد: (فأجنبنا) (أنا وأنت) تفسير لضمير الجمع في (كنا) (فأمَّا أنت؛ فلم تُصلِّ) تفصيل لما وقع من عمَّار وعمر رضي الله عنهما؛ ومعناه: أنَّه لم يصلِّ بالتيمم؛ لأنَّه كان يتوقع الوصول إلى الماء قبل خروج الوقت، أو أنَّه جعل آية التيمم مختصة بالحدث الأصغر، وأدَّاه اجتهاده إلى أنَّ الجُنب لا يتيمم، فقاسه عمار عليه، ولم يذكر في هذه الرواية جواب عمر، وكذلك روى البخاري هذا الحديث في الباب الذي يليه من رواية ستة أنفس عن شُعبة، ولم يذكر فيها جواب عمر، وذكره مُسلم من طريق يحيى بن سَعِيْد، والنَّسائي عن حجاج بن محمَّد، فقال: (لا تُصلِّ)، وزاد السراج: (حتى تَجد الماء)، وهذا مذهب مشهور عن عمر، ووافقه عليه ابن مسعود، وجرت فيه مناظرة بين أبي موسى وابن مسعود على ما سيأتي في باب (التيمم ضربة)، وقيل: إن ابن مسعود رجع عن ذلك، قاله إمام الشَّارحين.

قلتُ: قدمنا أنَّ عمر وابن مسعود قد ثبت رجوعهما عن ذلك، وقالا: بصحة التيمم عن الجنابة؛ فليحفظ.

ويدلُّ لذلك: ما قاله في «عمدة القاري» : (وفي لفظ للبخاري: قال أبو موسى لابن مسعود: إذا لم تجد الماء؛ لا تصلِّ، قال عبد الله: لو رُخِّصت لهم في هذا كان إذا وجد أحدهم البرد؛ قال هكذا -يعني: تيمم وصلى- قال أبو موسى: فقلت: أين قول عمار لعمر رضي الله عنهما؟ قال: إني لم أر قنع عمر بقول عمار)، وفي لفظ آخر: (كيف تصنع بقول عمار حين قال له النبيَّ الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم: «كان يكفيك»؟ قال: لم نر عمر يقنع بذلك منه، فقال أبو موسى: فدعنا من قول عمار، كيف تصنع بهذه الآية؟ فما درى عبد الله ما يقول) انتهى.

قلت: وظاهره أنَّه رجع عن ذلك وهو يدلُّ لما قدمناه؛ فافهم.

(وأمَّا أنا؛ فتمعكت) وفي الرواية الآتية: (فتمرغت)؛ بالغين المعجمة؛ أي: تقلبت بالتراب، وفي لفظ: (بعثني رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في حاجة فأجنبت، فلم أجد الماء، فتمرغت في الصعيد كما تتمرغ الدابة...)؛ الحديث، (فصليت)؛ لأنَّه قد ارتفع حدثه، وكأنَّه اجتهد أنَّ التيمم إذا وقع بدل الوضوء؛ وقع على هيئة الوضوء، واجتهد أنَّ التيمم عن الغُسل يقع على هيئة الغسل، فلهذا تمعَّك، وهذا اجتهاد منه في ذلك، وهو صحيح وإن كان في عصره عليه السَّلام؛ لأنَّ الجمهور: جوَّزوا الاجتهاد في عصره عليه السلام مطلقًاسواء كانوا غائبين عن الرسول أو حاضرين في بلده عليه السلام، وهو المختار، ولهذا لم يأمره النبيُّ الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم حين سأله بإعادة الصَّلاة؛ لأنَّه فعل أكثر ما كان يجب عليه في التيمم؛ حيث تقلَّب على الصعيد، ففيه دليل على جواز الاجتهاد في جهة القِبلة إذا كان في صحراء، أو ظلمة، أو غير ذلك، فلو صلى الظهر مثلًا واجتهد لجهة، ثم تبدل اجتهاده لجهة أخرى؛ ينحرف ويصلي، فلو تبدل أيضًا؛ ينحرف، وهكذا، فصلاته صحيحة، ولا إعادة عليه، وإن كان كل ركعة لجهة؛ لأنَّه فعل ما في وسعه؛ فليحفظ.

(فذكرت) وقوله: (ذلك) ثابت في رواية، ساقط في أخرى (للنَّبيِّ) الأعظم (صلَّى الله عليه وسلَّم)؛ أي: فعله المذكور، (فقال النَّبيُّ) الأعظم (صلَّى الله عليه وسلَّم) وفي رواية الأصيلي: (فقال صلَّى الله عليه وسلَّم) أي: لعمار في الجواب: (إنَّما كان يكفيك)، زاد في لفظ: (أن تَصنع)، (هكذا) بالكاف بعد الهاء، وفي رواية الحموي، والمستملي: (هذا)، وفي لفظٍ: (وضرب بكفيه على الأرض، ثم نفضهما، ثم مسح بها ظهر كفه بشماله، أو ظهر شماله بكفه، ثم مسح بهما وجهه)، وفي لفظٍ: (مسح وجهه وكفيه واحدة)، كذا في «عمدة القاري»، قال: وهذا ظاهر في تقديم الكف على الوجه، وهو شاهدٌ لما ذهب إليه الإمام الأعظم، وهو قول محمَّد بن إدريس، وبه قال ابن حزم، وحكاه عن الأوزاعي، وسيأتي تمامه.

(فضرب النَّبيُّ) الأعظم (صلَّى الله عليه وسلَّم) ولأبي ذر: (فضرب) (بكفيه)؛ بالتثنية (الأرضَ) وللأصيلي: (في الأرض) (ونفخ فيهما)، وفي لفظ: (فأدناهما، ثم أدناهما، ونفخ فيهما)، وفي لفظ: (قال عمَّار: وتفل فيهما)، وفي لفظ: (ثم نفضهما)، وهذا يدل على أنَّه لم يُبْقِ عليهما من التراب شيئًا؛ لأنَّ النَّفخ، وأدناهما منه، والتفل فيهما يزيل أثر التُّراب بالكلية، كما هو مُشَاهد، ويدلُّ

<<  <   >  >>