للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

بضم الصاد المهملة، وكنيته أبو الضحى الكوفي، مشهور باسمه وكنيته، كذا قاله إمام الشَّارحين.

وزعم الكرماني أن (مسلم) هذا هو المشهور بالبطين، ويحتمل أنَّه أبو الضحى، لكن الظاهر الأول.

وردَّه إمام الشَّارحين فقال: كلُّ واحد منهما يروي عن مسروق، والأعمش يروي عن كل واحد منهما، وليس دعوى الظهور للأول بظاهر، بل الظهور للثاني؛ وهو أبو الضحى، ثم رأيت المزي في «الأطراف» في رواية مسلم نصَّ على أنَّه هو أبو الضحى، انتهى.

قلت: فاستظهار الكرماني غير صواب، وكأنَّه لم يطَّلع (١) على ما ذكره الحافظ المزي؛ فافهم.

وقد وهم القسطلاني تبعًا لما وهمه الكرماني، ولم يطَّلع (٢) على ما ذكره إمام الشَّارحين؛ فقال بالاحتمال، وهو غير صواب، بل الصواب ما ذكره إمام الشَّارحين؛ فليحفظ.

(عَنْ مَسْرُوقٍ)؛ على وزن (مفعول) : هو ابن الأجدع الكوفي، وسمي مسروقًا؛ لأنَّه سرقه سارق في صغره، (عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ) :مير الكوفة الصحابي الجليل رضي الله عنه (قَالَ: وَضَّأْتُ النَّبِيَّ) الأعظم، وللأصيلي: (رسول الله) (صلَّى الله عليه وسلَّم)؛ أي: وضوءه للصلاة؛ بأن تمضمض واستنشق ثلاثًا ثلاثًا، وغسل وجهه ثلاثًا، وغسل يديه ثلاثًا، ومسح على ناصيته وكان لابسًا (٣) للخفين، (فَمَسَحَ عَلَى الخفين)؛ أي: من رؤوس الأصابع إلى الساق، (وَصَلَّى)؛ أي: الفريضة أو النافلة فيهما.

ففيه: جواز المسح على الخفين، وفيه: جواز الاستعانة بغيره، وفيه: استحباب الصلاة بالخفين، وهو وجه المطابقة لما ترجم له المؤلف، ففيه: ردٌّ على من اعتاد في زماننا ممن يدعي العلم أنَّه إذا أراد الصلاة؛ خلع خفيه وصلى بدونهما، فإنَّ الصلاة فيهما من تمام الأدب؛ لأنَّه من كمال الزينة التي قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه للأعرابي الذي لبس ثيابًا بذلة وصلى فيها: (الله أحق أن تتزين له).

وفي الإسناد ثلاثة من التابعين؛ وهم الأعمش ومسلم ومسروق يروي بعضهم عن بعض عن الصحابي، وقد سبق الكلام عليه عن قريب، وفي كتاب (الوضوء) أيضًا، والله تعالى أعلم.

(٢٦) [باب إذا لم يتم السجود]

هذا (بابٌ)؛ بالتنوين (إِذَا لَمْ يُتِمَّ) أي: المصلي (السُّجُودَ)؛ أي: في بيان حكم المصلي إذا لم يتم سجوده في صلاته؛ يعني: أنَّه لا يجوز؛ لترتب الوعيد الشديد في حقه.

قال إمام الشَّارحين: وهذا الباب والباب الذي يليه لم يقعا ههنا أصلًا عند المستملي؛ لأنَّ محلهما في أبواب (صفة الصلاة)، وإنَّما وقعا هنا عند الأصيلي، ولكن قبل باب (الصلاة في النعال)، انتهى.

وزعم ابن حجر أنَّ إعادة هاتين الترجمتين هنا وفي باب (السجود) الحمل فيه عندي على النُّسَّاخ؛ بدليل سلامة رواية المستملي من ذلك، وهو أحفظهم، انتهى.

وردَّه إمام الشَّارحين فقال: تكرار هذا الباب وإعادته له وجه؛ لأنَّ عادته التكرار عند وجود الفائدة، وهي موجودة فيه؛ لأنَّه ترجم هنا بقوله: (باب إذا لم يتم السجود)، وهناك ترجم بقوله: (باب إذا لم يتم الركوع)، وشيخه هنا الصلت بن محمد... إلى آخره، وشيخه هناك حفص بن عمر عن شعبة عن سليمان قال: سمعت زيد بن وهب قال: (رأى حذيفة رجلًا)، وفي بقية المتن أيضًا تغاير، وأمَّا الباب الثاني؛ فليس لذكره محل ههنا؛ لأنَّه كما هو المذكور هنا مذكور (٤) هناك، كذلك ترجمةً ورواةً ومتنًا.

فإن قلت: على ما ذكره الأصيلي، ما وجه المناسبة بين هذا الباب وبين باب (السجود على الثوب في شدة الحر)؟

قلت: وجهها ظاهر لأنَّ كلًّا منهما في حكم السجود، انتهى؛ فافهم

[حديث حذيفة: رأى رجلًا لا يتم ركوعه ولا سجوده]

٣٨٩ - وبالسند إلى المؤلف قال: (حَدَّثَنَا) هكذا رواية الأربعة، وفي رواية: (أخبرنا) (الصَّلْتُ بْنُ مُحَمَّدٍ) : هو ابن عبد الرحمن الخاركي البصري، ونسبته إلى خارك؛ بالخاء المعجمة والراء، وهو من سواحل البصرة (قال: حَدَّثَنَا) هكذا للأربعة أيضًا، وفي رواية: (أخبرنا) (مَهْدِيٌّ)؛ بفتح الميم بلفظ المفعول: هو ابن ميمون أبو يحيى الأزدي المتوفى سنة اثنتين وسبعين ومئة، (عَنْ وَاصِلٍ) : هو ابن حيان الأحدب، (عَنْ أَبِي وَائِلٍ)؛ بالهمز: هو شقيق بن سلمة، (عَنْ حُذَيْفَةَ)؛ بضم الحاء المهملة: هو ابن اليمان رضي الله عنه: (أَنَّهُ رَأَى رَجُلًا) قال إمام الشَّارحين: لم يعلم اسمه؛ يعني: أنه رآه يصلي وحده منفردًا في الصحراء أو في المسجد بعيدًا عن الناس (لَا يُتِمُّ رُكُوعَهُ) بضم المثناة التحتية أوله (وَلَا سُجُودَهُ)؛ أي: لا يطمئن فيهما، والجملة وقعت صفة لقوله: (رجلًا) (فَلَمَّا قَضَى صَلَاتَهُ)؛ أي: فلما أدَّى الرجل صلاته الناقصة من إتمام الركوع والسجود، والقضاء يجيء بمعنى الأداء؛ كما في قوله تعالى {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانتَشِرُوا فِي الأَرْضِ} [الجمعة: ١٠]؛ يعني: أدِّيت.

قلت: وقد يجيء القضاء بمعنى الفراغ، يقال: قضيت صلاتي؛ أي: فرغت منها، والمعنى: فلما فرغ الرجل من صلاته؛ (فَقَالَ لَهُ حُذَيْفَةُ) هو ابن اليمان؛ أي: للرجل المذكور: (مَا صَلَّيْتَ)؛ أي: ما صليت صلاة كاملة، فالنفي عنه الصلاة نفي كمال؛ لأنَّ إتمام الركوع والسجود لا ينفي الركوع والسجود، فإن إتمام الركوع والسجود ليس من أجزاء الصلاة الركنية، بل من أجزائها المسنونة، فالكل من الركنية لا ينتفي بانتفاء الجزء من المسنون، ولا يلزم منه انتفاء إحدى الركوع والسجود المستلزم لانتفاء الصلاة، لأنَّ إتمام الركن ليس بركن، بل هو مسنون، وهو لا ينافي الصحة.

وما زعمه القسطلاني من أن الكل ينتفي بانتفاء الجزء، فانتفاء تمام الركوع يلزم منه انتفاء الركوع المستلزم لانتفاء الصلاة ممنوع، وإنَّما ذكره؛ ترويجًا لما ذهب إليه إمامه وهو باطل؛ لأنَّه لا يلزم من انتفاء تمام الركوع انتفاء الركوع بالكلية؛ لأنَّ الركن هو الركوع وهو مطلق الانحناء، كما أجمع عليه أهل اللغة، وإتمام الركوع سنة مكمِّل للركن، فالمكمِّل إذا انتفى؛ لا يلزم منه انتفاء الكل، كما لا يخفى، ويدل على ذلك قوله: (قَالَ)؛ أي: أبو وائل: (وَأَحْسِبُهُ)؛ أي: أظنه؛ أي: حذيفة بن اليمان (قَالَ)؛ أي: للرجل المذكور: (لَوْ مُتَّ) : روي فيه كسر الميم من مات يمات، وضمِّها من مات يموت، وفي رواية: (ولو مت) (مُتَّ عَلَى غَيْرِ سُنَّةِ) النبيِّ الأعظم (مُحَمَّدٍ صلَّى الله عليه وسلَّم)؛ أي: على غير طريقته الكاملة المتناولة للفرض والنفل، فالمراد به التغليظ، والشك من الراوي، ويدلُّ على أنه تغليظ قوله تعالى في آية الحج: {مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَن كَفَرَ...}؛ الآية [آل عمران: ٩٧]، وقوله عليه السلام: «من استطاع منكم الحج ولم يحج؛ فإن شاء أن يموت يهوديًّا أو نصرانيًّا»؛ فإن المراد من الآية والحديث التغليظ إجماعًا؛ لأنَّه لو لم يحجَّ حتى مات؛ فلا يحكم عليه بالموت على الكفر إجماعًا، فكذا هذا، على أنَّ هذا الحديث لا يدل على أنَّ الاطمئنان فرض، بل سنة أو واجب؛ لأنَّ المراد


(١) في الأصل: (يضطلع)، وليس بصحيح.
(٢) في الأصل: (يضطلع)، وليس بصحيح.
(٣) في الأصل: (لابس)، وليس بصحيح.
(٤) في الأصل: (مذكورًا).

<<  <   >  >>