للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

(٤) [باب قول المحدث حدثنا أو أخبرنا وأنبأنا]

هذا (باب قول المحدِّث) اللغوي؛ وهو الذي يحدِّث غيرَه، لا الاصطلاحي؛ وهو الذي يشتغل بالحديث النبوي: (حدثنا أو أخبرنا) وفي رواية: (وأخبرنا)، (وأنبأنا)، هل فيه فرقٌ أم الكلُّ واحد؟ وفي رواية: إسقاط (وأنبأنا)، وفي أخرى: إسقاط (وأخبرنا).

(وقال) لنا (الحُمَيْدِي)؛ بضم الحاء المهملة، وفتح الميم، فياءُ تصغير، وياء نسبة: أبو بكر عبد الله بن الزبير، القرشي الأسدي المكي: (كان ابن عُيَيْنَة)؛ بضم العين المهملة، ومثناتين تحتيتين الأولى مفتوحة والثانية ساكنة، وفتحِ النون: سفيان، وفي رواية: (وقال لنا الحميدي) : («حدثنا» و «أخبرنا» و «أنبأنا» و «سمعتُ» واحدًا)؛ أي: بمعنًى واحد، لا فرقَ بين هذه الألفاظ الأربعة عند المؤلف، زاد القاضي عِياض: (وقال لنا فلان، وذكر لنا فلان، وأنه لا خلاف [في] ذلك) وإليه مال الإمام الحافظ أبو جعفر الطحاوي، وصححه ابن الحاجب، وقال الحاكم: إنه مذهب الأئمة الأربعة، والزهري، ويحيى القطان وغيرهم، وقيل: بالمنع في القراءة على الشيخ إلَّا مقيَّدًا؛ مثل: حدثنا فلان قراءةً عليه، وأخبرنا قراءةً عليه، وقيل: بالمنع في (حدثنا)، وبالجواز في (أخبرنا)، وبه قال الشافعي، ومسلم، وابن جريج، والأوزاعي، والنسائي، وهذا اصطلاح بينهم أرادوا به التمييز بين النوعين، وخصُّوا قراءةَ الشيخ بـ (حدثنا).

وفصَّل المتأخِّرون أنَّه متى سمع وحدَه من الشيخ؛ أفرد فقال: حدثني، أو أخبرني، أو سمعتُ، ومتى سمع مع غيره؛ جَمَعَ فقال: حدثنا أو أخبرنا، ومتى قرأ بنفسه على الشيخ؛ أفرد فقال: أخبرني، وخصُّوا الإنباء بالإجازة التي يشافه بها الشيخ مَن يخبره، وكله مستحسن، وليس بواجبٍ عندَهم، وتمامه في «عمدة القاري».

(وقال ابن مسعود) عبد الله رضي الله عنه: (حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو الصادق) في نفس الأمر (المصدوق) بالنسبة إلى الله تعالى، أو إلى الناس، أو بالنسبة إلى ما قاله غيره -أي: جبريل- له، وهذا طرف من حديث وصله المؤلف في (القدر).

(وقال شَقيق)؛ بفتح المعجمة: أبو وائل بن مسلمة الأسدي الكوفي التابعي، (عن عبد الله)؛ أي: ابن مسعود، وإذا أُطلق كان هو المراد من بين العبادلة، كما أنه إذا أُطلق الإمام الأعظم؛ كان المراد به أبا حنيفة النعمان التابعي الجليل، وكذا إذا أُطلق إمام الأئمة كان هو المراد أيضًا، رضي الله عنه؛ فليحفظ.

وقيل لمالك: إمام الأئمة؛ أي: أئمة مذهبه لا إمام المجتهدين؛ لأنَّ إمام المجتهدين على الإطلاق ورئيسهم بلا نزاع إمامنا الأعظم، التابعي الجليل؛ لأنَّه شيخ مالك، ومالك شيخ الشافعي، والشافعي شيخ أحمد ابن حنبل؛ فليحفظ، ولا تغترَّ بقول بعض الناس؛ فإنَّه ناشئ عن تعصبهم وتعنتهم، وإنَّما هذا هو التحقيق؛ فليحفظ.

(سمعتُ النبي) الأعظم، وفي رواية: (سمعت من النبي) الأعظم (صلى الله عليه وسلم كلمة) وهذا وصله المؤلف في (الجنائز).

(وقال حذيفة) بن اليمان صاحب سِرِّ رسول الله عليه السلام في المنافقين، العبسي الأنصاري، واسم اليمان حِسْل؛ بكسر الحاء وسكون السين المهملتين، المتوفى بالمدائن سنة ست وثلاثين بعد قتل عثمان رضي الله عنه بأربعين ليلة، ومقول قوله: (حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثين)، وهذا وصله المؤلف في (الرقاق).

فاستدل المؤلف بهذه التعاليق الثلاثة؛ حيث إن الصحابي تارة يقول: حدثنا، وتارة يقول: سمعت، على عدم الفرق بينهما، ثم عطف عليها ثلاثة أخرى فقال: (وقال أبو العالية)؛ بالمهملة والمثناة التحتية: رُفيع؛ بضم الراء وفتح الفاء: ابن مهران؛ بكسر الميم، الرياحي؛ بالمثناة التحتية والحاء المهملة، أسلم بعد موت النبي الأعظم عليه السلام بسنتين، وتوفي سنة تسعين، كذا قاله الكرماني، وتبعه ابن حجر والقسطلاني، وردَّه الشيخ الإمام بدر الدين العيني، وقال: إنه البرَّاء؛ بتشديد الراء، واسمه زياد بن فيروز البصري القرشي، المتوفى سنة تسعين؛ فافهم، (عن ابن عباس) عبد الله رضي الله عنهما، (عن النبي) الأعظم (صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه عز وجل)، وهذا وصله المؤلف في (التوحيد).

(وقال أنس) بن مالك رضي الله عنه، (عن النبي) الأعظم (صلى الله عليه وسلم يرويه عن ربه عز وجل)، وفي رواية: (فيما يرويه عن ربه)، وفي أخرى: (تبارك وتعالى) بدلًا عن قوله: (عز وجل)، وهذا وصله المؤلف في (التوحيد) أيضًا.

(وقال أبو هريرة) عبد الرحمن بن صخر رضي الله عنه، (عن النبي) الأعظم (صلى الله عليه وسلم يرويه عن ربكم عز وجل)؛ بكاف الخطاب مع ميم الجمع، وهذا وصله المؤلف في (التوحيد) أيضًا.

واستدل المؤلف بهذه التعاليق الثلاثة على حكم المعنعن، وأن حكمه الوصل عند ثبوت السلامة واللُّقِي، وهو مذهب جمهور المحدِّثين وغيرهم، وردَّه مسلمٌ ولم يشترط ذلك، وعلى أنَّ رواية النبي الأعظم عليه السلام إنَّما هي عن ربه سواء صرح بذلك الصحابي أم لا؛ لأنَّ ابن عباس روى عنه حديثه المذكور في موضع آخر، ولم يذكر فيه عن ربه، ولفظُ الرواية شاملٌ لجميع الأقسام المذكورة، وكذا لفظ العنعنة؛ لاحتماله كلًّا من هذه الألفاظ الثلاثة.

[حديث: إن من الشجر شجرةً لا يسقط ورقها]

٦١ - وبه قال: (حدثنا قتيبة)، وفي رواية: (ابن سعيد) (قال: حدثنا إسماعيل بن جعفر) هو ابن أبي كثير الأنصاري، (عن عبد الله بن دينار) القرشي العدوي المدني مولى ابن عمر، (عن ابن عمر) عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنه (قال: قال رسول الله الله صلى الله عليه وسلم: إنَّ مِنَ الشَّجر)؛ بفتح المعجمة؛ وهو ما كان على ساق من نبات الأرض، والمراد: مِن جنسه (شجرةً) بالنصب اسم (إنَّ)، وخبرها الجار والمجرور، و (مِن) للتبعيض، وقوله: (لا يسقط ورقها) في محل نصب صفة لـ (شجرة)، وهي صفة سلبية تبين أن موصوفها مختصٌّ بها دون غيرها، (وإنَّها)؛ بكسر الهمزة عطف على (إنَّ) الأولى (مَثَلُ المسلم)؛ بفتح الميم والثاء المثلثة معًا، وفي رواية: بكسر الميم وسكون الثاء؛ كـ (شَبَه) و (شِبْه) لفظًا ومعنًى، واستعير (المثل) هنا كاستعارة (الأسد) لـ (المقدام) للحال العجيبة أو الصفة الغريبة، كأنَّه قال: حال المسلم العجيب الشأن كحال النخلة، أو صفته الغريبة كصفتها، فـ (المسلم) هو المشبَّه و (النخلة) هي المشبَّه بها، وقوله: (فحدِّثوني) فعل أمر؛ أي: إنْ عرفتموها؛ فحدِّثوني (ما هي) مبتدأ وخبر، والجملة سدتْ مسدَّ مفعولي التحديث، (فوقع الناس في شجر البوادي) جمع بادية؛ خلاف الحاضرة؛ أي: ذهبت أفكارهم إلى شجر البوادي، وجعل كل منهم يفسرها بنوع من الأنواع، وذهلوا عن النخلة، وفي رواية: (البواد) بحذف المثناة التحتية، وهي لغة.

(قال عبد الله) بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما: (ووقع في نفسي) أي: فكري (أنَّها) أي: الشجرة المسؤول عنها (النخلةُ)؛ بالرفع خبر (أن)، وبفتح الهمزة؛ لأنَّها فاعل (وقع)؛ (فاستحييت)، زاد في رواية: (فأردتُ أن أقول: هي النخلة، فإذا أنا أصغر القوم)، وفي أخرى: (فإذا أنا عاشرُ عشرة أنا أحدثهم)، وفي أخرى: (ورأيتُ أبا بكر وعمرَ لا يتكلَّمان، فكرهت أن أتكلم)، وفي أخرى: (قال عبد الله: فحدثتُ أبي بما وقع في نفسي فقال: لإنْ كنتَ قلتَها؛ أحبُّ إليَّ من أن يكون لي كذا وكذا)، زاد في أخرى: (أحسبه قال: حمر النعم).

(ثم قالوا: حدِّثْنا) بكسر الدال المهملة وسكون المثلثة (ما هي يا رسول الله، قال) عليه السلام: (هي النخلة) مبتدأ وخبر، والجملة وقعت مقول القول؛ واحدة النخل، والنخل والنخيل بمعنى واحد، الواحدة: نخلة.

وفي (التفسير) : (قال عبد الله: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أخبروني بشجرة كالرجل المسلم لا يتحات ورقها، ولا ولا ولا)، ذكر النفي ثلاث مرات على الاكتفاء، وتفسيرُه؛ أي: ولا ينقطع ثمرها، ولا يعدم فيؤها، ولا يبطل نفعها.

وأما وجه الشبه؛ فقد اختلف فيه: فقيل: وجه الشبه: أن النخلة إذا قَطَعتَ رأسها؛ ماتت، بخلاف باقي الشجر، وقيل: لأنها لا تحمل حتى تلقح، وقيل: لأنَّها تموت إذا غرقت أو فسد ما هو كالقلب لها، وقيل: لأنَّ لطلعها رائحة المني، وقيل: لأنَّها تعشق كالإنسان، والصحيح: هو كثرة خيرها، ودوام ظلها، وطيب ثمرها، ووجودها على الدوام، فإنَّه من حين يطلع ثمرها لا يزال يؤكل منه حتى ييبس، وبعد اليُبس يتخذ منها منافع كثيرة من خشبها، وورقها، وأغصانها، فيستعمل جذوعًا، وحطبًا، وعصيًّا، وحصرًا، وحبالًا، وأواني، وغير ذلك، ثم آخرها نواها ينتفع به علفًا للإبل، ثم جمال ثباتها وحسن ثمرتها، وكلها منافع، وكذلك المؤمن خيرٌ كله؛ من كثرة الطاعات، ومكارم الأخلاق، ومواظبته على صلاته، وصيامه، وذكره، والصدقة، وسائر الطاعات، وإنما كان هذا هو الصحيح؛ لأنَّ التشبيه إنَّما وقع بالمسلم، والأقوال السابقة تشمل المسلم والكافر؛ فهي ضعيفة، والمعتمد هذا، كذا في «عمدة القاري»؛ فليحفظ.

(٥) [باب طرح الإمام المسألة على أصحابه ليختبر ما عندهم من العلم]

هذا (باب طرحِ)؛ بالجر للإضافة؛ أي: إلقاء (الإمام المسألةَ) بالنصب مفعول المصدر (على أصحابه؛ ليختبر) أي: ليمتحن (ما) أي: الذي (عندهم) من الاختبار؛ وهو الامتحان (من العلم) (من) بيانية.

[حديث: إن من الشجر شجرة لا يسقط ورقها]

٦٢ - وبالسند إليه قال:

<<  <   >  >>