للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

كلامه أنَّه جعل الحديث خاصًّا بالمتحيرة، وهي التي أضلت عادتها، وهذا غير صحيح؛ لأنَّ الحديث لا يدل عليه، فإنه ليس فيه ذلك، وقوله: (ليس فيه ذكر حال هذه المرأة) : ممنوع، فإنه عليه السلام قد علم حالها بإخبارها أو بالوحي، فأفتاها على طبق مقصدها ومرامها، وأحكام المتحيرة مذكورة في شرحنا على القدوري المسمى بـ «منهل الطلاب»، والله أعلم بالصواب؛ على أنه قد ثبت في الروايات الصحيحة الوضوء دون الغسل، وأن رواية الوضوء أصح من رواية الغسل، لا سيما الرواية التي بينت أنها كانت تفعل ذلك هي وحدها؛ فافهم، والله أعلم.

(٢٧) [باب المرأة تحيض بعد الإفاضة]

هذا (باب) : بيان حكم (المرأة) التي (تحيض بعد) طواف (الإفاضة)؛ وهو الذي يسمى أيضًا: طواف الزيارة، وهو من أركان الحج؛ يعني: هل تنفر وتترك طواف الوداع؟ فالجواب: نعم تترك وتنفر، ووجه المناسبة بين البابين من حيث إن في الباب السابق حكم المستحاضة، وفي هذا الباب حكم الحائض، فالحيض والاستحاضة من واد واحد، أفاده إمام الشارحين.

[حديث: لعلها تحبسنا؟! ألم تكن أفاضت معكن]

٣٢٨ - وبالسَّند إلى المؤلف قال: (حدثنا عبد الله بن يوسف) هو التنيسي المصري (قال: أخبرنا) وفي رواية الأصيلي: (حدثنا) (مالك) هو ابن أنس الأصبحي، (عن عبد الله بن أبي بكر) بن محمد بن عمرو بن حَزْم المدني الأنصاري، (عن أبيه) هو أبو بكر بن محمَّد بن عمرو بن حَزْم- بفتح الحاء المهملة، وسكون الزاي- ولي القضاء والإمرة والموسم زمن عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه، (عن عَمْرة) بفتح العين المهملة، وسكون الميم (بنت عبد الرحمن) بن سعد الأنصارية المذكورة في الباب السابق، وهي خالته التي تربت في حجر عائشة رضي الله عنها، (عن عائشة) هي الصديقة بنت الصديق الأكبر (زوج النبي) الأعظم (صلَّى الله عليه وسلَّم) ورضي عنهما: (أنها) أي: عائشة (قالت لرسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم) يا رسول الله؛ (إن صَفِيَّة) بفتح الصاد المهملة، وكسر الفاء، وتشديد التحتية، بنت حُيَيٍّ-بضمِّ الحاء المهملة، وباليائين؛ الأولى مفتوحة مخففة، والثانية مشددة- ابن أخطب -بفتح الهمزة، وسكون الخاء المعجمة، وفتح الطاء المهملة بعد موحدة- النَّضْرية (١) -بفتح النون، وسكون الضاد المعجمة- من بنات هارون أخ موسى صلَّى الله عليهما وسلَّم، سباها النبي الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم عام فتح خيبر، ثم أعتقها وتزوجها، وجعل عتقها صداقها، توفيت سنة ستين في خلافة معاوية رضي الله عنه، قاله الواقدي، وقال غيره: توفيت في خلافة علي الصدِّيق الأصغر سنة ست وثلاثين، كذا قرره إمام الشارحين.

(قد حاضت) أي: جاءها دم الحيض، (قال النبي) الأعظم (صلَّى الله عليه وسلَّم) أي: للحاضرين في مجلسه: (لعلها تحبسنا) أي: عن الخروج من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة حتى تطهر وتطوف بالبيت، و (لعل) ههنا ليست للترجي، بل للاستفهام، أو للتردد، أو للظن، وما شاكله، قاله إمام الشارحين صاحب «عمدة القاري»، (ألم تكن) بهمزة الاستفهام (طافت) أي: طواف الركن (معكن) أي: مع نساء الصحابة وأمهات المؤمنين رضي الله عنهن؟ (قالوا) وفي رواية: (فقالوا)؛ بالفاء؛ أي: الحاضرون هناك في مجلسه عليه السلام وفيهم الرجال والنساء، قاله إمام الشارحين صاحب «عمدة القاري» قال: وهذا أوجه مما زعمه الكرماني؛ أي: قال الناس، وإلا فحق القول أن يقال: فقلن أو فقلنا، ومما زعمه ابن حجر؛ أي: النساء ومن معهن من المحارم قال: (وهذا ليس بصحيح؛ لأنَّ فيه تغليب الإناث على الذكور) انتهى.

قلت: وما زعمه الكرماني ليس بصحيح أيضًا، فإن قوله: (قال الناس)؛ فاسد؛ لأنَّ القائل الحاضرون ذكورًا وإناثًا، لا جميع الناس.

وقوله: (وإلا فحق...) إلخ: ممنوع هنا؛ لأنَّ النبي الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم لم يخاطب النساء فقط، بل خاطب كل من كان في مجلسه الشريف، فليس حقه أن يقال ذلك، كما لا يخفى، وما زعمه ابن حجر بعيد عن الأفهام مع ما فيه من فساد الكلام؛ فإنه عليه السلام لم يخاطب إلا النساء والرجال سواء كانوا محارم أم لا، فمن أين جاء التقييد بالمحارم؟ ولا مانع أن ذلك كان قبل نزول الحجاب، فالخطاب متوجه إلى الحاضرين عنده مطلقًا، فالحق ما قاله إمام الشارحين رضي الله عنه، وهو أجدر بهذه التسمية؛ فافهم، والله تعالى أعلم.

(بلى) يا رسول الله؛ أي: طافت طواف الركن، (قال) أي: النبيُّ الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم: (فاخرجي) بالإفراد وبالخطاب، كذا في رواية الأكثرين، وفي رواية المستملي والكشميهني: (فاخرجن) بصيغة الجمع للإناث، أما الوجه الأول؛ ففيه التفات من الغيبة إلى الخطاب؛ يعني: قال صفية مخاطبًا لها: (اخرجي)، أو يكون الخطاب لعائشة؛ لأنَّها هي القائلة للنبيِّ الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم: إن صفية قد حاضت، فقال لها: (اخرجي)، فإنها توافقك في الخروج؛ إذ لا يجوز لها تأخر بعدك؛ لأنَّها قد طافت طواف الركن، ولم يبق عليها فرض، وفيه وجه آخر؛ وهو أن يقدر في الكلام شيء، قال لعائشة: قولي لها: اخرجي، وأما الوجه الثاني؛ فعلى السياق.

فإن قلت: ما الفاء في قوله: (فاخرجي)؟

قلت: فيه أوجه؛ الأول: أن تكون جوابًا لـ (أما) مقدرة؛ والتقدير: أما أنت؛ فاخرجي كما يخرج غيرك، والثاني: يجوز أن تكون زائدة، والثالث: يجوز أن تكون (٢) عطفًا على مقدر؛ تقديره: اعلمي أن ما عليك التأخر فاخرجي، كذا قرره إمام الشارحين.

وقال النووي في «شرح مسلم» : (ففي الحديث دليل لسقوط طواف الوداع عن الحائض، وأن طواف الإفاضة ركن لا بد منه، وأنه لا يسقط عن الحائض ولا غيرها، وأن الحائض تقيم له حتى تطهر، فإن ذهبت إلى وطنها قبل طواف الإفاضة؛ بقيت محرمة) انتهى.

قلت: تبقى محرمة أبدًا حتى تطوف في حق الجماع مع زوجها، وأما في حق غيره؛ فتخرج عن الإحرام، وفيه دليل على أن الحائض لا تطوف بالبيت، فإن هجمت وطافت؛ ففيه تفصيل، فإن كانت محدثة وكان الطواف طواف القدوم؛ فعليها الصدقة عندنا، وقال الشافعي: لا يعتد به، وإن كان طواف الركن؛ فعليها شاة، وإن


(١) في الأصل: (النضر به)، وهو تصحيف.
(٢) في الأصل: (يكون).

<<  <   >  >>