للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

عليهم في مثل هذا اليوم مما يُقِلُّ تحسرهم وهمهم، وأما تخصيصه عليه السلام النساء في ذلك اليوم حيث أمرهنَّ بالصدقة؛ فلغلبة البخل عليهنَّ، وقلة معرفتهنَّ بثواب الصدقة، وما يترتب عليها من الحسن والفضل في الدنيا قبل يوم الآخرة) انتهى.

وزعم الخطابي أنَّ في الحديث دليل على أنَّ النقص من الطاعات نقص من الدين، وردَّه صاحب «عمدة القاري»، فقال: (لا ينقص من الدين شيء، وإنما النقص والزيادة يرجعان إلى الكمال) انتهى.

قلت: ويدلُّ لهذا أنَّه عليه السلام قال في هذا الحديث: «أليس إذا حاضت لم تصلِّ ولم تصم؟ ...» إلخ، فإنَّه صريح في أنَّ الزيادة أو النقص يرجعان إلى الثمرات، فإنَّ الإيمان هو التصديق، وهو لا يزيد ولا ينقص، وإنما الذي يقبل الزيادة والنقصان ثمراته من الصَّوم والصَّلاة، فإنَّ الحائض حال نزول الدم غير مخاطبة بالفرائض فيه، وتمامه فيما كتبناه في كتاب (الإيمان).

وقال في «عمدة القاري» : وفي الحديث جواز خروج النساء أيام العيد إلى المصلَّى للصلاة مع الناس، وقال العلماء: هذا في زمنه عليه السلام، وأما اليوم؛ فلا تخرج الشابة ذات الهيئة، ولهذا قالت عائشة رضي الله عنها: (لو رأى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ما أحدث النساء بعده؛ لمنعهن المساجد كما منعت نساء بني إسرائيل)، قال إمام الشارحين: (قلت: هذا الكلام من عائشة بعد زمن يسير جدًّا بعد النبي صلَّى الله عليه وسلَّم، وأمَّا اليوم، فنعوذ بالله من ذلك؛ فلا يرخص في خروجهنَّ مطلقًا للعيد وغيره، ولا سيما نساء مصر على ما لا يخفى) انتهى.

قلت: ولا سيما نساء ديارنا الشريفة الشاميَّة؛ فإنهنَّ أكثرن الفساد، وجئن بالتبزير مع الآثام، وأوقعن الرجال بالهلكات، ولا يبعد أن يقال: يحرم على الزوج أن يأذن لهنَّ بالخروج مطلقًا لعيد وغيره، كما لا يخفى، وتمامه في «منهل الطلاب».

ونقل في «عمدة القاري» عن «التوضيح» رأى جماعة [ذلك] حقًّا عليهن؛ يعني: في خروجهن للعيد وغيره؛ منهم: أبو بكر، وعلي، وابن عمر، وغيرهم، ومنهم من منعهنَّ ذلك؛ منهم: عروة، والقاسم، ويحيى بن سَعِيد الأنصاري، ومالك، وأبو يوسف، وأجازه الإمام الأعظم مرة ومنعه أخرى، ومنع بعضهم في الشابَّة دون غيرها، وهو مذهب مالك وأبي يوسف، وقال الحافظ الطحاوي: (لأنَّ الأمر بخروجهنَّ أول الإسلام لتكثير المسلمين في أعين العدو)، قال إمام الشارحين صاحب «عمدة القاري» : (قلت: كان ذلك لوجود الأمن أيضًا، واليوم قلَّ الأمن والمسلمون كثير، ومذهب أصحابنا في هذا الباب ما ذكره صاحب «البدائع» : أجمعوا على أنَّه لا يرخص للشابة الخروج للعيدين والجمعة وشيء من الصلوات؛ لقوله تعالى: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ} [الأحزاب: ٣٣]؛ لأنَّ خروجهنَّ سببٌ للفتنة، وأما العجائز؛ فرخص لهن الخروج في العيدين، ولا خلاف أنَّ الأفضل ألَّا يخرجن في صلاة، فإذا خرجن؛ يصلين صلاة العيد في رواية الحسن بن زياد عن الإمام الاعظم، وفي رواية الإمام أبي يوسف عن الإمام الأعظم: لا يصلين، بل يكثرن سواد المسلمين وينتفعن بدعائهم، وفي حديث أم عطية قالت: كان رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يخرج العواتق ذات الخدور والحُيَّض، وأمر الحيَّض: «فليعتزلن المصلى، ويشهدن الخير، ودعوة المسلمين»، أخرجه الشيخان، وقال عليه السلام: «لا تمنعوا إماء الله مساجد الله»، أخرجاه أيضًا، وفي رواية أبي داود: «ليخرجن [وهنَّ] تفلات» : غير عطرات، والعواتق: جمع عاتق؛ وهي البنت التي بلغت، وقيل: التي لم تتزوَّج، والخدور: جمع خدر؛ وهو الستر، وزعم النووي يكره للشابة أو لمن تشتهى الحضور؛ لخوف الفتنة عليهنَّ وبهنَّ) انتهى كلامه.

ثم قال: (ففي الحديث جواز عظة النساء على حدة، وهذا للإمام، فإن لم يكن؛ فلنائبه، وفيه نص على أن الحائض يسقط عنها فرض الصوم والصَّلاة لكن الأول إلى خلف، والثاني لا؛ للحرج، وفيه الشفاعة للمسلمين وغيرهم أن يسأل لهم، وفيه حجة لمن كره السؤال لغيره، وفيه ما يدل على ما كان النبي صلَّى الله عليه وسلَّم من الخلق العظيم، والصفح الجميل، والرأفة، والرحمة على أمته عليه أفضل الصلوات وأشرف التحيات) انتهىوالله تعالى أعلم.

(٧) [باب تقضي الحائض المناسك كلها إلا الطواف بالبيت]

هذا (باب)؛ بالتنوين؛ لأنَّه مقطوع عما بعده، فيه بيان أن المرأة إذا حاضت بعد الإحرام؛ (تقضي) أي: تؤدي (الحائض المناسك كلها) : فتأتي بجميع المناسك (إلا الطواف بالبيت)؛ أي: لأنَّها لا تطوف بالبيت الحرام، و (المناسك) جمع منسَِك؛ بفتح السين المهملة وكسرها؛ وهو التعبد، ويقع على المصدر والزمان والمكان، وسميت أمور الحج كلها مناسك، وسئل ثعلب عن المناسك ما هو؟ فقال: (هو مأخوذ من النسيكة؛ وهي سبيكة الفضة المصفاة؛ كأنه (١) صفى نفسه لله تعالى)، وفي «المطالع» : (مواضع متعهدات الحج، والمنسك: المذبح أيضًا، وقد نسك ينسك نسكًا؛ إذا ذبح، والنسيكة: الذبيحة، وجمعها نسك أيضًا: الطاعة والعبادة وكلُّ ما يتقرب به إلى الله تعالى، والنسك: ما أمرت به الشريعة، والورع: ما نهت عنه، والناسك: العابد، وجمعه النُّسَّاك، والمناسبة بين البابين ظاهرة؛ لأنَّ في الأول ترك الحائض الصوم وهو فرض، وفي هذا تركها الطواف الذي هو ركن، وهو أيضًا فرض، وبقية الطواف كالركعتين بعده أيضًا لا يعمل إلا بالطهارة، وهل هي شرط في الطواف أم لا؟ فيه خلاف مشهور) انتهى قلت: والجمهور وهو مذهب الإمام الأعظم وأصحابه: أنها ليست بشرط والأحاديث الصحيحة تدل عليه، وزعم الشافعية أنها شرط فيه، وقاسوه على الصَّلاة، وهو قياس مع الفارق ودعوى غير صحيحة، كما سيأتي بيانه في محله إن شاء الله تعالى.

(وقال إبراهيم) هو النخعي: (لا بأس) أي: لا حرج (أن تقرأ) أي: الحائض (الآية)؛ أي: من القرآن، وهذا الأثر وصله الدارمي بلفظ: (أربعة لا يقرؤون القرآن: الجنب، والحائض، وعند الخلاء، وفي الحمام إلا آية)، وعن إبراهيم فيه أقوال؛ في قول: يستفتح رأس الآية ولا يتممها، وهو قول عطاء، وسَعِيد بن جبير؛ لما روى ابن أبي شيبة: حدثنا خالد الأحمر، عن حجاج، عن عطاء، وعن حمَّاد، وعن إبراهيم، وسَعِيْد بن جبير: (في الحائض والجنب يستفتحون رأس الآية، ولا يتمون آخرها)، وفي قول: يكره قراءة القرآن للجنب، وروى ابن أبي شيبة: حدثنا وكيع، عن شعبة، عن حمَّاد: أن سَعِيد بن المسيب قال: (يقرأ الجنب القرآن)، قال: (فذكرته لإبراهيم فكرهه)، وفي قول: يقرأ ما دون الآية، ولا يقرأ آية تامة، وفي قول: يقرأ القرآن ما لم يكن جنبًا؛ لما روى ابن أبي شيبة: حدثنا وكيع، عن شعبة، عن حمَّاد، عن إبراهيم، عن عمر قال: (لا تقرأ الحائض القرآن)، كذا قاله إمام الشارحين في «عمدة القاري».

ثم قال: (وجه تطابق هذا الأثر للترجمة والآثار التي بعده من حيث إن الحيض لا ينافي كل عبادة، بل تصح معه عبادات بدنية من إدراك نحو التسبيح والتحميد ونحو ذلك، وقراءة ما دون الآية عند جماعة، والآية عند إبراهيم، ومناسك الحج كذلك من جملة ما لا ينافيه الحيض إلا الطواف، فإنه مستثنًى من ذلك، وكذلك الآية وما فوقها مستثنًى من ذلك، وهذا وجه يطابق هذا الأثر للترجمة، وكذلك الآثار التي


(١) في الأصل: (كأنها)، ولعل المثبت هو الصواب.

<<  <   >  >>