للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

قلت: وهو ظاهر يدل عليه قوله: (ودين) ... إلخ، فإنه عليه السلام حين سألنه لم يُجِبْهُنَّ بأن المراد من العقل: الدية، وهذا دليل على منع ما حكاه ابن التين؛ فافهم.

وقال في «عمدة القاري» : (وقوله: «تكثرن اللعن، وتكفرن العشير» جواب تام، فكأنه من باب الاستتباع، إذالذم بالنقصان؛ استتبع لأمر آخر غريب، وهو كون الرجل الكامل الحازم منقادًا للنساء الناقصات دينًا وعقلًا) انتهى.

(أذهب) : أفعل التفضيل، من الإذهاب، على مذهب سيبويه حيث جوَّز بناء (أفعل) التفضيل من الثلاثي المزيد فيه، وكان القياس فيه: أشد إذهابًا، كذا في «عمدة القاري»، (للُبِّ)؛ بضمِّ اللام، وتشديد الموحدة: العقل الخالص من الشوائب، فهو خالص ما في الإنسان من قواه، فكلُّ لبِّ عقلٌ، وليس كلُّ عقلٍ لُبًّا (١) (الرجل الحازم)؛ بالحاء المهملة، والزاي المعجمة؛ أي: الضابط لأمره، وهو على سبيل المبالغة في وصفهن بذلك؛ لأنَّه إذا كان الضابط لأمره ينقاد لهن؛ فغيره أولى، (قلن) : ويروى: (فقلن) : (وما نقصان ديننا وعقلنا يا رسول الله؟) : وهذا استفسار منهنَّ عن وجه نقصان دينهنَّ وعقلهنَّ، وذلك لأنَّه خفي عليهنَّ ذلك حتى استفسرن، وزعم ابن حجر أنَّ هذا السؤال دالٌّ على النقصان؛ لأنَّهنَّ سلمن ما نسب إليهنَّ من الأمور الثلاثة الإكثار، والكفران، والإذهاب، ثم استشكل كونهنَّ ناقصات، ورده صاحب «عمدة القاري»، فقال: قلت: هذا الاستفسار وليس باستشكال؛ لأنَّهنَّ بعد أن سلمن هذه الأمور الثلاثة لا يكون عليه إشكال، ولكن لمَّا خفي سبب نقصان دينهنَّ وعقلهنَّ؛ سألن عن ذلك بقولهنَّ: (ما نقصان ديننا وعقلنا؟)، والتسليم بهذه الأمور كيف يدل على النقصان؟ وبين صلَّى الله عليه وسلَّم ما خفي عليهنَّ من ذلك بقوله: (قال)؛ أي: النبي الأعظم عليه السلام (أليس شهادة المرأة مثل نصف شهادة الرجل؟) : هذا جواب منه عليه السلام بلطف وإرشاد من غير تعنيف ولا لوم، بحيث خاطبهنَّ على قدر فهمهنَّ؛ لأنَّه عليه السلام كان يخاطب الناس على قدر عقولهم، انتهى كلامه، (قلن: بلى) يا رسول الله.

وقال النووي: (أما وصفه النساء بنقصان الدين؛ فلتركهنَّ الصَّلاة والصوم، فقد يستشكل معناه، وليس بمشكل، فإنَّ الدين والإيمان والإسلام مشترك في معنى واحد، فإن من كثرت عبادته؛ زاد إيمانه ودينه، ومن نقص عبادته؛ نقص دينه)، ورده صاحب «عمدة القاري» حيث قال: (قلت: دعواه الاشتراك في هذه الثلاثة غير مسَلَّمَة؛ لأنَّ بينها فرق لغة وشرعًا، وقوله: «زاد إيمانه أو نقص» ليس راجعًا إلى الذات، بل هو راجع إلى الصفة كما تقدر هذا في موضعه) انتهى، قلت: وهذا ظاهر، وقد أشبعنا الكلام عليه في كتاب (الإيمان)؛ فافهم.

وقال إمام الشارحين صاحب «عمدة القاري» : (وقوله: «أليس شهادة المرأة مثل نصف شهادة الرجل؟» إشارة إلى قوله عزَّ وجلَّ: {فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} [البقرة: ٢٨٢].

فإن قلت: ما النكتة في تفسيره لهذه العبارة، ولم يقل: أليس شهادة المرأتين مثل شهادة الرجل؟

قلت: لأنَّ في عبارته تلك تنصيص على النقص صريحًا بخلاف ما ذكرت، فإنه يدلُّ عليه ضمنًا؛ فافهم، فإنه دقيق.

فإن قلت: أليس ذلك ذمًّا لهنَّ؟

قلت: لا، ولكنَّه على معنى التعجب بأنهنَّ مع اتصافهنَّ بهذه الحالة يفعلن بالرجل الحازم كذا وكذا) انتهى كلامه.

ثم قال: (ففيه تنبيه على أن شهادة امرأتين تعدل شهادة رجل واحد، وفيه دليل على أن ملاك الشهادة العقل، وفيه مراجعة المتعلمِ والتابعِ المتبوعَ والمعلِّمَ فيما قالاه إذا لم يظهر له معناه) انتهى.

(قال) أي: النبي الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم: (فذلكِ)؛ بكسر الكاف، خطاب للواحدة التي تولَّت الخطاب، ويجوز فتح الكاف على أنَّه خطاب للعام، والإشارة إلى ما ذكر من قوله: «أليس شهادة المرأة مثل نصف شهادة الرجل؟»، كذا قاله صاحب «عمدة القاري» (من نقصان عقلها) : فإن قلت: هذا خطاب للإناث والمعهود فيه (فذلكنَّ)؛ قلت: قد عهد في خطاب المذكر الاستغناء بـ (ذلك) عن (ذلكم)، قال تعالى: {فَمَا جَزَاءُ مَن يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنكُمْ} [البقرة: ٨٥]، فهذا مثله في المؤنث على أنَّ بعض النحاة نقل لغة بأنَّه يكتفى بكاف مكسورة مفردة لكلِّ مؤنث، أو الخطاب لغير معيَّن من النساء؛ ليعم الخطاب كلًَا منهن على سبيل البدل، إشارة إلى أنَّ حالتهنَّ في النقص تناهت في الظهور إلى حيث يمتنع خفاؤها، فلا تختص به واحدة دون أخرى، كذا في «المصابيح».

ثم قال عليه السلام: (أليس إذا حاضت)؛ أي: المرأة منكنَّ (لم تصل) الصَّلاة المفروضة (ولم تصم) الصوم المفروض؛ لوجود المانع فيها من الحيض؟ (قلن: بلى) يا رسول الله، وهذا محل مطابقة الحديث للترجمة، (قال)؛ أي: النبي الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم: (فذلكِ)؛ بكسر الكاف، خطابًا للواحدة التي تولَّت الخطاب، ويجوز فتح الكاف على أنَّه للخطاب العام؛ فافهم، ففيه ألَّا يواجه (٢) بذلك الشخص المعين، فإن في الشمول تسلية وتسهيلًا؛ فليحفظ، (من نقصان دينها).

فإن قلت: هذا العموم فيهنَّ يعارضه قوله عليه السلام: «كمل من الرجال كثير، ولم يكمل من النساء إلا مريم بنت عمران، وآسية بنت مزاحم»، وفي رواية: «أربع»، وهو ما رواه الترمذي وأحمد من حديث أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: «حسبك من نساء العالمين أربع: مريم بنت عمران، وآسية امرأة فرعون، وخديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمَّد».

قلت: أجاب ابن حجر: بأن بعض الأفراد خرج عن ذلك؛ لأنَّه نادر قليل، وردَّه صاحب «عمدة القاري»، ثم قال: (والجواب السديد في ذلك: هو أنَّ الحكم على الكلِّ بشيء لا يستلزم الحكم على كلِّ فرد من أفراده بذلك الشيء)، وقال النووي: (ونقص الدين قد يكون على وجه يأثم؛ كمن ترك الصَّلاة بلا عذر، وقد يكون على وجه لا يأثم به؛ كمن ترك الجمعة لعذر، وقد يكون على وجه هو مكلف به؛ كترك الحائض الصَّلاة والصوم، فإن قيل: إذا كانت معذورة فهل تثاب على ترك الصَّلاة في زمن الحيض وإن كانت لا تقضيها كما يثاب المريض، ويكتب له في مرضه مثل نوافل الصلوات التي كان يفعلها في صحته؟ قلت: وظاهر هذا الحديث أنَّها لا تثاب، والفرق أنَّ المريض كان يفعلها بنيَّة الدوام عليها مع أهليَّته لها، والحائض ليست كذلك، بل نيَّتها ترك الصَّلاة في زمن الحيض، وكيف لا وهي حرام عليها؟) قال صاحب «عمدة القاري» : (قلت: ينبغي أن تثاب على ترك الحرام) انتهى.

قلت: وقال أئمة المذهب المعظم: يستحب للحائض أن تتوضأ لكل وقت، وتجلس في مصلَّاها تذكر الله تعالى حتى تكون معتادة على إقامة الصَّلوات، ولا ريب أنَّها تثاب على هذا الفعل، وتمامه في «منهل الطلاب».

وقال إمام الشارحين صاحب «عمدة القاري» : (وفي الحديث استحباب خروج الإمام مع القوم إلى مصلى العيد في الجبانة لأجل صلاة العيد، ولم يزل الصدر الأول يفعلون ذلك، ثمَّ تركه أكثرهم؛ لكثرة الجوامع، ومع هذا فإنَّ أهل بلاد شتَّى لم يتركوا ذلك، وفيه الحثُّ على الصدقة؛ لأنَّها من أفعال الخيرات والمبرَّات، فإن الحسنات يذهبن السيئات، ولا سيما في مثل يومي العيدين؛ لاجتماع الأغنياء والفقراء، وتحسُّر الفقراء عند رؤيتهم الأغنياء عليهم الثياب الفاخرة، ولا سيما أيتام الفقراء والأرامل الفقراء، فإن الصدقة


(١) في الأصل: (لب).
(٢) في الأصل: (يؤاخذ)، ولعل المثبت هو الصواب.

<<  <   >  >>