للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

على ما نقله الأزهري من تخصيصه بالرجال، إلا إن كان مراده بالتخصيص حالة إطلاق المعشر لا تقييده كما في الحديث؛ فافهم.

وقوله: (تصدقن) مقول القول، والفاء في قوله: (فإني) للتعليل (أُرِيتكن)؛ بضمِّ الهمزة، وكسر الراء على صيغة المجهول (أكثرَ أهل النار)؛ أي: أراني الله إياكنَّ أكثر أهل النار، فـ (أكثر) منصوب؛ لأنَّ قوله: (أريتكن) (١) متعد إلى ثلاثة مفاعيل؛ الأول التاء التي هي مفعول ناب عن الفاعل، والثاني قوله: (أكثر أهل النار)، كذا ارتضاه صاحب «عمدة القاري»، وقال صاحب «التلويح» : (أكثر) بنصب الراء على أن (أريت) (٢) يتعدى إلى مفعولين، أو على الحال إذا قلنا: إن (أفعل) لا يتعرف بالإضافة، كما صار إليه الفارسي وغيره، وقيل: إنه بدل من الكاف في (أريتكن) (٣) انتهى ومنعه صاحب «عمدة القاري».

فإن قلت: في أين أريهن أكثر أهل النار؟

قلت: في ليلة الإسراء، وفي حديث ابن عباس الآتي في صلاة الكسوف: أن الرواية المذكورة وقعت في صلاة الكسوف، وعن ابن عباس رضي الله عنهما بلفظ: «أريت النار فرأيت أكثر أهلها النساء».

فإن قلت: ورد في الحديث قال: «لكل رجل زوجتان من الآدميين»؟

قلت: لعل هذا قبل ورود الشفاعة، كذا في «عمدة القاري».

قلت: وحاصله أنه عليه السلام رأى النار ليلة الإسراء، فرأى أكثر أهلها النساء هذا هو المتعين؛ فافهم.

(قلن) : وفي رواية: (فقلن) : (وبم يا رسول الله؟) : الواو للعطف على مقدر؛ تقديره: ما ذنبنا، والباء للسببية، وكلمة (ما) استفهامية حذفت ألفها وجوبًا؛ لأنَّها مجرورة، وبقيت الفتحة دليلًا عليها؛ مثل: (إلامَ) و (علامَ)، وعلة الحذف الفرق بين الاستفهام والخبر، فلهذا حذفت في {فِيمَ أَنْتَ مِن ذِكْرَاهَا} [النازعات: ٤٣]، {فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ المُرْسَلُونَ} [النمل: ٣٥]، وأما قراءة عكرمة وعيسى: (عما يتساءلون) [عمَّ: ١]؛ فنادر، كذا قاله صاحب «عمدة القاري».

وزعم ابن حجر أن الواو في (وبم) استئنافية، والباء تعليلية، وحذفت الألف من (ما) تخفيفًا، انتهى، قلت: ومنعه صاحب «عمدة القاري»، قلت: لعدم ظهور وجهه، كما لا يخفى على من له أدنى ذوق في العلم؛ لأنَّ الواو عاطفة على المقدر المناسب لما قبلها من الأمر، ولأن الباء ذكرت لأجل السببية في كونهن أكثر أهل النار، وقوله: (وحذفت الألف...) إلخ: هذا أبعد بعيد عما قاله؛ لأنَّ (ما) الاستفهامية إذا جُرَّت؛ وجب حذف ألفها، فالحذف واجب، لا لأجل التخفيف كما زعمه هذا القائل، وهذا ما عليه النحويون، فمن أين جاء ما قاله؟ فافهم.

(قال)؛ أي: النبي الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم: لإنَّكنَّ (تكثرن اللعن) : من الإكثار، واللعن لغة: الطرد والإبعاد من الخير، واللعنة: الاسم؛ ومعناه: أنهنَّ يتلفظنَّ باللعنة، ففيه ذم الدعاء باللعن؛ لأنَّه دعاء بالإبعاد من رحمة الله عزَّ وجلَّ، وقالوا: إنَّه محمول على ما إذا كان في معيَّن؛ لأنَّه لا تعرف خاتمة أمره بالقطع إلى أين مصيره؟ أمَّا من عرف خاتمة أمره ومصيره بالقطع؛ فيجوز كأبي جهل، ومثله لعن صاحب وصف بدون تعيين؛ كالكافرين والظالمين؛ فإنَّه جائز، (وتكفرن العشير) : هو الزوج، سمِّي بذلك؛ لمعاشرته إيَّاها، وفي «الموعب» : (عشيرك: الذي يعاشرك، أيديكما وأمركما واحد، لا يكادون يقولون في جمعه: عشراء (٤)، ولكنهم معاشروك (٥) وعشرك)، وقال الفراء: (يجمع على عشراء؛ مثل: جليس وجلساء، وإن العرب لتكرهه كراهة أن يشاكل قولهم: ناقة عشراء، والعشير: الصديق، والزوج، وابن العم)، كذا في «عمدة القاري».

ثم قال: (وتكفرن) : من الكفر؛ وهو الستر، وكفران النعمة وكفرها: سترها بترك أداء شكرها، والمراد: أنهنَّ يجحدن نعمة الزوج ويستقللن ما كان منه، ففيه أنَّ الكلام القبيح كاللعن والشتم حرام، وأنَّه من المعاصي، فإن داوم عليه؛ صار كبيرة، واستدل النووي على أنَّ اللعن والشتم من الكبائر بالتوعَّد عليهما بالنار، وفيه إطلاق الكفر على الذنوب (٦) التي لا تخرج عن الملة تغليظًا على فاعلها، وفيه إطلاق الكفر على غير الكفر بالله عزَّ وجلَّ، وفيه أنَّ جحد النعم حرام وكفران النعمة مذموم، وفيه أنَّ الصدقة تدفع [العذاب]، وأنها تكفر الذنوب، وفيه الإشارة إلى الإغلاظ في النصح بما يكون سببًا لإزالة الصفة التي تعاب أو الذنب الذي يتصف به الإنسان، كذا قرره إمام الشارحين صاحب «عمدة القاري» رحمه الله تعالى.

(ما رأيت من ناقصات) : صفة موصوف محذوف؛ أي: ما رأيت أحدًا من ناقصات (عقل) : العقل في اللغة: ضد الحمق، وعن الأصمعي: (هو مصدر عقل الإنسان يعقل)، وقال ابن دريد: (هو مشتق من عقال الناقة؛ لأنَّه يعقل صاحبه عن الجهل؛ أي: يحبسه، ولهذا قيل: عقل الدواء بطنه؛ أي: أمسكه)، وفي «العين» : (عقلت بعد الصبا؛ أي: عرفت بعد الخطأ الذي كنت فيه، واللغة الغالبة عقل، وقالوا: عقل يعقل؛ مثل: حكم يحكم، وهو المعقول)، وقال ابن الأنباري: (العاقل: الجامع لأمره ورأيه)، وقال الأزهري: (العاقل: الذي يحبس نفسه ويردها عن هواها، أخذًا من قولهم: اعتقل لسانه؛ إذا حبس ومنع من الكلام)، وفي «المختصر» : (قال سيبويه: قالوا: العقل كما قالوا: الظرف (٧)، أدخلوه في باب عجز؛ لأنَّه مثله، والعقل من المصادر المجموعة من غير أن تختلف أنواعها)، وقال الإمام الرئيس أبو علي ابن سينا: (العقل والحجى والنهى؛ كلها متقاربة المعاني)، وعن الأصمعي: (هو الإمساك عن القبيح، وقصر النفس وحبسها على الحسن، وقالوا: عاقل وعقلاء، وهو الحلم، واللب، والحجر، والطعم، والمحت، والمرجح، والجول، والجنجيب، والذهن، والهرمان (٨)، والحصاة)، وفي «المحكم» : (وجمعه: عقول)، وقال القزاز: (مسكنه عند قوم في الدماغ، وعند آخرين في القلب)، قال صاحب «عمدة القاري» : (الأول قول الإمام الأعظم، والثاني قول الشافعي، وقيل: مسكنه الدماغ، وتدبيره في القلب، وعن هذا قالوا: العقل جوهر خلقه الله في الدماغ، وجعل نوره في القلب، يدرك به المغيبات بالوسائط والمحسوسات بالمشاهدة)، وقال بعض المتكلمين: العلم: العقل، وقيل: بعض العلوم الضرورية، وقيل: قوة يميز بها حقائق المعلومات، وقال الإمام الرئيس أبو علي: (هو اسم مشترك لمعان عدة: عقل لصحة الفطرة الأولى في الناس، وهو قوة يميز بها بين الأمور القبيحة والحسنة، وعقل لما يكتسبه بالتجارب من الأحكام يكون مقدمة يحصل بها المصالح، وعقل بمعنى آخر، وهذه هيئة محمودة للإنسان في حركاته وكلامه)، وأما الحكماء؛ فقد فرقوا بينه وبين العلم، وقالوا: العقل الفطري والعملي بالفعل والمبادئ والفعال، وتحقيقه في كتبهم، وإنما سمي العقل عقلًا من قولهم: ظبي عاقل؛ إذا امتنع في أعلى الجبل، فسمي هذا به؛ لأنَّه في أعلى الجسد بمنزلة الذي في أعلى الجبل، وقيل: العاقل: الجامع لأموره برأيه، مأخوذ من قولهم: عقلت الفرس؛ إذا جمعت قوائمه، كذا حققه إمام الشارحين في «عمدة القاري».

وحكى ابن التين عن بعضهم: أن المراد من العقل: الدية؛ لأنَّ ديتها على النصف من دية الرجل، ورده صاحب «عمدة القاري» حيث قال: (قلت: ظاهر الحديث يأباه) انتهى.


(١) في الأصل: (رأيتكن)، ولعل المثبت هو الصواب.
(٢) في الأصل: (رأيت)، ولعل المثبت هو الصواب.
(٣) في الأصل: (أرأيتكن)، ولعل المثبت هو الصواب.
(٤) في الأصل: (عشر)، ولعل المثبت هو الصواب.
(٥) في الأصل: (يعاشروك)، ولعل المثبت هو الصواب.
(٦) في الأصل: (الذنب)، ولعل المثبت هو الصواب.
(٧) في الأصل: (الطرف)، ولعل المثبت هو الصواب.
(٨) في الأصل: (والمهرمان)، ولعل المثبت هو الصواب.

<<  <   >  >>