للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

بتكفير مستحله لما في «الخلاصة» أن المسألة إذا كان فيها وجوه؛ توجب التكفير، ووجه واحد يمنع؛ فعلى المفتي أن يميل إلى ذلك الوجه) انتهى.

ووطء النفساء كالحائض؛ لأنَّ حكم النفاس حكم الحيض في كل شيء، إلا فيما استثني وليس هذا منه، كما صرح به في «شرح الهاملية»، و «الجوهرة» وعلى هذا: الخلاف وطء الدبر من المرأة والغلام، وتمامه في «منهل الطلاب».

كذا ذكرت الآية بتمامها في رواية ابن عساكر، ولأبوي الوقت وذر: {فَاعْتَزِلُوا..} إلى قوله: {وَيُحِبُّ المُتَطَهِّرِينَ} [البقرة: ٢٢٢]، وللأَصيلي كذلك إلى قوله: {المُتَطَهِّرِينَ}، وفي رواية: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ المَحِيضِ..}؛ الآية.

قال في «عمدة القاري» : (فإن قلت: أورد هذه الآية ههنا، ولم يبين منها شيئًا، فما كانت فائدة ذكرها هنا؟

قلت: أقل فائدة ذكرها هنا التنبيه على نجاسة الحيض، وفيه: الإشارة أيضًا إلى وجوب الاعتزال عنهن في حالة الحيض، وغير ذلك)، والله تعالى أعلم.

(١) [باب كيف كان بدء الحيض]

هذا (بابٌ)؛ بالتنوين بالقطع عما بعده، خبر لمبتدأ محذوف، ويجوز ترك التنوين للإضافة إلى قوله: (كيف) وهي اسم بالقطع؛ لدخول الجار عليه بلا تأويل في قولهم: على كيف تتبع الأحمرين؟ ومحلها من الإعراب النصب على الحال، كما في قولك: كيف جاء زيد؟ أي: على أي حالة جاء زيد؛ والتقدير هنا: على أي حالة (كان بدء) من بدأ يبدأ بدءًا؛ أي: ظهر، والبدء بالهمز في آخره على (فعْل) بسكون العين المهملة من بدأت الشيء بدأ ابتدأت به (الحيض)؛ أي: ابتداؤه، ولفظة (كان) من الأفعال الناقصة تدل على الزمان الماضي من غير تعرُّض لزواله في الحال أو لا زواله، وبهذا يفرق عن (صار)، فإن معناه الانتقال من حال إلى حال، ولهذا لا يجوز أن يقال: صار الله، ولا يجوز أن يقال: إلا كان الله تعالى، والله أعلم، والباب أصله: بَوَبَ بالتحريك قلبت الواو ألفًا؛ لتحركها وانفتاح ما قبلها، ويجمع على أبواب وأبوبة، والمراد من الباب هنا: النوع كما في قولهم: من فتح بابًا من العلم؛ أي: نوعًا، كذا قرره في «عمدة القاري»، (وقول النبيِّ) الأعظم (صلَّى الله عليه وسلَّم) : بالجر بدل مما قبله، وبالرفع على الابتداء أو الخبر، والأول أظهر: (هذا)؛ أي: الحيض (شيء كتبه الله على بنات آدم)؛ لأنَّه من أصل خلقتهن الذي فيه صلاحهن، ويدل عليه قوله تعالى: {وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ} [الأنبياء: ٩٠] المفسر بـ (أصلحناها)؛ للولادة بِرَدِّ الحيض إليها بعد عقرها، وقد روى الحاكم بإسناد صحيح من حديث ابن عباس: (أن ابتداء الحيض كان على حواء عليها السلام بعد أن أُهبِطت من الجنة).

قال في «عمدة القاري» : (وهذا من تعليقات (١) البخاري، والآن نذكره موصولًا عقيب هذا، وسنذكره أيضًا في الباب السادس من جملة حديث) انتهى.

وزعم ابن حجر أن قوله: (وقول النبيذِ...) إلخ يشير إلى حديث عائشة المذكور عقيبه.

ورده صاحب «عمدة القاري» فقال: هذا الكلام غير صحيح، بل قوله: (هذا شيء) يشير به إلى الحيض، فكذلك بلفظ (شيء) في الحديث الذي يأتي في الباب السادس، ولكنه بلفظ: (فإن ذلك شيء كتبه الله على بنات آدم)، وعلى كل تقدير؛ فالإشارة بقوله: (هذا) إلى الحيض، انتهى.

واعترض البرماوي على ابن حجر في قوله: هذا التعليق المذكور وصله المؤلف بلفظ (شيء) من طريق أخرى بعد خمسة أبواب، فقال: (ليس في الباب المذكور شيء، بل هو الحديث الذي أورده البخاري في هذا الباب، فلا حاجة لادِّعاء وصله بموضع آخر، نعم؛ لفظه هناك (أمر) بدل (شيء)، فـ (شيء) إما رواية بالمعنى، وإما أنه مروي أيضًا) انتهى.

ورده القسطلاني فقال: والصواب ما قاله ابن حجر، فإنه في الباب المذكور كذلك، نعم؛ قال فيه: (فإن ذلك شيء) بدل قوله هنا: (هذا شيء) انتهى.

قلت: وهذا يدل على أنه ليس بموصول هناك إلا أن يقال: اختلاف اللفظ لا يدل على التعدد، هذا وقد قال ما قاله ابن حجر إمام الشارحين صاحب «عمدة القاري»، كما علمت عبارته، فالصواب ما قاله في «عمدة القاري»؛ فليحفظ.

(وقال بعضهم)؛ هو عبد الله بن مسعود، وعائشة رضي الله عنهما: (كان أولُ)؛ بالرفع اسم (كان) (ما أُرسل)؛ بضمِّ الهمزة مبني للمفعول (الحيضُ)؛ بالرفع نائب عن الفاعل، وكلمة (ما) مصدرية؛ والتقدير: كان أول إرسال الحيض (على) بنات (بني إسرائيل) خبر (كان)، وأشار المؤلف بهذا إلى ما أخرجه عبد الرزاق عن ابن مسعود وعائشة بإسناد صحيح، ولفظه: (كان الرجال والنساء في بني إسرائيل يصلون جميعًا، وكانت المرأة تتشرف للرجل، فألقى الله عليهن الحيض، ومنعهن المساجد)، قاله في «عمدة القاري»، ثم قال: فإن قلت: الحيض أُرسِل على بنات إسرائيل ولم يرسل على بنيه، فكيف قال على بني إسرائيل؟

وأجاب الكرماني: بأن بني إسرائيل يستعمل ويراد به: أولاده، كما يراد من بني آدم أولاده، أو المراد على هذا القول: القبيلة.

ورده صاحب «عمدة القاري» بأن هذا من حيث اللغة يمشي، ومن حيث العرف لا يذكر الابن ويراد به: الولد، حتى لو أوصى بثلث ماله لابن زيد، وله ابن وبنت؛ لا تدخل البنت فيه، ودخول البنات في بني آدم بطريق التبعية، وقوله: (أو المراد به: القبيلة) ليس له وجه أصلًا؛ لأنَّ القبيلة تجمع الكل، فيدخل فيه الرجال أيضًا، وقد علم أن طبقات العرب ست، فالقبائل تجمع الكل، ويمكن أن يقال: إن المضاف فيه محذوف؛ تقديره: على بنات بني إسرائيل، يشهد بذلك قوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «كتبه الله على بنات آدم»، ونذكر التوفيق بينهما عن قريب انتهى كلامه.

(قال أبو عبد الله)؛ أي: المؤلف نفسه، كذا في الرواية وهو ساقط في بعضها: (وحديث النبيِّ) الأعظم (صلَّى الله عليه وسلَّم) أن: «هذا شيء كتبه الله على بنات آدم» (أكثر)؛ بالمثلثة؛ أي: أشمل من قول ابن مسعود وعائشة المذكور، قال في «عمدة القاري» : (وكأنه أشار بهذا الكلام إلى وجه التوفيق بين الخبرين، وهو أن كلام الرسول أكثر قوة وقبولًا من كلام غيره من الصحابة).

وزعم الكرماني ويروى: (أكبر)؛ بالموحدة؛ ومعناه على هذا: وحديث النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم أعظم، وأجل، وآكد ثبوتًا، وقرأ الكرماني: (الأكثر)؛ بالمثلثة.

وقال الداودي: (ليس بينهما مخالفة، فإن نساء بني إسرائيل من بنات آدم).

وزعم ابن حجر أنه على هذا؛ فقوله: (من بنات آدم) عام أريد به الخصوص.

وردهما صاحب «عمدة القاري» فقال: (قلت: ما أبعد كلام الداودي في التوفيق بينهما! نعم؛ نحن لا ننكر أن نساء بني إسرائيل من بنات آدم، ولكن الكلام في لفظ الأولوية فيهما، ولا ينبغي المخالفة إلا بالتوفيق بين لفظي الأولوية، وأبعد من هذا قول هذا القائل: عام أريد به الخصوص، فكيف يجوز تخصيص عموم كلام النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم بكلام غيره؟!).

ثم قال ابن حجر: (ويمكن أن يجمع بينهما؛ بأن الذي أُرسل على نساء بني إسرائيل طول مكثه بهن عقوبة لهن لابتداء وجوده).

ورده صاحب «عمدة القاري» فقال: قلت: هذا كلام من لا يذوق المعنى، وكيف يقول: لابتداء وجوده، والخبر فيه أول ما أرسل وبينه وبين كلامه منافاة، وأيضًا في أين ورد أن الحيض طال مكثه في بني إسرائيل؟! ومن نقل هذا؟!.

وقد روى الحاكم بإسناد صحيح عن ابن عباس: (أن ابتداء الحيض كان على حواء عليها السلام بعد أن أُهبطت من الجنة)، وكذا رواه ابن المُنْذِر، وقد روى الطبراني وغيره


(١) في الأصل: (التعليقات)، ولعل المثبت هو الصواب.

<<  <   >  >>