للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

ثم ينفخ فيه الروح»، فأتى فيه بكلمة (ثم) التي هي تقتضي التراخي في الكتب إلى ما بعد الأربعين الثالثة، والأحاديث الثانية تقتضي الكتب عقيب الأربعين الأولى.

قلت: أجيب: بأن قوله: «ثم يبعث إليه الملك، فيؤذن بأربع كلمات فيكتب...» معطوف على قوله: «فيجمع في بطن أمه»، ومتعلقًا به، لا بما قبله، وهو قوله: «ثم يكون مضغة مثله»، ويكون قوله: «ثم يكون علقة مثله، ثم يكون مضغة مثله» معترضًا بين المعطوف والمعطوف عليه، وذلك جائز موجود في القرآن، والفصيح، وكلام العرب.

وقال القاضي عياض: (والمراد بإرسال الملك في هذه الأشياء: أمره بها والتصرف فيها بهذه الأفعال، وإلا؛ فقد صرح في الحديث بأنه موكل بالرحم ملكًا، وأنه يقول: يا رب؛ نطفة، يا رب؛ علقة، وقوله في حديث أنس: «وإذا أراد الله أن يقضي خلقًا؛ قال: يا رب؛ أذكر أم أنثى؟» لا يخالف ما قدمناه، ولا يلزم منه أن يقول ذلك بعد المضغة، بل هو ابتداء كلام، وإخبار عن حالة أخرى، فأخبر أولًا بحال الملك مع النطفة، ثم أخبر أن الله تعالى إذا أراد خلق النطفة علقة؛ كان كذا وكذا، ثم المراد بجميع ما ذكر من الرزق، والأجل، والشقاوة، والسعادة، والعمل، والذكورة، والأنوثة يظهر ذلك للملك، فيأمره بإنفاذه، وكتابته، وإلا؛ فقضاء الله، وعلمه، وإرادته سابق على ذلك) انتهى.

ذكر ما يستنبط منه: قال إمام الشارحين: (اعلم: أن هذا الحديث جامع لجميع أحوال الشخص؛ إذ فيه بيان حال المبدأ؛ وهو ذاته ذكرًا أو أنثى، وحال المعاد؛ وهو الشقاوة، والسعادة، وما بينهما؛ وهو الأجل، وما يتصرف فيه؛ وهو الرزق، وقد جاء أيضًا: «فرغ الله من أربع: من الخَلق، والخُلق، والأجل، والرزق»، والخَلق -بفتح الخاء المعجمة- إشارة إلى الذكورة والأنوثة، وبضمِّها إلى السعادة وضدِّها).

وقال المهلب: (إن الله تعالى علم أحوال الخلق قبل أن يخلقهم)، وهو مذهب أهل السنة، وأجمع العلماء على أن الأمة تكون أم ولد بما أسقطته من ولد تام الخلق، واختلفوا فيمن لم يتم خلقه من المضغة والعلقة، فقال مالك والأوزاعي: تكون بالمضغة أم ولد مخلقة كانت أو غير مخلقة، وتنقضي بها العدة، وعن أبي القاسم: تكون أم ولد بالدم المجتمع، وعن أشهب: لا تكون به أم ولد وتكون بالمضغة والعلقة، وقال الإمام الأعظم رأس المجتهدين، والجمهور، وأصحابه، والشافعي: إن كان قد تبين في المضغة شيء من الخلق إصبع أو غير ذلك؛ فهي أم ولد، وعلى مثل هذا انقضاء العدة، وإلا؛ فلا.

وقال القاضي عياض: (ولم يختلف أن نفخ الروح فيه يكون بعد مئة وعشرين يومًا، وذلك تمام أربعة أشهر ودخوله في الخامس، وهذا موجود بالمشاهدة، وعليه يقول فيما يحتاج إليه من الأحكام في الاستحقاق، ووجوب النفقات، وذلك للنفسة بحركة الجنين في الجوف، وقيل: إن الحكمة في عدتها من الوفاة بأربعة أشهر والدخول في الخامس تحقُّقُ براءة الرحم ببلوغ هذه المدة إذا لم يظهر حمل، ونفخ الملك في الصورة سبب لخلق الله عنده فيها الروح والحياة؛ لأنَّ النفخ المتعارف إنَّما هو إخراج ريح من النافخ فيصل بالمنفوخ فيه، فإن قدر شيء عند ذلك النفخ؛ فذلك بإحداث الله تعالى لا بالنفخ، وغاية النفخ أن يكون سببًا عادة لا موجبًا عقلًا، وكذلك القول في سائر الأسباب المعتادة، والله أعلم) انتهى، وهو حسبي ونعم الوكيل الله.

(١٨) [باب كيف تهل الحائض بالحج والعمرة]

هذا (بابٌ)؛ بالتنوين (كيف تهل الحائض بالحج والعمرة؟)؛ يعني: كيفية إهلالها بهما، والمراد من الكيفية: الحال من الصحة، والبطلان، والجواز، وغير الجواز فكأنه قال: باب صحة إهلال الحائض، أو باب جوازها، والمقصود من الصحة أعم من أن تكون في الابتداء، أو في الدوام، والمناسبة بين البابين من حيث إن المؤلف أراد من وضع الباب السابق الإشارة إلى أن الحامل لا تحيض وهو حكم من أحكام الحيض، وهذا الباب أيضًا حكم من أحكام الحيض، وفيه نوع تعسُّف، وفي بعض النسخ: هذا الباب قد ذكر قبل الباب السابق، كذا قاله إمام الشارحين.

[حديث: من أحرم بعمرة ولم يهد فليحلل]

٣١٩ - وبالسَّند إلى المؤلف قال: (حدثنا يحيى ابن بكير) بضمِّ الباء الموحدة، وفتح الكاف، وسكون التحتية (قال: حدثنا الليث) هو ابن سعد -بسكون العين المهملة- المصري الحنفي، (عن عُقَيل) بضمِّ العين المهملة، وفتح القاف، هو ابن خالد بن عَقيل -بفتح العين المهملة- الأيلي، (عن ابن شهاب) : هو محمَّد بن مسلم الزُهْرِي، (عن عروة) بضمِّ العين المهملة، هو ابن الزبير بن العوام، (عن عائشة) هي الصديقة بنت الصديق رضي الله تعالى عنهما (قالت: خرجنا) أي: أنا والصحابة (مع النبي) الأعظم، وللأصيلي: (مع رسول الله) (صلَّى الله عليه وسلَّم) أي: من المدينة المنورة (في حجة الوداع)؛ بفتح الواو وكسرها، وذلك لخمس بقين من ذي القعدة سنة عشر من الهجرة، وإنما سميت بحجة الوداع؛ لأنَّ النبي الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم ودع الناس فيها، (فمنا من أهل) أي: أحرم (بعمرة) أي: صاروا متمتعين، (ومنا من أهل) أي: أحرم (بحَِجة) أي: صاروا مفردين -بكسر الحاء المهملة، وفتحها، وبالتاء آخرها- رواية المستملي، وفي رواية غيره: (بحج) بدون التاء، (فقدِمنا) بكسر الدال المهملة (مكة) المكرمة، (فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم) أي: لأصحابه الذين معه: (من أحرم بعمرة) بأن كان متمتعًا، (ولم يُهد)؛ بضمِّ الياء التحتية أوله من الإهداء، وهي جملة وقعت حالًا؛ (فيلحلل)؛ بكسر اللام من الثلاثي، وفي مثل هذه المادة يجوز الإدغام وفكه، كذا في «عمدة القاري»، والمراد: أنه يحل قبل يوم النحر حتى يحرم بالحج، (ومن أحرم بعمرة وأهدى) أي: الهدي؛ (فلا يحلُ)؛ بضمِّ اللام؛ أي: من إحرامه (حتى يَحِل)؛ بفتح المثناة التحتية أوله، وكسر الحاء المهملة، وفتح اللام (نحر هديه)؛ يعني: يوم العيد، ويروى: (بنحر هديه)؛ بزيادة الموحدة، لا يقال: إنه ممتنع، فلا بد له من تحلُّله عن العمرة، ثم إحرامه بالحج قبل الوقوف؛ لأنا نقول: لا يلزم أن يكون ممتنعًا؛ لجواز أن يدخل الحج في العمرة، فيصير قارنًا، فلا يتحلل، كذا قاله إمام الشارحين، (ومن أهل بحجة) كذا هو في رواية المستملي، والحمُّوي، وفي رواية غيرهما: (بحج)؛ بدون التاء؛ ومعناه: أهلَّ بحجة،

<<  <   >  >>