للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

المسجد ضوءه» انتهى.

[حديث: ويح عمار تقتله الفئة الباغية يدعوهم إلى الجنة]

٤٤٧ - وبالسند إلى المؤلف قال: (حدثنا مسدد) : هو ابن مسرهد الأسدي البصري، (قال: حدثنا عبد العزيز بن مختار) أبو إسحاق الدباغ البصري الأنصاري، وفي بعض الأصول: (المختار)؛ باللام؛ للمح الأصل، (قال: حدثنا خالد الحَذَّاء)؛ بفتح المهملة، وتشديد المعجمة، هو ابن مهران البصري، (عن عكرمة) : هو مولى ابن عبَّاس، المفسِّر المشهور، وقد سكن البصرة (قال لي)؛ أي: قال: قال لي: (ابن عبَّاس) : هو عبد الله، حَبر هذه الأمة وترجمان القرآن، قال إمام الشَّارحين: (وهذا الإسناد كلُّه بصري؛ لأنَّ ابن عبَّاس أقام على البصرة أميرًا مدة وعكرمة معه) انتهى، (ولابنه) : معطوف على الياء بإعادة الجار؛ ليكون جائزًا اتفاقًا، والضمير فيه يرجع إلى ابن عبَّاس، وقوله: (عليٍّ)؛ بالجر بدل من ابنه، أو عطف بيان، هو ابن عبد الله بن عبَّاس بن عبد المطلب القرشي الهاشمي، وكنيته أبو الحسن، ويقال: أبو محمد، وكان مولده ليلة قتل علي بن أبي طالب؛ فسمي باسمه وكني بكنيته، وكان غاية في العبادة، والزهادة، والعلم، والعمل، وحسن الشكل، والثقة، وكان يدعى السجَّاد-بتشديد الجيم-؛ لكونه كثير الصلاة، فقد كان يصلِّي كلَّ يوم ألف ركعة، وكان له خمس مئة أصل زيتون، فيصلي في كل يوم عند أصل كل شجرة ركعتين، وهو جدُّ السفاح والمنصور الخليفتين، المتوفى قبل العشرين ومئة، إمَّا سنة أربع عشرة، أو سبع عشرة، أو عشرة، عن ثمان أو تسع وسبعين سنة، أفاده إمامنا الشَّارح، قلت: وقول العجلوني: (مات بعد العشرين ومئة) خطأ ظاهر: (انطلِقا)؛ بكسر الهمزة واللام: فعل أمر مثنَّى (إلى أبي سعيد) : هو سعد بن مالك بن سنان الخدري الأنصاري الخزرجي، (فاسمعا) ولأبي ذر: (واسمعا) بالواو (من حديثه)؛ أي: المطلق الذي يسمعه الناس، وزعم العجلوني: أنَّه يحتمل أنَّه عيَّن لهما الحديث يسألانه عنه أو أطلق، انتهى، قلت: ظاهر اللفظ يدل على الإطلاق، ويدل عليه أنَّه أتى به بصيغة التنكير، والاحتمال الأول بعيد جدًّا؛ لأنَّه لو كان مراده التعيين لعيَّن لهما الحديث لأجل السؤال عنه، وظاهر اللفظ يخالفه؛ فافهم، وقوله: (فانطلقنا) من مقول عكرمة؛ (فإذا هو) أي: أبو سعيد، وكلمة (إذا) ههنا للمفاجأة (في حائط) أي: بستان له وسمِّي به؛ لأنَّه لا سقف له كذا في «عمدة القاري» (يصلحه) جملة محلها الرفع؛ لأنَّها خبر لقوله: (هو)، وهل المراد بالإصلاح السقي أو الزراعة وحفر الأرض ونحوها؟ فإن اللفظ عام، وقد بيَّن المؤلف في (الجهاد) أنَّ المراد به الأول، ولفظه: (فأتيناه وهو وأخوه في حائطهما يسقيانه)، قال إمام الشَّارحين: (قيل: أخوه هذا لأمه وهو قتادة بن النعمان، ورُدَّ بأن هذا لا يصح؛ لأنَّ علي بن عبد الله بن عباس ولِد في آخر خلافة علي بن أبي طالب ومات قتادة بن النعمان قبل ذلك في أواخر خلافة عمر بن الخطاب، وليس لأبي سعيد أخ شقيق ولا أخ من أبيه ولا من أمه إلا قتادة، فيحتمل أن يكون المذكور هو أخوه من الرَّضاعة، والله أعلم) انتهى، (فأخذ رِدَاءه)؛ بكسر الراء وفتح الدال المهملتين، وهو ما يستر النصف الأعلى؛ أي: فأخذ أبو سعيد رداء نفسه.

قال العجلوني: كأنَّه بعد أن سألاه الحديث أو اتفق له ذلك، انتهى.

قلت: وهو غير ظاهر؛ لأنَّ المراد: سماع الحديث لا السؤال عنه، فإنَّه لم يقل لهما ابن عبَّاس: اذهبا فاسألانه؛ بل أَخْذُ الرداء قد اتفق له في هذه الحالة كما ذكرنا؛ فافهم.

(فاحتَبَى)؛ بالحاء المهملة، وفتح المثناة الفوقية، وفتح الموحدة؛ يقال: احتبى الرجل؛ إذا جمع ظهره وساقيه بعمامته، وقد يحتبي بيديه، كذا في «عمدة القاري».

قال العجلوني: ويحتمل أنَّه احتبى بردائه.

قلت: واحتباء الرجل أن يقعد على أليتيه، وينصب ساقيه ملتفًّا في ثوبه الواحد، والظاهر أنَّه احتبى بردائه؛ لأنَّه كان في حائطه يصلحه، والغالب أن يكون غير محبيٍّ به، فلما فرغ من ذلك؛ أخذ ردائه، فاحتبى به، وهذه الاحتمالات من أجل عدم وجود لفظة (به)، فلو كانت؛ لتعين ما قلناه؛ فافهم.

(ثم أنشأ)؛ أي: شرع أبو سعيد، قال إمام الشَّارحين: وهي بمعنى: طفق، وهما من أفعال المقاربة، وضعا للدلالة على الشروع في الخبر، ويعملان عمل (كان) إلا أنَّ خبرهما يجب أن يكون جملة، ويشاركهما في هذا: (جعل) و (علق) و (أخذ)، انتهى، فقوله: (يحدثنا)؛ جملة محلها النصب خبر (أنشأ) (حتى أتى) أي: أبو سعيد (ذِكْرَ)؛ بالنصب مفعول (أتى)، وفي رواية كريمة والأربعة: (حتى إذا أتى على ذِكْرِ)، وفي رواية الأصيليوأبي ذر عن المستملي والكشميهني: (حتى أتى على ذكر) (بناء المسجد) أي: النبوي، فالألف واللام فيه للعهد (فقال) أي: أبو سعيد (كنا) أي: معشر الصحابة (نحمل لَبِنةً)؛ بفتح اللام، وكسر الموحدة، بعدها نون، وهي: الطوب النيئ، فإذا شوي بالنار؛ فهو الآجر؛ بالمد، وانتصابها على المفعولية لـ (نحمل)، وقوله: (لبنةً) بالتكرار؛ منصوب على التأكيد، وأفاد التكرار أنَّ كل واحد يحمل في كل مرة لبنة، (وعمَّار)؛ بتشديد الميم: هو ابن ياسر (لبنتين لبنتين)؛ بالتكرار أيضًا؛ يعني: يحمل عمَّار في كلِّ مرة لبنتين، وزاد معمر في روايته: (لبنة عنه ولبنة عن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم)، وفيه زيادة أيضًا لم يذكرها البخاري، ووقفت عليها عند الإسماعيلي وأبي نعيم في «المستخرج» من طريق خالد الواسطي، عن خالد الحذَّاء؛ وهي: (فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: «يا عمَّار؛ ألا تحمل كما يحمل أصحابك؟ قال: إني أريد من الأجر»)، قاله إمام الشَّارحين، قلت: يعني: يريد الزيادة في الثواب بحمله أكثر من أصحابه، (فرآه النبي) الأعظم (صلَّى الله عليه وسلَّم)؛ الضمير المنصوب فيه يرجع إلى عمَّار رضي الله عنه، (فينفض)؛ بالمضارع موضع الماضي؛ لاستحضار صورة النفض في نفس السامع حتَّى كأنَّه شاهده، ولابن عساكر وأبي الوقت: (فنفض)؛ بالماضي، وللأصيلي وعزاها إمام الشَّارحين للكشميهني: (فجعل ينفض) (التراب عنه)؛ أي: عن عمَّار، وزاد المصنف في (الجهاد) : (عن رأسه)، وكذا هي رواية مسلم، (ويقول)؛ أي: النبي الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم في هذه الحالة (ويح عمَّار!)؛ بفتح الحاء المهملة لا غير، يحتمل أنَّه منادى بحذف حرف النداء على حد: {يَا حَسْرَةً عَلَى العِبَادِ} [يس: ٣٠]، و (ويح) : كلمة رحمة، بخلاف (ويل)؛ فإنَّها كلمة عذاب، لكن كلام الجوهري وغيره صريح في أنَّ نصبه بفعل مقدَّر، فإنَّه قال: (تقول: ويحٌ لزيد وويلٌ له، برفعهما على الابتداء، ولك أن تقول: ويحًا لزيد وويلًا له، فتنصبهما بإضمار فعل، ولك أن تقول: ويحك وويلك، وويل زيد وويحه

<<  <   >  >>