بـ (الذين يصلون على أوراكهم)؛ لأنَّ المصلي على الورك لا يكون إلا جاهلًا بالسنة وإلا لما صلى عليه، والسنة في السجود التخوية؛ أي: لا يلصق الرجل بالأرض؛ بل يرفع عنها.
(فقلت: لا أدري والله)؛ أي: قال واسع: لا أدري أنا منهم أم لا، أو لا أدري السنة في الاستقبال، فجواب القسم محذوف لدلالة المذكور عليه، أو المذكور قدم من تأخير كما قيل بنظيره في نحو: أقوم إن قام زيد.
(قال مالك)؛ أي: ابن أنس في تفسير الصلاة على الورك: (يعني)؛ أي: ابن عمر بقوله ذلك (الذي يصلي ولا يرتفع عن الأرض يسجد) جملة في محل نصب على الحال، (وهو لاصق بالأرض) والجملة أيضًا محلها النصب على الحال، فتفسير الصلاة على الورك هو اللصوق بالأرض حالة السجود، وهو خلاف السنة؛ لأنَّ السنة أن يجافي؛ أي: يباعد بطنه عن فخذيه، وعضديه عن إبطيه؛ لأنَّه أشبه بالتواضع وأبلغ في تمكين الجبهة والأنف من الأرض في غير زحمة، وعلى كلٍّ فصلاته صحيحة، وزعم بعضهم: أنَّ صلاته كذلك باطلة، ولعلَّه نظر إلى عدم نصب أصابعه على الأرض ولفظ (قال مالك) إن كان من قول المؤلف؛ نقْله منه يكون تعليقًا، وإن كان من قول عبد الله؛ يكون داخلًا تحت الإسناد المذكور، كذا في «عمدة القاري» ومثله في «الكرماني».
قلت: والظاهر: أنَّ لفظ: (قال مالك) من قول المؤلف ومقوله -وهو (يعني...) إلخ- من قول ابن عمر، يدل لذلك سياق مسلم، وفي أوله عنده: (عن واسع قال: كنت أصلي في المسجد؛ فإذا عبد الله بن عمر جالس، فلما قضيت صلاتي؛ انصرفت إليه من شقي، فقال عبد الله: يقول ناس...)؛ فذكر الحديث، فكأن ابن عمر رأى منه في حالة السجود شيئًا لم يتحققه فسأله عنه بالعبارة المذكورة وكأنَّه بدأ بالقصة الأولى؛ لأنَّها من روايته المرفوعة.
وقال العجلوني: لفظ (قال مالك) من قول المؤلف، ومقوله من قول مالك، انتهى.
وهو غير ظاهر؛ لخفائه ومنشأ ذلك القول التعصب على الإمام بدر الدين العيني؛ فافهم.
وفي الحديث: استعمال الكناية بالحاجة عن البول والغائط، وجواز الإخبار عن مثل ذلك للاقتداء والعمل.
ومن الآداب: أن يكون المستنجي بعيدًا إذا كان في براح من الأرض أو ضرب حجاب أو ستر وأعماق الآبار والحفائر، وألا يرفع ثوبه حتى يدنو من الأرض جاء ذلك في حديث أبي داود عن أنس، وتغطية الرأس كما كان الصديق الأكبر يفعله، وترك الكلام كفعل عثمان رضي الله عنه، والاستنجاء باليسار، وغسل اليد بعد الفراغ بالتراب، رواه ابن حبان، والاستجمار، واجتناب الروث والرمة، وألا يتوضأ في المغتسل، وينزع خاتمه إذا كان فيه اسم الله كما رواه النسائي، وألا يبول قائمًا، ولا في طريق الناس ولا ظلهم، ولا في الماء ومساقط الثمار وضفة الأنهار، وأن يتكئ على رجله اليسرى، وينثر ذكره ثلاثًا، وتمامه في كتب الفروع.
(١٣) [باب خروج النساء إلى البراز]
هذا (باب خروج النساء) من إضافة المصدر إلى فاعله (إلى البَراز)؛ بفتح الباء الموحدة، وبراء وزاي، بينهما ألف: اسم للفضاء الواسع من الأرض، ويكنى به عن الحاجة؛ سميت باسم الصحراء كما سميت بالغائط، وقال الخطابي: وكسر الموحدة غلط؛ لأنَّ البِراز؛ بالكسر: مصدر بارزت الرجل مبارزة، واعترضه ابن حجر بأنَّه يطلق بالكسر على نفس الخارج، فمن فتح؛ أراد الفضاء من إطلاق اسم المحل على الحال، ومن كسر؛ أراد نفس الخارج، واعترضه في «عمدة القاري» بأنَّ ابن الأعرابي قال: برِز بالكسر: إذا ظهر بعد خمول، وبرَز بالفتح: إذا خرج إلى البراز الغائط، وهو الفضاء الواسع، ويقول الفراء: (هو الموضع الذي ليس به خمر من شجر ولا غيره، والبراز: الحاجة)، وتمامه فيه، فالحقُّ ما قاله الخطابي، وكلامه في غاية التوجيه، كما لا يخفى على من له أدنى ذوق في اللغة.
[حديث: أن أزواج النبي كنَّ يخرجن بالليل إذا تبرزن إلى المناصع]
١٤٦ - وبه قال: (حدثنا يحيى بن بُكَير)؛ بضم الموحدة وفتح الكاف، بالتصغير (قال: حدثنا الليث)؛ أي: ابن سعد الفهمي من أتباع الإمام الأعظم على التحقيق (قال: حدثني) بالإفراد (عُقيل)؛ بضم العين المهملة مصغرًا، (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري، (عن عروة) : هو ابن الزبير، (عن عائشة) أم المؤمنين رضي الله عنها: (أنَّ أزواج النبي) الأعظم (صلى الله عليه وسلم)؛ أي: ومنهن عائشة؛ بناء على أنَّ المتكلم يدخل في عموم كلامه أمرًا، أو نهيًا، أو خبرًا، لكن المرجح أنه لا يدخل، ولذا لو أمر الإمام بصيام ثلاثة؛ فيجب أو يندب صومها عليهم دونه؛ فتأمَّل، (كُنَّ)؛ بتشديد النُّون، والجملة محلها الرفع خبر (أنَّ) (يخرجن) : جملة محلها النصب خبر (كان) (بالليل) : الباء ظرفية؛ أي: فيه (إذا) ظرفية (تبرَّزن)؛ أي: إذا خرجن إلى البراز للبول والغائط، وأصله من (برَز) بفتح عين الفعل؛ إذا خرج إلى البَراز للغائط؛ وهو الفضاء الواسع (إلى المَناصِع)؛ بفتح الميم وكسر الصَّاد المهملة، جمع مَنْصَع (مَفْعَل) كـ (مَقْعَد) من النصوع؛ وهو الخلوص، وهي المواضع خارج المدينة من جهة البقيع يتخلى فيها للحاجة، وسميت بالمناصع؛ لخلوصه عن الأبنية والأماكن، وتمامه في «عمدة القاري»، والجار والمجرور يتعلق بـ (يخرجن)، وقول الكرماني: إنه يتعلق بـ (تبرزن)؛ بعيد وإن تبعه العجلوني تعصبًا؛ فافهم.
(وهو) مبتدأ؛ أي: المناصع (صعيدٌ)؛ بالتنوين: التراب أو وجه الأرض (أَفْيَح)؛ بفتح الهمزة، وسكون الفاء، وبالتحتية المفتوحة، وبالحاء المهملة، صفة وموصوف، خبر المبتدأ؛ أي: واسع، وأفرد الضمير مع رجوعه إلى المناصع؛ لأنَّها صارت علمًا للموضع، وهذه الجملة تفسير لـ (المناصع)، وهو يحتمل أن يكون من عائشة، أو من عروة، أو ممن دونه من الرواة، كما في «عمدة القاري»، واستظهر ابن حجر أنَّه من عائشة، واعترضه في «عمدة القاري» بأنَّه لا دليل على الظاهر؛ فافهم.
(فكان) بالفاء وفي رواية: بالواو (عمر)؛ أي: ابن الخطاب رضي الله عنه (يقول) جملة محلها النصب خبر (كان) : (للنبي) الأعظم (صلى الله عليه وسلم: احجب نساءك) مقول القول؛ أي: امنعهن من الخروج من البيوت؛ بدليل قول عمر لسودة بعد نزول آية الحجاب: (قد عرفناك يا سودة)، ويحتمل أنَّه أراد الأمر بستر وجوههن، فلما وقع الأمر على ما أراد؛ أحب أيضًا أن تحجب أشخاصهن مبالغة في التستر، فلم يُجَب؛ للضرورة، قال ابن حجر: وهذا أظهر الاحتمالين، واعترضه في «عمدة القاري» : بأنَّ هذا الاحتمال لا يدل عليه هذا الحديث؛ بل حديث آخر، وإنَّما الأظهر الاحتمال الأول بشهادة سياق الكلام، وأطال الكلام في ذلك؛ فراجعه فإنه في غاية التحقيق والتدقيق، ولعمري إنَّه الصواب؛ فافهم.
(فلم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل)؛ أي: ما قاله عمر من حَجْبهن، والجملة محلها النصب خبر (كان)، وفيه دليل على أنَّه عليه السلام كان ينتظر الوحي في الأمور الشرعية؛ لأنَّه لم يأمرهن بالحجاب مع وضوح الحاجة إليه حتى نزلت الآية، وكذا في الإذن لهنَّ بالخروج.
(فخرجت سودةُ بنتُ)؛ بالرفع صفة لـ (سودة) (زَمَعَةَ)؛ بالجرِّ على الإضافة ممنوع من الصرف؛ للعلمية والتأنيث، وهي بالزاي والميم والعين المهملة المفتوحات، وقال ابن الأثير في «النهاية» : وأكثر ما سمعنا أهل الحديث والفقهاء يقولونه بسكون الميم، ابن قيس القرشية العامرية (زوجُ النبي) الأعظم برفع (زوج) صفة، أو بدل، أو عطف بيان من (سودة) (صلى الله عليه وسلم) أسلمت قديمًا وبايعت، وكانت تحت ابن عمٍّ لها، يقال له: السكران بن عمرو، أسلم معها وهاجرا جميعًا إلى الحبشة، فلما قدما مكة؛ مات زوجها، فتزوجها النبي الأعظم عليه السلام ودخل بها بمكة، وذلك بعد موت خديجة، قبل