أي: المصلي؛ أي: يتوجه (بِأَطْرَافِ) رؤوس أصابع (رِجْلَيْهِ) بالتثنية (القِبلَة)؛ أي: نحو الكعبة، وفي رواية أبي ذر عن الكشميهني: (يستقبل القبلة بأطراف رجليه) (قَالَه أَبُو حُمَيْدٍ)؛ بضم الحاء المهملة: هو عبد الرحمن بن سعد الساعدي الأنصاري المدني، قيل: اسمه المنذر، غلبت عليه كنيته، مات في آخر زمن معاوية رضي الله عنه، (عَنِ النَّبِيِّ) الأعظم (صلَّى الله عليه وسلَّم) وسقط في رواية الأصيلي وابن عساكر هذا التعليق بتمامه هنا، وقال الشَّارح: وهذا التعليق قطعة من حديث طويل في (صفة الصلاة) رواه أبو حميد عنه عليه السَّلام، وأخرجه البخاري مسندًا فيما بعد في باب (سنة الجلوس في التشهد)، وجعل هذه القطعة ترجمة بباب آخر فيما بعد؛ حيث قال: (باب يستقبل القبلة بأطراف رجليه).
فإن قلت: ما مطابقة هذه القطعة للترجمة؟
قلت: إذا عرف [فرض] الاستقبال وعرف فضله؛ عرفت المطابقة، أمَّا فرضه؛ فهو توجه المصلي بكليته إلى القبلة، وأمَّا فضله؛ فاستقباله بجميع ما يمكن من أعضائه حتى بأطراف أصابع رجليه في التشهد.
وبوب عليه النسائي فقال: (باب الاستقبال بأطراف أصابع القدم القبلة عند القعود للتشهد)، ثم روى حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، قال: (من سنة الصلاة أن ينصب القدم اليمنى، واستقباله بأصابعها القبلة والجلوس على اليسرى) انتهى.
وزعم ابن حجر أنَّ المؤلف أراد بهذا بيان مشروعية الاستقبال بجميع ما يمكن من الأعضاء.
ورده إمام الشَّارحين فقال: (ليس كذلك؛ لأنَّ الترجمة في فضل الاستقبال لا في مشروعيته، كما لا يخفى) انتهى.
قلت: ولقد انتهت الجهالة إلى ابن حجر حيث قال هذا الكلام، ولم يدر ما مراد المؤلف، فقد قرأ وما درى، فإن مراد المؤلف في هذه الترجمة فضل الاستقبال، ومن عادته ذكر الأحاديث والتعاليق بعدها؛ لأجل أن يستدل بها على ما ترجم له، فأراد بهذا التعليق الاستدلال على فضل الاستقبال، أمَّا المشروعية؛ فساكت عنها؛ لأنَّه لو كان مراده المشروعية؛ لقال: باب مشروعية استقبال القبلة، ومتى علمت ما قلناه؛ ظهر لك بطلان ما زعمه ابن حجر؛ فافهم.
[حديث: من صلى صلاتنا واستقبل قبلتنا وأكل ذبيحتنا فذلك المسلم]
٣٩١ - وبالسند إلى المؤلف قال: (حَدَّثنا عَمْرُو)؛ بفتح العين المهملة، وسكون الميم، آخره واو (بنُ عَبَّاسٍ)؛ بتشديد الموحدة آخره سين المهملة: هو أبو عثمان الأهوازي البصري، المتوفى سنة خمس وثلاثين ومئتين (قَالَ: حَدَّثَنا ابنُ مهدِي)؛ بفتح الميم وكسر الدال المهملة: هو عبد الرحمن بن مهدي بن حسان أبو سعيد البصري اللؤلؤي، كذا بالتنكير في رواية الأصيلي وابن عساكر، وفي رواية غيرهما: (ابن المهدي)؛ بالتعريف (قَالَ: حَدّثَنا مَنْصُور بنُ سَعْدٍ)؛ بسكون العين المهملة: هو البصري صاحب اللؤلؤ، (عَنْ مَيْمُونِ)؛ بفتح الميم الأولى وضم الثانية، بينهما تحتية ساكنة (بنُ سِياهٍ)؛ بكسر السين المهملة وتخفيف التحتية، وبعد الألف هاء، وهو بالفارسية معناه: الأسود، ويجوز فيه الصرف ومنعه، أمَّا منعه من الصرف؛ فللعلمية والعجمة، وأمَّا صرفه؛ فلعدم شرط المنع، وهو أن يكون علمًا في العجم، ولفظ (سياه) ليس بعلم في العجم؛ فلذلك يكون صرفه أولى، قاله إمام الشَّارحين في «عمدة القاري».
ولقد انتهت الجهالة إلى ابن حجر؛ حيث قال: إنه عربي، ورده إمام الشَّارحين، فقال: هذا غير صحيح؛ لعدم تصرف وجوه الاشتقاق فيه؛ فليحفظ
(عَن أَنَس بنُ مَالِكٍ) : هو الأنصاري خادم النبيِّ الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم أنه (قَالَ: قَالَ رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم مَنْ) أي: الشخص الذي (صَلَّى صَلَاتَنَا) : منصوب بنزع الخافض، وهو في نفس الأمر صفة لمصدر محذوف؛ أي: من صلى صلاة كصلاتنا؛ أي: صلى كما نصلي، ولا يوجد ذلك إلا من معترف بالتوحيد والنبوة، ومن اعترف بنبوة النبيِّ الأعظم محمد صلَّى الله عليه وسلَّم؛ فقد اعترف بجميع ما جاء به عن الله عزَّ وجلَّ، فلهذا جعل الصلاة علمًا لإسلامه، ولم يذكر الشهادتين؛ لأنَّهما داخلتان في الصلاة، كذا في «عمدة القاري».
(وَاسْتَقْبَلَ قِبْلَتَنَا) السين والتاء للطلب؛ أي: وطلب التوجه إلى الكعبة فتوجه إليها، وإنما ذكر استقبال القبلة والصلاة متضمنة له مشروطة به؛ لأنَّ القبلة أعرف من الصلاة، فإن كل واحد يعرف قبلته وإن كان لا يعرف صلاته، ولأنَّ من أعمال صلاتنا ما هو يوجد في صلاة غيرنا؛ كالقيام والقراءة، وأمَّا استقبال قبلتنا؛ فمخصوص بنا، كذا قاله إمام الشَّارحين، ثم قال: ولما ذكر من العبادات ما يميز المسلم من غير عبادة؛ أعقبه بذكر ما يميزه عبادة وعادة، فقال: (وَأَكَلَ ذَبِيحَتَنَا) : فإن التوقف عن أكل الذبائح كما هو من العادات؛ فكذلك هو من العبادات الثابتة في كل ملة.
وقال الطيبي: إذا أجري الكلام على اليهود؛ سهل تعاطي عطف الاستقبال على الصلاة بعد الدخول فيها، ويعضده اختصاص ذكر الذبيحة؛ لأنَّ اليهود خصوصًا يمتنعون عن أكل ذبيحتنا، وهم الذين حين تحولت القبلة؛ شنعوا بقولهم: {مَا وَلَاّهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ الَتِي كَانُوا عَلَيْهَا} [البقرة: ١٤٢]؛ أي: صلوا صلاتنا، وتركوا المنازعة في أمر القبلة، والامتناع عن أكل الذبيحة؛ لأنَّه من باب عطف الخاص على العام، فلما ذكر الصلاة؛ عطف ما كان الكلام فيه، وما هو مهتم بشأنه عليها، كما أنه يجب عليهم أيضًا عند الدخول في الإسلام أن يقروا ببطلان ما يخالفون به المسلمين في الاعتقاد بعد إقرارهم بالشهادتين، انتهى.
قلت: ولا خصوصية لليهود؛ لأنَّ الذين طعنوا في تحويل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة مشركو العرب، كما قاله الحسن، أو هم المنافقون، كما قاله السدي، فكل من اليهود ومشركي العرب والمنافقين سفهاء، فلهذا قال تعالى: {سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ...}؛ الآية، أمَّا اليهود؛ فإنما قالوا ذلك؛ لأنَّهم لا يرون النسخ في الشرائع والأحكام؛ لما زعموا أن نسخها بمعنى البداء، والرجوع عنها بداء، وذلك محال في حق الله عز وجل؛ لعلمه بعواقب الأمور أجمع، والبداء والرجوع في الشاهد مبني على الجهل بالعواقب، وقولهم هذا جهل؛ لعدم علمهم بتفسير النسخ، فإنَّ النسخ: عبارة عن انتهاء الحكم إلى وقت معين؛ لانتهاء المصلحة التي شرع الحكم لها، وبيان حكم جديد لمصلحة أخرى في وقت آخر مع بقاء الحكم الأول مشروعًا، ومصلحة وقت كونه مشروعًا، وليس فيه ما فهمته اليهود.
ونظير النسخ في الشاهد أمر الطبيب مريضًا غلبت عليه الصفراء والحرارة بشرب المبردات القاطعة للصفراء، ثم إنَّه متى علم بسكون الصفراء والحرارة واعتدال طبعه؛ نهاه عن ذلك، وأمره بالمعتدل من الشراب، فإن ذلك لم يكن منه بداءً عما أمره في الوقت الأول، وإبطالًا ونقضًا له، بل بيان أنَّ المصلحة في ذلك