للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

البخاري: (والفجرحين ترع)، وهذا دليل على أنه عليه السَّلام كان يسفر بالفجر دائمًا أبدًا، وحديث التغليس ضعيف لا يحتج به، كما قاله الحفاظ، والأمر هو ما ذكره الحافظ الطحاوي، ويدل عليه اتفاق الصحابة رضي الله عنهم بعد النبيِّ الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم على الإسفار بالصبح؛ لما رواه الحافظ الطحاوي بإسناد صحيح عن إبراهيم النخعي أنه قال: (ما اجتمع أصحاب محمد صلَّى الله عليه وسلَّم على شيء ما اجتمعوا على التنوير بالفجر)، وأخرجه أيضًا ابن أبي شيبة، فهذا دليل واضح على نسخ حديث التغليس؛ لأنَّ إبراهيم أخبر أنَّهم كانوا -أي: الصحابة- اجتمعوا على ذلك، فلا يجوز عندنا اجتماعهم على خلاف ما قد فعله النبيُّ الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم إلا بعد نسخ ذلك وثبوت خلافه، والعجب من بعض شراح «البخاري» أنه يقول: ووهم الحافظ الطحاوي حيث ادعى أن حديث: «أسفروا» ناسخ لحديث التغليس، وليس الواهم إلا هو، ولو كان عنده إدراك مدارك المعاني؛ لما اجترأ على مثل هذا الكلام، انتهى كلام الشَّارح.

قلت: وأراد بهذا البعض: ابن حجر، ولا يتعجب منه؛ لأنَّه مشهور بالتعصب، والتعنت، والعناد، وعدم الإنصاف، وما قال هذا الكلام إلا من عدم وقوفه ومعرفته بحديث إبراهيم النخعي وحديث ابن مسعود، الذي روى الأول ابن أبي شيبة والحافظ الطحاوي، والثاني: البخاري ومسلم، وما قال ذلك إلا ترويجًا لما ذهب إليه إمامه، ولعدم معرفته بمعاني الكلام قال ما قال، فالوهم محيط به، ولله در مؤلف «إيضاح المرام فيما وقع في الفتح من الأوهام»، فإنه قد أودع فيه أبحاثًا (١) رائقة، ونفحات فائقة، وأظهر الأوهام التي وقع فيها ابن حجر الذي تصدر لشرح «البخاري»، وليس الشرح في الحقيقة له، وإنما هو لمن نقل عنه، وهو الشيخ قطب الدين الحلبي، فإنه حين كان ابن حجر في حلب؛ أخذ شرحه واستنسخه ونسبه لنفسه، والله تعالى أعلم.

(١٤) [باب إذا صلى في ثوب له أعلام ونظر إلى علمها]

هذا (بابٌ)؛ بالتنوين، يذكر فيه: (إذا صلى)؛ أي: الشخص سواء كان رجلًا أو امرأةً، وسواء كانت الصلاة فرضًا، أو واجبًا، أو نفلًا (في ثوب) أي: وهو لابس ثوبًا (له أعلام) : جمع عَلَم؛ بفتح العين المهملة واللام، (ونظر) أي: المصلي وهو في صلاته (إلى عَلَمها)؛ بفتح العين واللام، وجواب (إذا) محذوف؛ تقديره: هل يكره له ذلك أم لا؟ قال الكرماني: (والتأنيث فيه باعتبار الخميصة) انتهى.

ونقله عنه ابن حجر بالعكس، قاله إمام الشَّارحين.

قلت: فقد وهم ابن حجر، فاختلط عليه النقل، فكيف بذكر المعنى؛ فافهم.

[حديث: اذهبوا بخميصتي هذه إلى أبي جهم وائتوني بأنبجانية أبي جهم]

٣٧٣ - وبالسند إلى المؤلف قال: (حدثنا أحمد ابن يونس) : نسبه إلى جده؛ لشهرته به، وإنما هو أحمد بن عبد الله بن يونس اليربوعي التميمي الكوفي (قال: حدثنا إبراهيم بن سعد)؛ بسكون العين المهملة: هو ابن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف القرشي المدني (قال: حدثنا ابن شهاب) وفي رواية ابن عساكر: (عن ابن شهاب) : هو محمد بن مسلم ابن شهاب الزهري، (عن عُرْوة)؛ بضم أوله، وسكون ثانيه المهملين: هو ابن الزُّبير -بضم الزاي- ابن العوام؛ بتشديد الواو، (عن عائشة) هي الصديقة بنت الصديق الأكبر رضي الله عنهما: (أن النبيَّ) الأعظم (صلَّى الله عليه وسلَّم صلى)؛ أي: صلاة الفرض بأصحابه جماعة في مسجده النبوي (في خَمِيصة)؛ بفتح الخاء المعجمة، وكسر الميم، وبالصاد المهملة: وهي كساء أسود مربع، له أعلام أو علمان، وتكون من خز أو صوف، ولا تسمى خميصة إلا إذا كانت سوداء معلمة، وسميت بذلك؛ للينها ورقتها وصغر حجمها إذا طويت، مأخوذة من الخمص؛ وهو ضمور البطن، وزعم ابن حبيب في «شرح الموطأ» أنها كساء صوف، أو مرعزي معلم الصنعة، كذا في «عمدة القاري».

(لها أعلام) : جمع عَلَم؛ بفتحتين، والجملة اسمية محلها الجر؛ لأنَّها صفة لـ (خميصة)، (فنظر) أي: النبيُّ الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم (إلى أعلامها) وهو في صلاته (نظرة)؛ أي: واحدة، (فلما انصرف)؛ أي فرغ من صلاته واستقبال القبلة؛ استقبل أصحابه وانتزع خميصته (قال) جواب (لما) لهم: (اذهبوا بخميصتي هذه) أي: التي صلى فيها (إلى أبي جَهْم)؛ بفتح الجيم، وسكون الهاء: هو عامر بن حذيفة العدوي القرشي المدني الصحابي، وقيل: اسمه عبيد، أسلم يوم الفتح، وكان معظمًا في قريش، وعالمًا بالنسب، شهد بنيان الكعبة مرتين، وتوفي في آخر خلافة معاوية رضي الله عنه، وهو غير أبي الجهيم المصغر المذكور في (المرور)، كذا في «عمدة القاري».

وفيه: فإن قلت: ما وجه تعيين أبي جهم في الإرسال إليه؟

قلت: لأنَّ أبا جهم هو الذي أهداها له صلَّى الله عليه وسلَّم، فلذلك ردها عليه، وروى الحافظ أبو جعفر الطحاوي عن عائشة رضي الله عنها قالت: «أهدى أبو جهم إلى النبيِّ الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم خميصة شامية، لها علم، فشهد فيها النبيُّ الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم الصلاة، فلما انصرف؛ قال: «ردي هذه الخميصة إلى أبي جهم، فإنها كادت تفتني» انتهى.

(وأتوني بأنبجانية أبي جهم) قال إمام الشَّارحين: اختلفوا في ضبط هذه اللفظة ومعناها؛ فقيل: بفتح الهمزة، وسكون النون، وكسر الموحدة، وتخفيف الجيم، وبعد النون ياء النسبة، وقال ثعلب: يقال: كبش أنبَِجاني -بكسر الموحدة وفتحها-؛ إذا كان ملتصقًا كثير الصوف، وكساء أنبجاني كذلك، وقال الجوهري: إذا نسبت إلى منبَج؛ فتحت الباء الموحدة، وقلت: كساء منبَجاني، أخرجوه مخرج مخبراني ومنظراني، وقال أبو حاتم: لا يقال: كساء أنبجاني، وهذا مما يخطئ فيه العامة، وإنما يقال: مَنبَجاني؛ بفتح الميم والباء، قال: وقلت للأصمعي: لم فتحت الباء، وإنما نسب إلى منبِج بالكسر؟ قال: خرج مخرج منظراني ومخبراني، قال: والنسب مما يغير البناء، وقال القزاز: والنباج: موضع ينسب إليه الثياب المنبجانية، وفي «الجمهرة» : ومنبج: موضع أعجمي، وقد تكلمت به العرب، ونسبوا إليه الثياب المنبجانية، وفي «المحكم» : أن منبج موضع، قال سيبويه: الميم فيه زائدة بمنزلة الألف؛ لأنَّها إنَّما كثرت مزيدة أولًا؛ فموضع زيادتها كموضع الألف، وكثرتها ككثرتها إذا كانت أولًا في الاسم والصفة، وكذلك النباج وهما نباجان؛ نباج بنتل، ونباج ابن عامر، وكساء منبجاني منسوب إليه على غير القياس، وفي «المغيث» : المحفوظ كسر باء (الأنبِجانية)، وقال ابن الحصار: من زعم أنه منسوب إلى منبج؛ فقد وهم.

قال إمام الشَّارحين:


(١) في الأصل: (أبحاث)، ولعل المثبت هو الصواب.

<<  <   >  >>