للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

يصلى في سبعة مواطن: في المزبلة، والمجزرة، والمقبرة، وقارعة الطريق، وفي الحمام، وفي معاطن الإبل، وفوق ظهر بيت الله»، رواه الترمذي وابن ماجه، قال القرطبي: «وإسناده ليس بقوي؛ لأنَّه فيه: زيد بن جبيرة، وقد تكلم فيه من قِبِل حفظه».

وقال ابن العربي: المواضع التي لا يصلى فيها ثلاثة عشر موضعًا، فذكر السبعة المذكورة، وزاد: الصلاة إلى المقبرة، وكذا الصلاة وأمامك جدار مرحاض عليه نجاسة، والكنيسة، والبِيْعة، وفي قبلتك تماثيل، وفي دار العذاب.

وزاد بعضهم: الصلاة في الأرض المغصوبة، وإلى النائم، والمتحدث، والصلاة في بطن الوادي، والصلاة في بطن الضراوي، فصارت الجملة ثمانية عشر، فنقول:

أمَّا المزبلة؛ فهي المكان الذي يلقى فيه الزبل؛ وهو السرجين، وفيها لغتان؛ فتح الموحدة وضمها، والصلاة فيها، فإن كانت فيها نجاسة؛ فلا تصح عليها بدون حائل، وإن فرش عليها حائلًا (١) بينه وبينها وصلى؛ فصلاته مكروهة تحريمًا، وإن لم يعلم فيها نجاسة أم لا وصلَّى فيها بحائل؛ فصلاته مكروهة تنزيهًا.

وأمَّا المجزَرة؛ فهي -بفتح الزاي-: المكان الذي ينحر فيه الإبل، ويذبح فيه البقر والغنم، وهي أيضًا محل الدماء والأرواث، فصلاته فيها على التفصيل في المزبلة، وهذا مذهب الإمام الأعظم، ومالك، وغيرهما، وقال أحمد: الصلاة فيهما لا تصح.

وأمَّا المقبرة؛ فقدمنا الكلام فيها.

وأمَّا قارعة الطريق؛ فلما فيها من شغل الخاطر بمرور الناس ولفظهم، ويلحق بها صلاته في دكانه، فإنَّه مكروه لذلك.

وأمَّا الحمام؛ فالصلاة فيه مكروهة عند الجمهور، وفصَّل أئمتنا الأعلام، فقالوا (٢) : إن صلى في داخله بأن غسل موضعًا وصلى فيه؛ فصلاته مكروهة، وإلا؛ فلا، وإن صلى في خارجه عند محل خلع الثياب؛ فلا بأس بذلك، وقال أحمد: لا تصح الصلاة في الحمام، ومن صلى؛ أعاد، والعلة في الكراهة الغُسَالات، وقيل: لأنَّها مأوى الشياطين، فعلى الأول؛ إن صلى في مكان طاهر فيها؛ لا تكره تحريمًا، بل تنزيهًا، وعلى الثاني؛ تكره الصلاة فيه، سواء كان في داخله أو خارجه، ويلزم منه أن تكره الصلاة في غير الحمام أيضًا؛ لعدم خلوِّ الأمكنة من الشياطين.

قلت: وقد يقال: إنَّ الشياطين في الحمام أكثر من غيره.

وأمَّا معاطن الإبل؛ فقد سبق الكلام عليه.

وأمَّا الصلاة فوق ظهر بيت الله؛ ففيه تفصيل، قال في «نور الإيضاح» : (صح فرض ونفل فيها؛ لقوله تعالى: {أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ...}؛ الآية [البقرة: ١٢٥]، ولحديث بلال: «أنَّه عليه السَّلام دخل البيت وصلى فيه»، وصح فرض ونفل فوقها وإن لم يتخذ سترة، لكنه مكروه؛ لإساءة الأدب باستعلائه عليها، ومن جعل ظهره إلى غير وجه إمامه فيها أو فوقها؛ صح اقتداؤه، إلا أنَّه يكره إذا قابل وجهه وجه إمامه، وإن جعل ظهره إلى وجه إمامه؛ لا يصح، وصح الاقتداء خارجها بإمام فيها والباب مفتوح، وإن تحلقوا حولها والإمام خارجها؛ صح، إلا أنَّه لا يصح صلاة من كان أقرب إليها من جهة إمامه) انتهى بزيادة من الشرح.

وقال أحمد: لا تصح الصلاة فوقها، وفي «شرح الترمذي» : (لم يصح فيه حديث).

وأمَّا الصلاة إلى جدار مرحاض؛ فلما رواه ابن أبي شيبة في «مصنفه» عن ابن عمر قال: (لا يصلى إلى الحش)، وعن علي: (لا يصلى تجاه الحش)، وعن إبراهيم: (كانوا يكرهون ثلاثة أبيات القبلة)، وذكر منها: الحش، وهو حجة على الشافعي؛ حيث قال: لا تكره الصلاة وبين يديه جيفة، وحكى الطبري: أنَّه يكره استقبال الجدار النجس في الصلاة، وقال ابن حبيب المالكي: من تعمَّد الصلاة إلى نجاسة؛ بطلت صلاته، إلا أن يكون بعيدًا جدًّا، ونص علماؤنا الأعلام: على أنَّه تكره الصلاة قريبًا من نجاسة.

وأمَّا الصلاة في الكنيسة والبَيعة؛ فكرهها الحسن البصري، وفي «مصنف ابن أبي شيبة» : أنَّ ابن عبَّاس كره الصلاة في الكنيسة إذا كانت فيها تصاوير، ولم يَرَ الشَّعبي وعطاء بالصلاة في الكنيسة والبيعة بأسًا، وكذلك ابن سيرين، وقال الإمام الأعظم: تُكره الصلاة في الكنيسة والبيعة، وإن تكرر منه الدخول إليهما؛ يعذر بما يليق به، كما صرح به في «البحر».

وأمَّا الصلاة إلى قبلة فيها تماثيل؛ فهي مكروهة كما قدمناه.

وأمَّا الصلاة في دار العذاب؛ فلما تقدم من تعليق المؤلف عن علي.

وأمَّا الصلاة في الأرض المغصوبة؛ فلما فيه من استعمال حق الغير بغير إذنه، وهو حرام، فتحرُم الصلاة فيها، ولا ثواب له، فإن كانت لكافر؛ لا يصلي فيها، ويصلي في الطريق، وإن كانت لمسلم؛ صلى فيها؛ لأنَّ المسلم يعفو عن المسلم.

وأمَّا الصلاة إلى النائم والمتحدث؛ فلما روى ابن عبَّاس النهي عن ذلك، رواه أبو داود وابن ماجه؛ لأنَّه يشغل البال، ويُخلُّ بالخشوع، وربما تفسد صلاته من ظهور شيء من النائم والمتحدث؛ فافهم.

وأمَّا الصلاة في بطن الوادي؛ فهو خوف السيل السالب للخشوع.

وأمَّا الصلاة في مسجد الضِرار؛ فلقوله تعالى: {لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا} [التوبة: ١٠٨]، وقال ابن حزم: (لا تصح الصلاة فيه؛ لأنَّه ليس موضع صلاة)، وقال: (لا تجوز الصلاة في مسجد يستهزأ فيه بالله، أو رسوله، أو بشيء من الدين، أو في مكان يُكفر فيه بشيء، فإن لم يمكنه الخروج وصلى؛ جازت صلاته) انتهى.

قلت: ولا فرق في ذلك بينها وبين الكنيسة والبيعة، فإنَّ فيهما يكفر بالله ورسوله؛ فلا وجه؛ لعدم صحة صلاته، بل صلاته فيه صحيحة مع الكراهة؛ فافهم ذلك، وسيأتي بقية الكلام على ذلك في آخر الباب.

[حديث: لا تدخلوا على هؤلاء المُعذَّبين إلا أن تكونوا باكين]

٤٣٣ - وبالسند إلى المؤلف قال: (حدثنا إسماعيل) : هو ابن أبي أويس بن عبد الله الأصبحي المدني، وتكلم فيه كأبيه، لكن أثنى عليه أحمد ابن حنبل وابن معين (قال: حدثني)؛ بالإفراد خالي (مالك) : هو ابن أنس الأصبحي المدني، (عن عبد الله بن دِينار)؛ بكسر أوله: هو المدني، (عن عبد الله بن عمر) : هو ابن الخطاب القرشي العدوي المدني: (أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم)؛ بفتح الهمزة، وجملة: (قال) : محلها رفع خبر (أنَّ)؛ أي: لأصحابه حين مروا بالحجر وديار ثمود في حال توجههم إلى تبوك: (لا تَدخُلوا) بفتح الفوقية، وضم الخاء المعجمة (على هؤلاء المعذَّبين)؛ بفتح الذال المعجمة؛ يعني: ديار هؤلاء وهم


(١) في الأصل: (حائل)، وليس بصحيح.
(٢) في الأصل: (فقال)، وليس بصحيح.

<<  <   >  >>