للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

شيبة: ثم صلى الضحى ثمان ركعات، وهذا الوجه هو الأصح، وهذا أيضًا يمنع التخرص في ذلك بأن قال بعضهم: (هذه صلاة الفتح)، وبعضهم قال: (صلاة الإشراق)، والدليل على ذلك ما في رواية «مسلم» : (ثم صلى ثمان ركعات سبحة الضحى)؛ كذا قاله إمام الشَّارحين الإمام بدر الدين العيني رضي الله عنه.

قلت: فهذه الروايات تدل على فساد ما زعمه البعض الأول والبعض الثاني، ولأن الإشراق لا صلاة له؛ يدل عليه أن النبيَّ الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم نهى عن الصلاة حين تطلع الشمس، وحين استوائها، وحين غروبها، وفي حديث آخر: «إن الشمس تطلع بين قرني الشيطان»؛ فافهم.

قال إمام الشَّارحين: وفي الحديث أحكام: الأول: فيه جواز تستر الرجال بالنساء.

الثاني: فيه جواز السلام من وراء الحجاب.

الثالث: فيه عدم الاكتفاء بلفظة (أنا) في الجواب، بل يوضح غاية التوضيح، كما في ذكر الكنية والنسب هنا.

الرابع: فيه استحباب الترحيب بالزائر وذكر كنيته.

الخامس: فيه دليل على استحباب صلاة الضحى وأنها ثمان ركعات.

السادس: فيه جواز أمان رجل حر أو امرأة حرة لكافر واحد أو لجماعة، ولم يجز بعد ذلك قتالهم إلا أن يكون في ذلك مفسدة، ولا يجوز أمان ذمي؛ لأنَّه متهم بهم، ولا أسير، ولا تاجر يدخل عليهم، ولا يجوز أمان عبد إلا أن يأذن له مولاه في القتال، وهو قول الإمام الأعظم، وهو رواية عن الإمام أبي يوسف، وقال الإمام محمد بن الحسن: يجوز أمانه مطلقًا، وهو رواية عن الإمام أبي يوسف، وبه قال محمد بن إدريس، ولو أمن الصبي وهو لا يعقل؛ لا يصح كالمجنون، وإن كان يعقل وهو محجور عن القتال؛ فعلى الخلاف، وإن كان مأذونًا له في القتال؛ فالأصح أنه يصح أمانه بالاتفاق، والله أعلم) انتهى كلامه رحمه الله تعالى.

[حديث: فقال رسول الله أولكلكم ثوبان]

٣٥٨ - وبالسند إليه قال: (حدثنا عبد الله بن يوسف)؛ هو التنيسي المنزل، الدمشقي الأصل، وفي (يوسف) تثليث السين مع الهمز وتركه؛ ومعناه بالعبرانية: جميل الوجه (قال: أخبرنا مالك) : هو ابن أنس الأصبحي المدني، (عن ابن شهاب) : هو محمد بن مسلم الزهري، (عن سعِيد بن المسيِّب)؛ بفتح التحتية وكسرها، وكسر العين في الأول، (عن أبي هريرة) : هو عبد الرحمن بن صخر رضي الله عنه: (أن سائلًا) : هو ثوبان الصحابي، كما ذكره إمامنا شمس الأئمة السرخسي في «المبسوط»، وقول ابن حجر: (لم أقف على اسمه) لا ينافي ذلك؛ لأنَّه لا يلزم من عدم معرفته اسمه ألا يكون معروفًا عند غيره، وفوق كل ذي علم عليم؛ فافهم.

(سأل رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم عن) جواز (الصلاة)؛ أي: المفروضة والواجبة والنافلة؛ لأنَّ (أل) فيه للجنس (في ثوب واحد)؛ بالتنكير، وفي رواية أبي الوقت: (في الثوب الواحد)؛ بالتعريف، (فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم)؛ أي: للسائل المذكور: (أولكلكم ثوبان؟)؛ الهمزة فيه للاستفهام؛ يعني: فإذا كنتم بصفة العدم وضيق الثياب وليس لكل واحد منكم ثوبان، والصلاة واجبة عليكم؛ فاعلموا أن الصلاة في الثوب الواحد جائزة، فاللفظ وإن كان لفظ الاستفهام، ولكن المعنى الإخبار عما كان يعلمه صلَّى الله عليه وسلَّم من حالهم في العدم وضيق الثياب، كذا قاله إمام الشَّارحين.

وقال الكرماني: (فإن قلت: ما المعطوف عليه بالواو؟ قلت: هو مقدر؛ أي: أنت سائل عن مثل هذا الظاهر؛ ومعناه: لا سؤال عن أمثاله ولا ثوبين لكلكم؛ إذ الاستفهام مفيد لمعنى النفي بقرينة العام، وهذا التقدير على سبيل التمثيل) انتهى.

قلت: قد علمت مما قاله إمام الشَّارحين: (إن اللفظ وإن كان لفظ الاستفهام، ولكن المعنى الإخبار عما كان يعلمه عليه السَّلام من حالهم في العدم والضيق) على أنه لا حاجة إلى هذا التقدير؛ لأنَّ عدمه أولى، ولأن مراده عليه السَّلام الاستخبار عن حالهم بأن هل يجد أحدهم ثوبين؟ يعني: فالصلاة في الثوب الواحد جائزة مع الكراهة؛ لأنَّه يستر العورة، وليس فيه تجمل، والصلاة في الثوبين جائزة بدون كراهة؛ لأنَّه قد ستر العورة، وتجمل لعبادة ربه عز وجل، وقال القاضي عياض: (وقوله عليه السَّلام: «أولكلكم ثوبان أويجد ثوبين؟» صيغته صيغة الاستفهام، ومعنى التقرير والإخبار عن معهود حالهم، وضمنه دليل على الرخصة، وتنبيه على أن الثوب أفضل وأتم، وهو المعهود منه عند أكثر العلماء)، ورده إمام الشَّارحين فقال: (ذهب الحافظ أبو جعفر الطحاوي وكذا الباجي: إلى أن المفهوم من الحديث التسوية بين الصلاة في الثوب الواحد مع وجود غيره وعدمه في الإجزاء).

قلت: فالثوب الواحد إذا صلى فيه أو ثوبان إذا صلى فيهما على حد سواء من حيث جواز الصلاة، ولكن الأفضل الصلاة في الثوبين؛ لأنَّه أتم في ستر العورة والتجمل، فقول القاضي عياض: (وتنبيه على أن الثوب أفضل) : ممنوع؛ لأنَّه ليس فيه فضل، بل هو واجب لستر العورة، والأفضل إنَّما يقال للزائد على الفرض؛ فافهم.

وقال الحافظ أبو جعفر الطحاوي: (لو كانت الصلاة مكروهة في الثوب الواحد؛ لكرهت لمن لا يجد إلا ثوبًا واحدًا؛ لأنَّ حكم الصلاة في الثوب الواحد لمن يجد ثوبين كهو في الصلاة لمن لا يجد غيره)، واعترضه ابن حجر، فزعم أن هذه الملازمة في مقام المنع للفرق بين القادر وغيره، والسؤال إنَّما كان عن الجواز وعدمه لا عن الكراهة)، ورده إمام الشَّارحينفقال: (أخذ هذا القائل صدر الكلام من كلام الطحاوي، ثم غمز فيه، ولو أخذ جميع كلامه؛ لما كان يجد إلى ما قاله سبيلًا) انتهى.

قلت: على أنه قول النبيِّ الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم متضمن لسؤالين:

أحدهما: السؤال عن الجواز وعدمه في الثوب الواحد، فالصلاة فيه جائزة حيث إنه ساتر للعورة؟

والثاني: السؤال عن الذي يجد أكثر من ثوب واحد، فهو عن الكراهة وعدمها؟

فالصلاة في الثوب الواحد لمن يجد

<<  <   >  >>