للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

فإن احتج بقوله عليه السَّلام: «مكِّن جبهتك وأنفك من الأرض»؛ فنحن نقول بموجبه؛ وهو وجدان حجم الأرض حتى إذا امتنع حجمها؛ لا يجوز، انتهى.

قلت: وعلى كلٍّ فكلُّ دليل لنا محْكم، وما استدل به محتمل، فالصواب ما قلنا.

وزعم ابن حجر أنَّ في حديث الباب تقديم الظهر في أول الوقت.

وردَّه إمام الشَّارحين فقال: ظاهر الأحاديث الواردة في الأمر بالإبراد تعارضه، ونقول: إنََّّ تقديم الظهر رخصة والإبراد سنة، وإذا قلنا: أحاديث الأمر بالإبراد ناسخة؛ لا يبقى تعارض؛ فافهم.

وممَّا يستنبط من الحديث أنَّ العمل اليسير في الصلاة عفوٌ؛ لأنَّ وضع طرف ثوبه في موضع سجوده عملٌ، انتهى، والله تعالى أعلم.

(٢٤) [باب الصلاة في النعال]

هذا (باب) في بيان حكم (الصَّلَاةِ فِي النِّعَالِ)؛ بكسر النون، بعدها عين مهملة مفتوحة، جمع: نَعْل؛ بفتح النون وسكون المهملة، وهو الحذاء -بالمد-، مؤنثة، وتصغيرها نُعيلة، والمراد بالنعل: كلُّ ما يلبس اتقاء الوسخ عن الأرض؛ فيشمل البابوج، والكندرة، والزربول، ونحوها، وحكم الصلاة فيها الجواز عند الجمهور؛ لحديث الباب؛ لأنَّه إذا أصابها نجاسة؛ فبالمشي المستلزم للدلك بالتراب تطهر، فهي طاهرة تصح الصلاة عليها وبها، ويجوز لبسها في المسجد وغير ذلك مما سيأتي.

والمناسبة بين البابين كما قاله إمامنا الشَّارح: من حيث إن في الباب السابق تغطيةَ الوجه بثوبه الذي يسجد عليه، وفي هذا الباب تغطية بعض القدمين، انتهى.

[حديث: أكان النبي يصلي في نعليه؟]

٣٨٦ - وبالسند إلى المؤلف قال: ([حدثنا] آدَمُ)؛ بفتح الهمزة الممدودة (بْنُ أَبِي إِيَاسٍ)؛ بكسر الهمزة وتخفيف التحتية: هو العسقلاني، وسقط عند الأصيلي: (ابن أبي إياس) (قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ) : غير منصرف، هو ابن الحجَّاج بن الورد الواسطي، المتوفى بالبصرة (قَالَ: أَخْبَرَنَا)، وللأصيلي وابن عساكر: (حدثنا) (أَبُو مَسْلَمَةَ)؛ بفتح الميم، وسكون السين المهملة، وفتح اللام (سَعِيدُ)؛ بكسر العين المهملة (بْنُ يَزِيدَ)؛ من الزيادة (الأَزْدِيُّ)؛ بفتح الهمزة؛ نسبة إلى أزد بطن من العرب، هو الكوفي (قَالَ: سَأَلْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ) : هو الأنصاري رضي الله عنه، خادم النبي الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم: (أَكَانَ النَّبِيُّ) الأعظم (صلَّى الله عليه وسلَّم) : الهمزة فيه للاستفهام على سبيل الاستفسار (يُصَلِّي) صلواته كلها أو أكثرها، فرضها وواجبها ونفلها (فِي نَعْلَيْهِ؟)؛ بفتح النون، تثنية: نعل، وهو الحذاء، مؤنثة؛ يعني: على نعليه، أو بنعليه؛ لأنَّ الظرفية غير صحيحة (قَالَ)؛ أي: أنس بن مالك له: (نَعَمْ)؛ كان يصلي في نعليه، وهو يدلُّ على أنَّه عليه السَّلام كان يكثر الصلاة في نعليه؛ لأنَّ لفظة: (كان) تدلُّ على الدوام والاستمرار، ويلحق بالنعل البابوج، والكندرة، والزربول، ونحوها مما يلبس اتقاء الوسخ من الأرض.

وقال ابن بطال: معنى هذا الحديث عند العلماء: إذا لم يكن في النعلين نجاسة؛ فلا بأس بالصلاة فيهما، وإن كان فيهما نجاسة؛ فليمسحهما ويصلِّي فيهما، انتهى.

قلت: وظاهر هذا الحديث أنَّه عليه السَّلام لم ينظر إلى ذلك؛ لأنَّه لم يكن عليهما نجاسة، فالأمر ظاهر، وإن تعلق بهما نجاسة؛ فبالمشي والدلك بالأرض تذهب النجاسة، فيبقى النعل طاهرًا، فالصلاة فيه صحيحة.

واختلفوا في تطهير النعال من النجاسات؛ فذهب الإمام الأعظم، وأصحابه، ومالك بن أنس: أنَّه يطهر الخف والنعل ونحوهما بالدلك بالأرض أو التراب من النجاسة التي لها جرم، ولو كانت مكتسبة من غيرها؛ كتراب أو رماد، ولو كانت المتجسدة من أصلها أو باكتسابها الجرم من غيرها رطبة على المختار للفتوى؛ لإطلاق حديث الباب، ويدلُّ عليه قوله عليه السَّلام: «إذا جاء أحدكم المسجد؛ فلينظر، فإن رأى في نعليه أذًى أو قذرًا؛ فليمسحهما وليصلِّ فيهما»، رواه أبو داود وابن حبان في «صحيحه»، وقوله عليه السَّلام: «إذا وطئ أحدكم الأذى بخُفِّه؛ فطهورهما التراب»، رواه أبو داود والحاكم وصحَّحه.

وحديث الباب وهذه الأحاديث حجَّة على الشافعي؛ حيث قال: (لا يطهِّر النجاسة في الخف والنعل إلا الماء)؛ فإنه لا دليل لتخصيصه الماء بالطهورية، فإنه عليه السَّلام قد صلَّى في نعليه وخفيه بعدما أصابهما النجس ودلكهما بالأرض، ولأنه تعالى جعل المطهر الماء والتراب، وزعم ابن دقيق العيد أنَّ الصلاة في النعال من الرخص لا من المستحبات؛ لأنَّ ذلك لا يدخل في المعنى المطلوب، وردَّه إمام الشَّارحين فقال: كيف لا يكون من المستحبات؟! بل ينبغي أن يكون من السنن؛ لأنَّ أبا داود روى في «سننه» عن يعلى بن شداد بن أوس عن أبيه قال: قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: «خالفوا اليهود؛ فإنَّهم لا يصلُّون في نعالهم ولا في خفافهم»، ورواه الحاكم أيضًا؛ فيكون مستحبًّا من جهة مخالفة اليهود، وليس بسنَّة؛ لأنَّ الصلاة في النعال ليست بمقصودة بالذات، وقد روى أبو داود أيضًا من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: (رأيت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم حافيًا ومنتعلًا)، وهذا يدل على الجواز من غير كراهة، وحكى الغزالي في «الإحياء» عن بعضهم: أنَّ الصلاة فيه أفضل، ويستنبط منه جواز المشي في المسجد بالنعال، انتهى.

(٢٥) [باب الصلاة في الخفاف]

هذا (باب) بيان حكم (الصَّلَاةِ فِي الْخِفَافِ)؛ بكسر الخاء المعجمة؛ أي: بالخفاف؛ لأنَّ الظرفية غير صحيحة كما سبق، والخفاف: جمع خُف؛ بضم الخاء المعجمة، وهو ما اتخذ من الجلد الأصفر والأسود الساتر لرؤوس الأصابع إلى فوق الكعبين من الرجل، وإنَّما سمي خفًّا؛ لأنَّ الأمر فيه قد خفَّ؛ أي: سهل من الغسل إلى المسح، والمناسبة بين البابين ظاهرة.

[حديث: رأيت النبي صنع مثل هذا.]

٣٨٧ - وبالسند إلى المؤلف قال: (حَدَّثَنَا آدَمُ)؛ بفتح الهمزة الممدودة: هو ابن أبي إياس العسقلاني (قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ)؛ بضم الشين المعجمة: هو ابن الحجاج الواسطي البصري، (عَنِ الأَعْمَشِ) : هو سليمان بن مهران الكوفي التابعي (قَال) أي: الأعمش: (سَمِعْتُ إبراهيم) : هو ابن يزيد النخعي التابعي (يُحَدِّثُ)؛ بضم التحتية، (عَنْ هَمَّامِ)؛ بفتح الهاء، وتشديد الميم بعدها على وزن (فعَّال)؛ بالفتح والتشديد (بنِ الْحَارِثِ)؛ بالحاء والراء المهملتين وبالمثلثة: هو الكوفي التابعي، كان من العباد، المتوفى زمن الحجاج، ففي السند ثلاثة من التابعين يروي بعضهم عن بعض (قَالَ) أي: همام: (رَأَيْتُ)؛ أي: أبصرت، فتقتضي مفعولين أحدهما: (جَرِيرَ) بفتح الجيم (بنَ عَبْدِ الله) : هو البجلي الصحابي رضي الله عنه، والثاني: جملة قوله: (بَالَ ثُمَّ تَوَضَّأَ)؛ أي: وضوءه للصلاة بدون استنجاء من البول، بل استبرأ منه، وهو يدلُّ على جواز الصلاة بدون الاستنجاء خلافًا لمن زعم عدم جوازها، فهذا الحديث حجة عليه؛ لأنَّ جريرًا لم يستنج من البول، والأصل بقاء ما كان على ما كان؛ فافهم.

(وَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ)؛ بالتثنية من

<<  <   >  >>