للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

العين المهملة، وفتح الفاء، وسكون المثناة التحتية، آخره راء، ابن كثير المصري، المتوفى سنة ست وعشرين ومئتين، (قال: حدثنا ابن وهب)؛ بسكون الهاء، واسمه عبد الله بن وهب بن مسلم المصري أبو محمد القرشي الفهري، المتوفى بمصر سنة سبع وتسعين ومئة، لأربع بقين من شعبان.

(عن يونس) بن يزيد الأيلي، (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري، (قال: قال حُميد بن عبد الرحمن) بن عوف، وحاء (حُميد) مضمومة، وفي رواية: (حدثني- بالإفراد- حُميد بن عبد الرحمن قال) : (سمعت معاوية) بن أبي سفيان، صخر بن حرب الأموي كاتب وحي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومناقبه كثيرة جمَّة، توفي في رجب سنة ستين عن ثمان وسبعين سنة؛ أي: سمعت قولَه حالَ كونِه (خطيبًا) حالَ كونِه (يقول: سمعت النبي) الأعظم، وفي رواية: (سمعت رسول الله) (صلى الله عليه وسلم)؛ أي: كلامَه حالَ كونِه (يقول: مَن يُرِدِ الله) عزَّ وجلَّ؛ بضمِّ المثناة التحتية وكسر الراء، من الإرادة وهي صفة مخصِّصةٌ لأحد طرفي المقدور بالوقوع، (به خيرًا)؛ أي: جميع الخيرات، أو خيرًا عظيمًا، و (مَن) موصولة تتضمَّن معنى الشرط، و (يُرِد) فعل الشرط، وجزاؤه (١) قوله: (يفقهْه)؛ بسكون الهاء؛ أي: يجعله فقيهًا (في الدين) والفقه (٢) لغةً: الفَهْم، ولا يناسب هنا إلَّا المعنى اللغوي؛ ليتناول فهم كلِّ علم من علوم الدين، وإنَّما نكَّر (خيرًا)؛ لفائدة التعميم؛ لأنَّ النكرة في سياق الشرط كالنكرة في سياق النفي فتعمُّ، والتنوين فيه للتعظيم، أو التنكير للتعظيم.

(وإنَّما أنا قاسم)؛ أي: أقسم بينكم بتبليغ الوحي، و (إنَّما) أداة حصر، و (أنا) مبتدأ، و (قاسم) خبرُه، وقوله: (والله يعطي) مبتدأ وخبره، والجملة: حال؛ أي: يعطي كل واحد منكم من الفهم على قدر ما تعلقت به إرادته تعالى، فالتفاوت في أفهامكم منه تعالى، وهنا كلام طويل يُطلب من «شرح الشيخ الإمام بدر الدين العيني» رحمه الله تعالى.

فإن قلت: الحصر بـ (إنَّما) مع أنَّه عليه السلام له صفات أخرى سوى قاسم.

أُجيب: بأنَّ هذا ورد ردًّا على مَن يعتقد أنَّه عليه السلام يعطي ويقسم، فلا ينفي إلَّا ما اعتقده السامع، لا كل صفة من الصفات، وفيه حذف المفعول.

(ولن تزال هذه الأمة قائمة) (لن) : ناصبة للنفي، و (تزال) : من الأفعال الناقصة، و (هذه الأمة) جملة اسمية: اسمُها، و (قائمة) بالنصب: خبرُها، (على أمر الله)؛ أي: على الدين الحق، (لا يضرهم من)؛ أي: الذي، (خالفهم حتى يأتي أمر الله) والجملة حال، و (حتى) غاية لقوله: (لن تزال).

أراد بهذا أنَّ أمَّتَه آخرُ الأمم وأنَّ عليها تقوم الساعة وإنْ ظهرتْ أشراطُها وضعف الدين، فلا بُدَّ أن يبقى من أُمَّتِه مَن يقوم به، وقوله عليه السلام: «لا تقوم الساعة حتى لا يقول أحدٌ: الله الله»، وقوله: «لا تقوم الساعة إلَّا على أشرار الخلق» إنَّما ذلك عند القيامة، وبيانه ما جاء في حديث أبي أمامة أنَّه عليه السلام قال: «لن تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم مَن خالفهم»، قيل: وأين هم يا رسول الله؟ قال: «ببيت المقدس أو أكناف بيت المقدس»، قال إمامنا الإمام الأعظم والإمام المؤلف: هم أهل العلم.

وفي الحديث: دلالة على حجة الإجماع، وفيه: فضل الفقه في الدين على سائر العلوم؛ لأنَّ عليه مدار الأحكام، وفيه: فضل العلماء على سائر الناس، وفيه: إخباره عليه السلام بالمغيَّبات، والله أعلم.

(١٤) [باب الفهم في العلم]

هذا (باب الفهم)؛ بسكون الهاء وفتحها لغتان، (في العلم)؛ أي: العقل والمعرفة، كذا فسَّره الليث، وفسَّر (الفهم) بالعلم ابن حجر والبِرماوي تبعًا للكرماني، وهو غير صحيح، كما بسطه الشيخ الإمام بدر الدين العيني رحمه الله تعالى؛ فليحفظ.

[حديث: إن من الشجر شجرة مثلها كمثل المسلم]

٧٢ - وبه قال: (حدثنا علي) وفي رواية: (ابن عبد الله)؛ أي: المديني، المتوفى في ذي القعدة سنة أربع وثلاثين ومئتين، (قال: حدثنا سفيان) هو ابن عُيينة، (قال: قال لي ابن أبي نَجيح)؛ بفتح النون: هو عبد الله بن يسار المكي، قيل: يُرمَى بالقدر، لكن وثَّقه أبو زرعة وغيره، المتوفى سنة إحدى وثلاثين ومئة، وفي «مسند الحميدي» : (عن سفيان حدثني ابن أبي نَجيح)، (عن مجاهد) هو ابن جَبْر؛ بفتح الجيم وسكون الموحدة، وقيل: جُبير؛ بالتصغير، المخزومي الإمام المتفق على جلالته وتوثيقه، المتوفى سنة مئة، (قال: صحبت ابن عمر) عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما (إلى المدينة)؛ أي: مدينة النبي الأعظم عليه السلام، (فلم أسمعه) حال كونه (يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلَّا حديثًا واحدًا) أراد به الحديث الذي بعده متصلًا به، (قال: كنا)، وفي رواية: بإسقاط لفظ (قال)، (عند النبي) الأعظم (صلى الله عليه وسلم) في مجلسٍ، (فأُتي)؛ بضم الهمزة، (بجُمَّار)؛ بضمِّ الجيم وتشديد الميم، وهو شحم النخيل.

(فقال) عليه السلام: (إنَّ من الشجر) كل ما له ساق من نبات الأرض، (شجرةً) بالنصب اسم (إنَّ)، وخبرُها الجار والمجرور، و (مِن) للتبعيض، (مَثَلها كمَثَل)؛ بفتح الميم والمثلثة فيهما؛ أي: صفُتها العجيبة كصفة (المسلم) في النفع، قال ابن عمر: (فأردتُ أن أقول) في جواب قول الرسول صلى الله عليه وسلم: «حدثوني ما هي؟»، كما صرّح به في رواية، (هي النخلة) مبتدأٌ وخبرُه، والجملة مقول القول، (فإذا أنا أصغر القوم)، (ورأيت أبا بكر وعمر لا يتكلمان)، كما في رواية، (فسكتُّ)؛ بضمِّ التاء على صيغة المتكلِّم؛ تعظيمًا لهما.

(قال)، وفي رواية: (فقال)، (النبي) الأعظم (صلى الله عليه وسلم: هي النخلة) مبتدأ وخبره، والجملة مقول القول، ووجه المناسبة في الحديث للترجمة من كون ابن عمر لما ذَكر النبيُّ عليه السلام المسألة عند إحضار الجُمَّار إليه؛ فَهِم أنَّ المسؤول عنه النخلة، بقرينة الإتيان بجُمَّارها، وبقية (٣) مباحثه تقدمت مرارًا؛ فافهم.

(١٥) [باب الاغتباط في العلم والحكمة]

هذا (باب الاغتباط في العلم والحكمة) الاغتباط: افتعال من الغبطة، وهي: أن يتمنى مثل حال المغبوط من غير أن يريد زوالها عنه، والحسد: أن يتمنى زوال ما فيه، والحكمة: معرفة الأشياء على ما هي عليه، فهي مرادفة للعلم، فالعطف عليه من باب العطف التفسيري.

(وقال عمر) بن الخطاب (رضي الله عنه) فيما أخرجه أبو عمرو بإسناد صحيح من حديث ابن سيرين عن الأحنف عنه، وأخرجه الخوزي، وابن أبي شيبة، والبيهقي، كما بسطه في «عمدة القاري» : (تفقهوا قبل أن تُسَوَّدوا)؛ بضمِّ المثناة الفوقيَّة، وفتح السين المهملة، وتشديد الواو؛ أي: قبل أن تصيروا (٤) سادة، وتعلموا العلم ما دُمتُم صغارًا قبل السيادة والرئاسة؛ لأنَّ مَن سوَّده الناس يستحي أن يَقعُد مقعد المتعلِّم؛ خوفًا على رئاسته عند العامة، فيبقى على جهله، وقيل: معناه: قبل أن تتزوَّجوا، وقيل: معناه: قبل أن تَسْوَدَّ لحيتكم، والمعنى الأول أعم، وتمامه في «عمدة القاري».

وفي رواية الكشميهني زاد قوله: (قال أبو عبد الله)؛ أي: المؤلف، وفي رواية: (قال محمد بن إسماعيل)؛ أي: المؤلف: (وبعد أن تُسَوَّدوا)؛ بضمِّ المثناة الفوقيَّة، وفتح السين المهملة، وتشديد الواو، عطف على قول عمر رضي الله عنه؛ أي: تفقهوا قبل أن تُسَوَّدوا وتفقهوا بعد أن تُسَوَّدوا؛ أي: بعد أن تصيروا سادةً كبارًا؛ لأنَّه لا يجوز ترك التفقه بعد السيادة إذا فاته قبلَها حتى يمضي عمره باشتغاله في العلم لينال الشهادة الواردة في الأحاديث الجمَّة.

ويدل لذلك أيضًا: أنَّ المؤلف أكَّد ذلك بقوله: (وقد تعلَّم أصحاب النبي) الأعظم (صلى الله عليه وسلم) العلم (في كبر سنهم)؛ لأنَّ الناس الذين آمنوا بالنبي عليه السلام وهم كبارٌ ما تفقَّهوا إلَّا في كبر سنهم، وما ذكره الكرماني وتبعه القسطلاني كلُّه تعسُّفٌ وخروجٌ عن مقصود المؤلف، مع ما فيه من التكلف الذي لا حاجة إليه، كما نبَّه عليه الشيخ الإمام بدر الدين العيني رضي الله تعالى عنه ونفعنا به في الدارين؛ فليحفظ.

[حديث: لا حسد إلا في اثنتين]

٧٣ - وبه قال: (حدثنا الحُميدي)؛ بضم الحاء المهملة: أبو بكر عبد الله بن الزبير بن عبس المكي، المتوفى سنة تسع عشرة ومئتين، (قال: حدثنا سفيان) هو ابن عُيينة، (قال: حدثني) بالإفراد، وفي رواية: بالجمع، (إسماعيل بن أبي خالد على غير ما)؛ أي: على غير اللفظ الذي، (حدَّثَناهُ الزهريُّ) محمد بن مسلم بن شهاب، المسوق روايته عند المؤلف في (التوحيد)، يعني: أنَّ ابن عُيينة ذكر أنَّ الزهريَّ حدَّثه بهذا الحديث بلفظ غير اللفظ الذي حدَّثه به إسماعيل، [و] (الزهريُّ) بالرفع فاعلُ (حدَّث)، و (نا) مفعولُه، والضمير يرجع إلى الحديث.

والغرض من هذا: الإشعارُ بأنَّه سمع ذلك من إسماعيل على وجهٍ غير الوجه الذي سمع من الزهري، إمَّا مغايرةً في اللفظ أو في الإسناد أو غير ذلك، وفائدته: التقوية والترجيح بتعداد الطرق، وسيأتي إن شاء الله تعالى بيان الروايتين وما بينهما من التخالف


(١) في الأصل: (جزاءه).
(٢) في الأصل: (والفهم).
(٣) في الأصل: (وبقيته).
(٤) في الأصل: (تصير).

<<  <   >  >>