للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

فيجب عليهم تعاهد المسجد من وقوع القاذورات فيه، والكناسات، والزبالات، ونحوها.

ومنها: أن البصاق طاهر، وكذلك النخامة والمخاط، ولم يخالف في ذلك إلا إبراهيم النخعي، فإنَّه يقول: (كل ما تستقذره النفس نجس).

ومنها: أن التحسين والتقبيح إنَّما هو بالشرع ككون اليمين مفضلة على اليسار، واليد مفضلة على القدم.

ومنها: أن الرجل إذا رأى ما يُكره شرعًا أن يزيله بيده، ولهذا كان الأمر بالمعروف واجبًا، وهو على التفصيل؛ لقوله عليه السَّلام: «من رأى منكم منكرًا؛ فليغيره بيده، فإن لم يقدر؛ فبلسانه، فإن لم يقدر؛ فبقلبه، وهو أضعف الإيمان»، ويشترط أن يكون الأمر بالمعروف بالمعروف لا بالشدة إلا إذا رأى أحدًا كشف عورته؛ فينهاه بشدة، كما بُين في كتب الفروع، وقد انتهت الجهالة إلى قوم، فزعموا أن البصاق والنفخ والتنحنح في الصلاة جائز مطلقًا، غير مفسد؛ استدلالًا بهذا الحديث.

قلت: وهو استدلال فاسد، ودعوى بلا برهان، فإن قوله عليه السَّلام: «إذا قام في صلاته»؛ معناه: أن أحدكم إذا أراد القيام إلى صلاته؛ ينبغي له أن يتهيأ لها، ومن جملة ذلك: أنه إذا غلب عليه البلغم والبزاق، وأراد أن يبزق؛ يفعل، كما ذكره في الحديث، وليس المراد أنه يفعل ذلك في حال صلاته؛ لأنَّه عليه السَّلام قال: «إن صلاتنا هذه لا يَصْلُح فيها شيء من كلام الناس، إنَّما هي التسبيح وقراءة القرآن»، رواه مسلم وغيره، ولا ريب أن البصاق والنفخ والتنحنح ملحق بكلام الناس؛ لأنَّ الكلام لا يَحْسُن إلا بذلك، ويدل عليه الحصر في الحديث على أنها تسبيح وقراءة قرآن؛ يعني: لا غيرهما من أفعال الناس، ولو سلمنا أنه كان في حال الصلاة؛ فالغالب في البزاق أنه يخرج من الفم بدون حرف ولا صوت، لا سيما إذا أخذه بطرف ردائه؛ فإنَّه لا يسمع لذلك صوت أصلًا، ولهذا قال الإمام الأعظم رئيس المجتهدين: (إن البصاق والنفخ في الصلاة غير مفسد إذا كان بدون صوت ولا حروف، فإن كان يسمع؛ فهو مفسد؛ لأنَّه بمنزلة الكلام، وإن التنحنح في الصلاة إذا كان بعذر كأن وقف في حلقه البلغم، فمنعه عن القراءة ونحوها؛ فإنَّه غير مفسد، وإن كان بدون عذر، كما يفعله ذرية يأجوج ومأجوج؛ فمفسد للصلاة)، وفي رواية عنه: (إن حصل منه ثلاثة حروف؛ تفسد صلاته، وفي الحرفين قولان: الاحتياط المنع، وهو الأصح)، وزعم الشافعية وكذا الحنابلة أن النفخ والتنحنح إن ظهر من كل منهما حرفان أو حرف مفهم؛ كـ (قِ)؛ من الوقاية، أو مدة بعد حرف؛ بطلت صلاته، وإلا؛ فلا، والله تعالى أعلم.

(٤٠) [باب عِظَة الإمام الناس في إتمام الصلاة وذكر القبلة]

هذا (باب) حكم (عِظَة الإمام) أي: وعظه (الناسَ)؛ بالنصب على المفعولية (في) أي: بسبب ترك (إتمام الصلاة)؛ أي: بأن يتموا صلاتهم ولا يتركوا منها شيئًا، (وذكر القبلة)؛ بالجر عطف على (عظة)؛ أي: وفي بيان القبلة، والعظة على وزن (علَة (١)) مصدر من وَعَظ يعظ وَعظًا، وعظة (٢)، ومَوعظَة، وأصل (عظة) : وعظ، فلما حذفت الواو؛ عوضت منها التاء في آخره، أمَّا الحذف؛ فلوجوده في فعله، وأما كسر العين؛ فمن الواو؛ فافهم، والوعظ: النصح والتذكير بالعواقب، وإذا قلت: وعظته فاتعظ؛ أي: قبل الموعظة، ووجه المناسبة في ذكر هذا الباب عقيب الأبواب المذكورة من حيث إنَّه كان فيها أمر ونهي وتشديد فيهما، وهي كلها وعظ ونصح، وهذا الباب أيضًا في الوعظ والنصح، انتهى.

[حديث: هل تَرون قِبلتي هاهنا؟! فوالله ما يخفى عليَّ خشوعكم ولا ركوعكم]

٤١٨ - وبالسند إلى المؤلف قال: (حدثنا عبد الله بن يوسف) : هو التنيسي الكلاعي الدمشقيُّ الأصل (قال: أخبرنا مالك) : هو ابن أنس الأصبحي المدني، (عن أبي الزِّناد)؛ بكسر الزاي، وتخفيف النون: هو عبد الله بن ذكوان القُرشي المدني، (عن الأعرج) : هو عبد الرحمن بن هرمز المدني، (عن أبي هريرة) هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي المدني: (أنَّ رسول الله)

ولأبي الوقت: (عن النبي) الأعظم (صلَّى الله عليه وسلَّم) أنَّه (قال: هل تَرون)؛ بفتح المثناة الفوقية، استفهام على سبيل إنكار ما يلزم منه؛ المعنى: أنتم تحسبون (قِبلتي ههنا) وأنني لا أرى إلا ما في هذه الجهة؟! (فوالله) : قَسَم منه عليه السَّلام، وجوابه قوله: (ما يخفى عليَّ)؛ بفتح التحتية، (خشوعُكم) بالرفع فاعل (يخفى)؛ المراد به: السجود؛ لأنَّه غاية الخشوع، وقد صرح في رواية مسلم: (بالسجود)، ويجوز أن يُراد به أعم من ذلك، فيتناول جميع أفعالهم في صلاتهم، وقوله: (ولا) يخفى عليَّ (ركوعُكم) بالرفع عطفًا على (خشوعكم)؛ يعني: إذا كنت في الصلاة مستدبرًا لكم.

فإن قلت: إذا كان الخشوع بمعنى الأعم يتناول الركوع أيضًا، فما فائدة ذكره؟

قلت: لكونه أكبر من عمد الصلاة؛ لأنَّ الرجل ما دام في القيام؛ لا يتحقق أنه في الصلاة؛ فإذا ركع؛ يتحقق أنه في الصلاة، ويكون فيه عطف العام على الخاص؛ والمعنى: أن رؤيتي لا تختص بجهة قبلتي هذه، فإني أرى من خلفي كما أرى من جهة قبلتي.

(أَني)؛ بفتح الهمزة (لأراكم) اللام فيه للتأكيد، وهو إما بيان لجواب القسم، أو بدل منه (من وراء ظهري) : واختلف في ذلك؛ فقيل: كانت له عليه السَّلام عين خلف ظهره يرى بها من ورائه دائمًا، وقيل: كانت بين كتفيه عينان مثل سم الخياط؛ يعني: خرق (٣) الإبرة يبصر بهما، لا يحجبهما ثوب ولا غيره، وقيل: بل كانت صورهم تتطبع في حائط قبلته كما تتطبع في المرآة مُثلَتُهُم فيها، فيشاهد بذلك أفعالهم، واختلف أيضًا في معنى هذه الرؤية؛ فقال قوم: المراد بها: العلم إمَّا بطريق أنه كان يوحى إليه بيان كيفية فعلهم، وإمَّا بطريق الإلهام، وهذا ليس بشيء؛ لأنَّه لو كان ذلك بطريق العلم؛ ما كانت فائدة في التقييد بقوله: «من وراء ظهري»، وقال قوم: المراد بها: أنه يرى مَن عن يمينه، ومن عن يساره ممن تدركه عينه مع التفات يسير في بعض الأحوال، وهذا أيضًا ليس بشيء، وقال الجمهور: إنها من خصائصه عليه السَّلام، وإن إبصاره إدراك حقيقي انخرقت له فيه العادة، ولهذا


(١) في الأصل: (فعلة)، وليس بصحيح.
(٢) في الأصل: (ووعظة)، وليس بصحيح.
(٣) في الأصل: (خرءة).

<<  <   >  >>