للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

معاني الكلام.

(وبين يديه) بالتثنية (عَنَزة)؛ بفتح العين المهملة والنُّون؛ وهي مقدار نصف الرمح، والجملة حالية، قال الشَّارح: (قيل: فيه تكرار؛ لأنَّ العنزة هي الحربة، ورُدَّ بأنَّ الحربة غير العنزة؛ لأنَّ الحربة: هي الرمح العريض النصل، والعنزة: مثل نصف الرمح) انتهى؛ فافهم.

(والمرأة والحمار يمرون من ورائها)؛ أي: العَنَزة، والجملة أيضًا حالية، قال إمام الشَّارحين: (كان القياس في ذلك أن يقال: يمران؛ بلفظ التثنية؛ لأنَّ المذكور مثنى، وهو المرأة والحمار، ووجهوا هذا بوجوه، وأوجهها ما قاله ابن التين: فيه إطلاق اسم الجمع على التثنية، قال: لأنَّ مثل هذا وقع في الكلام الفصيح) انتهى.

قلت: وعلى هذا فلا خلاف في الكلام ولا تقدير، وزعم العجلوني: ولا بد من حذف في الكلام؛ ليطابق (يمرون) بالجمع، وإلا؛ فالظَّاهر: يمران، أي: والمرأة والحمار وغيرهما؛ كقوله تعالى: {لَا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الفَتْحِ وَقَاتَلَ} [الحديد: ١٠]؛ أي: ومن أنفق من بعده؛ والتقدير: والمرأة والحمار وراكبه.

قال ابن مالك: (فحذف الراكب؛ لدلالة الحمار عليه، وغلب تذكير الراكب أيضًا المفهوم على تأنيث المرأة، وكذا (١) الفعل على الحمار، فقال: «يمرون»؛ كقوله: راكب البعير طليحان؛ أي: البعير وراكبه طليحان) انتهى.

قلت: وهذا فاسد؛ لأنَّ فيه حذفًا وتقديرًا، وعدم الحذف والتقدير أولى عند المحققين، وانظر تكرار كلامه بلا فائدة.

وقال إمام الشَّارحين: (وتوجيه ابن مالك فيه تعسف وبُعْدٌ عن الظَّاهر) انتهى.

واعترضه العجلوني بأنَّ ما وجهه ابن مالك واقع في الفصيح، وجَارٍ على القواعد، انتهى.

قلت: كيف يكون جاريًا على القواعد، والقاعدة عند النحاة: إذا اجتمع التقدير وعدمه؛ فعدم التقدير أولى، وكأنَّه لم يطلع على هذه القاعدة، وكون ما وجهه واقع في الفصيح مسلم، لكنه على سبيل القلة والندور، وما قاله ابن التين جار على الفصيح الكثير المشهور المتواتر، وإذا اجتمع المشهور والنادر؛ فالمشهور أولى عند المدققين.

وزعم ابن حجر أنه أراد الجنس، ويؤيده رواية: (والناس والدَّواب يمرون)، والظَّاهر أنَّ الذي وقع هنا من تصرف الرواة، انتهى.

وردَّه إمام الشَّارحين، فقال: (قوله: «كأنَّه أراد الجنس»؛ هذا ليس بشيء؛ لأنَّه إذا أريد الجنس؛ يراد به: جنس المرأة وجنس الحمار، فيكون تثنية، فلا يطابق الكلام.

وقوله: «والظَّاهر...» إلخ: هذا أيضًا ليس بشيء؛ لأنَّ فيه نسبتهم إلى ذكر ما (٢) يخالف القواعد) انتهى.

واعترضه العجلوني بأنَّ الجنس في المرأة والحمار يصدق بأفراد كثيرة، فلا يكون تثنية، وكونه مخالفًا للقواعد فيه أنَّه موافق لها، وإن كان غيره هو الظَّاهر، انتهى.

قلت: هذا كلام بارد من ذهن شارد؛ لأنَّه وإن كان يصدق على أفراد، لكنه تثنية حقيقة؛ لأنَّ مسمى المرأة واحد، وكذا مسمى الحمار واحد، فلا يكون إلا تثنية على أنَّه لا يصح هنا إرادة الجنس؛ لأنَّه ليس هناك غيرها، فإرادة العهد صواب، ويدل عليه أنَّه عليه السَّلام خرج للصحراء، وهناك ليس بمقر للنساء والحُمُر، فالصَّواب: كون اللَّام فيه للعهد.

وكونه موافقًا للقواعد؛ ممنوع، فأي قاعدة توافق ما زعمه؟ فإنَّ الرواة يشترط فيهم الحفظ والأمانة، وما زعمه ينافيه؛ لأنَّهم لا يصدر منهم نقص في الألفاظ، ولا تغيير، ولا تبديل، وما زعمه ينافيه مع ما فيه من الجرأة وسوء الأدب بالصَّحابة الذين قال فيهم النَّبي الأعظم صلى الله عليه وسلم: «أصحابي كالنجوم بأيِّهم اقتديتم اهتديتم» رضي الله عنهم أجمعين، فلا عليك من كلامه، ويجب اجتنابه؛ فافهم.

[حديث: كان النبي إذا خرج لحاجته تبعته أنا وغلام ومعنا]

٥٠٠ - وبالسند إلى المؤلف قال: (حدثنا محمَّد بن حاتِم) بكسر الفوقية (بن بَزِيْع)؛ بفتح الموحَّدة، وكسر الزاي، وسكون التحتية آخره مهملة: هو أبو بكر أو أبو سعيد البصري، نزيل بغداد، المتوفى سنة تسع وأربعين ومئتين (قال: حدثنا شاذان)؛ بالشين والذَّال المعجمتين، تثنية شاذ، هو ابن عامر البغدادي، (عن شعبة) هو ابن الحجاج، (عن عطاء) بالمد (بن أبي مَيمُونة)؛ بفتح الميم الأولى، وضم الثانية، بينهما تحتية، واسمه منيع، هو البصري الثِّقة أبو معاذ، المتوفى سنة إحدى وثلاثين ومئة (قال) وفي رواية: (يقول) : (سمعت أنس بن مالك) هوالأنصاري البصري رضي الله عنه (قال)؛ أي: أنس، والجملة فعلية محلها نصب مفعول ثان لـ (سمعت) أو حال (كان النَّبي) الأعظم (صلى الله عليه وسلم إذا خرج)؛ أي: من حجرته، أو من بين الناس إلى الصحراء (لحاجته)؛ أي: للتخلي من البول أو الغائط؛ (تبعته)؛ أي: ذهبت معه، وذلك على الدوام والاستمرار كما يفيده التعبير بـ (كان)، وهذا قبل اتخاذ الكنف في البيوت، وهو جواب (إذا) (أنا)؛ بالرفع تأكيد للضمير المرفوع في (تبعته)، ويعطف عليه قوله: (وغلام) : لم يعلم اسمه، وفي رواية الإسماعيلي في باب (من حمل معه الماء لطهوره) : (أنا وغلام من الأنصار)، وعند المؤلف هناك: (وغلام منا)؛ أي: من قومنا أو من خدمه عليه السَّلام، ويحتمل أنَّ في التعبير قلبًا، وأصل الكلام: تبعته وأنا غلام؛ لأنَّ أنسًا كان يخدمه عليه السَّلام حين جاءت به أمه وهو صغير لم يبلغ الحلم، فقالت: خذ هذا يخدمك، وكانت تقول للنبي الأعظم: خويدمك (٣) أنس ادع (٤) له، فعلى هذا لم يكن معه أحد، لكن قد يقال: إنَّهما اثنان، ويدل عليه قوله: (ومعنا)؛ فإنَّه يدل على الجمع، وقد يقال: المراد بالجمع ما فوق الواحد، ويحتمل تعدد القصة؛ فافهم، (عُكَّازة) : الجملة حالية، وهي -بضم العين المهملة، وتشديد الكاف، وبالزاي- عصًا ذات زج من حديد في أسفلها، وقد تكون بدون زُج.

وزعم ابن المُنَيِّر: فيه دليل حَسَنٌ للصوفية على اتخاذ العكاز وما أدى نجوًا إلا هذا النجو، ثم اتبعهم أعرامهم فيه، انتهى.

قلت: فيه نظر، فإنَّ حمل العكازة يستحب لكل [من] بلغ سن الأربعين، وإنَّما خص المتصوفة؛ لأنَّهم يتجاهرون بحمل العكازة، ولبس الخرقة على رؤوسهم وأجسادهم وغير ذلك مما يدل على مقصدهم من الرياء والسمعة، ومشيهم في الأسواق؛ ليراهم الناس أنَّهم الزهاد في الدنيا وما هو إلا مخرفة وهزأة، لما يشاهد ممن ادعى ذلك كثرة الحب للدنيا والإقبال على أهلها وطلب ما بأيديهم، وهو خلاف فعلهم، كما لا يخفى.

وقوله: (وما أدى...) إلى آخره: ممنوع؛ لما رواه الدارقطني في «أفراده» عن عائشة قالت: قلت: يا رسول الله؛ أراك تدخل الخلاء ثم يجيء الرجل يدخل بعدك، فما يرى لما خرج منك أثرًا، فقال: «أما علمتِ أنَّ الله أمر الأرض أن تبتلع ما خرج من الأنبياء؟».

وفي «الشفا» : عن ابن سعد عن عائشة أنَّها قالت للنبي صلى الله عليه وسلم: إنَّك تأتي الخلاء، فلا نرى منك شيئًا من الأذى، فقال: «يا عائشة؛ أوما علمت أنَّ الأرض تبتلع ما يخرج من الأنبياء، فلا يرى منه شيء؟» انتهى؛ فافهم.

وقد نقل العجلوني كلام ابن المُنَيِّر ولم يتكلم عليه، إمَّا من التعصب، وإمَّا من قلة البضاعة، والله أعلم؛ فافهم.

(أو قال) أي: أنس: (عصًا)؛ أي: بدل العكازة، وكلمة (أو) للشك


(١) في الأصل: (وذا)، ولعل المثبت هو الصواب.
(٢) في الأصل: (إلى ما ذكر)، ولعل المثبت هو الصواب.
(٣) في الأصل: (خودمك)، ولعله تحريف.
(٤) في الأصل: (ادعوا)، ولا يصح.

<<  <   >  >>