للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

الأول؛ لأنَّه عقد على السويق بابًا، فلا يُذْكَرُ إلا في بابه، وذكره إياه ههنا لا طائل تحته؛ لأنَّه لا يفيد شيئًا زائدًا) انتهى كلامه، وهو ظاهر، كما لا يخفى على أولي الألباب.

(وأكل أبو بكر) : عبد الله بن عثمان الصديق الأكبر، (وعمر) الفاروق، (وعثمان) ذي النُّورين رضي الله تعالى عنهم (لحمًا؛ فلم يتوضؤوا)، وسقط في رواية أبي ذر لفظ: (لحمًا)، وإنما روى: (أكل أبو بكر، وعمر، وعثمان؛ فلم يتوضؤوا)، ووجد ذلك في رواية الكشميهني، والأولى أعم؛ لأنَّ فيه حذف المفعول، وهو يتناول أكل كل ما مسته النار لحمًا أو غيره، كذا وصل هذا التعليق الطبراني في «مسند الشاميين» بإسناد حسن من طريق سليم بن عامر قال: (رأيت أبا بكر وعمر وعثمان أكلوا مما مست النار ولم يتوضؤوا)، ورواه ابن أبي شيبة، عن هشيم، عن علي بن يزيد، عن محمد بن المنكدر قال: (أكلت مع رسول الله عليه السلام ومع أبي بكر وعمر وعثمان خبزًا ولحمًا، فصلُّوا ولم يتوضؤوا)، ورواه الترمذي مطوَّلًا، وكذا ابن حبان، ورواه الحافظ الطحاوي عن جابر قال: (أكلنا مع أبي بكر رضي الله عنه خبزًا ولحمًا، ثم صلَّى فلم يتوضَّأ)، وروي عن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم نحوه، وقوله: (فلم يتوضؤوا) : غرضه منه بيان الإجماع السكوتي، كذا في «عمدة القاري».

[حديث: أن رسول الله أكل كتف شاة ثم صلى ولم يتوضأ]

٢٠٧ - وبه قال: (حدثنا عبد الله بن يوسف)؛ أي: التنيسي، (قال: أخبرنا مالك)؛ أي: ابن أنس الأصبحي، (عن زيد بن أَسْلَم)؛ بفتح الهمزة، وسكون السين المهملة، وفتح اللام: العدوي مولى عمر المدني، (عن عطاء) بالمد (بن يسار)؛ بمثناة تحتية فمهملة مخففة، (عن عبد الله بن عباس)، وفي رواية: (عن ابن عباس) رضي الله عنهما: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أكل كَتِف) بفتح الكاف وكسر المثناة الفوقية (شاة)؛ أي: أكل لحم كتف شاة في بيت ضباعة بنت الحارث بن عبد المطلب، وهي بنت عم النبي الأعظم عليه السلام، وعند المؤلف في (الأطعمة) : (تعرَّق)؛ أي: أكل ما على العَرْق -بفتح العين المهملة وسكون الرَّاء- وهو العظم، ويقال له: العُراق -بالضم أيضًا- وفي لفظ: (انتشل عرقًا من قدر)، وعند مسلم: (أنه أكل عرقًا أو لحمًا، ثم صلى، ولم يتوضأ، ولم يمس ماء)، ورواه أبو إسحاق السراج في «مسنده» بزيادة: (ولم يُمَضْمِضْ)، وفي «مسند أحمد» : (انتهش من كتف)، وعند المؤلف: (أكل من عظم أو تعرق من ضلع)، وعند ابن ماجه وأبي داود: (فرأيته يسيل على لحيته أمشاج من دم وماء، ثم قام إلى الصلاة).

(ثم صلى) عليه السلام صلاة الظهر، ثم أكل، وقام إلى صلاة العصر؛ كما سيأتي في قصة المرأة التي صنعت للنبي عليه السلام شاة، (ولم يتوضأ)، وعند مسلم زيادة: (ولم يمس ماء)، وزاد أبو إسحاق: (ولم يمضمض)، كما سبق قريبًا، وهذا مذهب الأستاذ المعظم الإمام الأعظم، والثوري، والأوزاعي، ومالك، والشافعي، والليث، وإسحاق، وأبي ثور رضي الله عنهم، وتبعهم أحمد ابن حنبل إلا أنَّه يرى الوضوء من لحم الجزور فقط، وقال ابن المنذر: (كان أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي بن أبي طالب، وعبد الله بن مسعود، وعامر بن ربيعة، وأبو أمامة، وأبي بن كعب، وأبو الدرداء؛ لا يرون الوضوء مما مست النار).

وقال الحسن البصري والزهري وعمر بن عبد العزيز: (يجب الوضوء مما غيرت النار)، وهو قول زيد بن ثابت، وأبي طلحة، وأبي موسى، وأبي هريرة، وأنس، وعائشة، وأم حبيبة، وأبي أيوب، واحتجُّوا بأحاديث؛ منها: حديث أبي طلحة صاحب النبي عليه السلام: (أنه أكل ثور أقط؛ فتوضأ منه)، قال عمرو: (الثور: القطعة)، رواه الحافظ الطحاوي بإسناد صحيح، والطبراني في «الكبير»، ومنها: حديث زيد بن ثابت عن النبي عليه السلام قال: «توضؤوا مما غيرت النار»، رواه الحافظ الطحاوي، والنسائي، والطبراني، ومنها: حديث أم حبيبة قالت: إن رسول الله عليه السلام قال: «توضؤا مما مست النار»، رواه الحافظ الطحاوي بإسناد صحيح، وأحمد في «مسنده»، وأبو داود، والنسائي، ومنها: حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله عليه السلام: «توضؤوا مما غيرت النار ولو من ثور أقط»، رواه الحافظ الطحاوي بإسناد صحيح، والترمذي، والسراج، ومنها: حديث سهل ابن الحنظلية قال: قال رسول الله: «من أكل لحمًا؛ فليتوضأ»، رواه الحافظ الطحاوي بإسناد حسن.

وأجيب: بأن هذه الأحاديث منسوخة بأحاديث كثيرة منها: حديث ابن عباس، وحديث عمرو بن أمية، وغيرهما، وبما روي عن جابر رضي الله عنه قال: (كان آخر الأمرين من رسول الله عليه السلام هو ترك الوضوء مما مست النار)، أخرجه الحافظ الطحاوي، وأبو داود، والنسائي، وابن حبان في «صحيحه».

وروى مسلم من حديث جابر بن سمرة أن رجلًا سأل رسول لله عليه السلام: أتوضأ من لحوم الغنم؟ قال: «إن شئت؛ فتوضأ، وإن شئت؛ فلا تتوضأ»، قال: أتوضأ من لحوم الإبل؟ قال: «نعم، توضأ من لحوم الإبل»، وبه استدل أحمد على وجوب الوضوء من لحم الجَزور، وأجيب عنه وعن ما سبق: أن المراد بالوضوء في الأحاديث: غسل اليدين لا الوضوء الشرعي.

فإن قلت: روي: (توضأ)، وروي: (لم يتوضأ).

قلت: هو دائر بين الأمرين، وحديث جابر بيَّن أن المراد الوضوء اللغوي الذي هو غسل اليد والمضمضة؛ لزيادة دسومة وزهومة لحم الإبل، وقد ورد النهي أن يبيت وفي يده أو فمه دسم؛ خوفًا من عقرب ونحوهما، وبأنه منسوخ بحديث جابر.

وضعَّف في «المجموع» الجوابين بأن الحمل على الوضوء الشرعي مقدم على اللغوي، وترك الوضوء مما مست النار عام، وخبر الوضوء من لحم الإبل خاص، والخاص مقدم على العامسواء كان قبله أو بعده.

وأجيب: بأن الحمل على الوضوء اللغوي صحيح؛ لأنَّه قد ورد الوضوء بمعناه اللغوي؛ كقوله عليه السلام: «الوضوء قبل الطعام بركة، وبعده ينفي اللمم»، وبأن المعنى اللغوي أعم من المعنى الشرعي، فهو مقدَّم على الشرعي؛ للقرينة الدَّالة على ذلك، وهي الأكل، والإجماع قائم على أنه يسن غسل اليدين قبل الطعام وبعده، وقد حكى البيهقي عن عثمان الدارمي أنه قال: لما اختلفت أحاديث الباب، ولم يتبين الراجح منها؛ نظرنا إلى ما عمل به الخلفاء الراشدون رضي الله عنهم أجمعين بعد النبي عليه السلام، فرجحنا به أحد الجانبين، وعدم لزوم الوضوء من ذلك، ولهذا صدَّر المؤلف حديث الباب بالأثر المنقول عن الخلفاء الثلاثة، وقد صحَّ أن النبي الأعظم عليه السلام قال: «إن يطع الناسَ أبا بكر وعمر يرشدوا»، وقال النووي: (واستقر الإجماع على أنه لا وضوء مما مست النار)، وسيأتي تمامه؛ فافهم.

[حديث: رأى رسول الله يحتز من كتف شاة]

٢٠٨ - وبه قال: (حدثني) بالإفراد، وفي رواية: (حدثنا) (يحيى بن بُكير)؛ بضم الموحدة وبالتصغير، نسبه لجده؛ لشهرته به، وإلا؛ فهو يحيى بن عبد الله بن بكير المصري (قال: حدثنا الليث)؛ بالمثلثة: ابن سعد المصري، (عن عُقيل)؛ بضم العين المهملة بالتصغير: هو ابن خالد الأيلي المصري، (عن ابن شهاب) : محمد بن مسلم الزهري (قال: أخبرني) بالإفراد (جعفر بن عَمرو) بفتح العين (بن أمية: أنَّ أباه عَمرًا)؛ أي: ابن أمية المذكور (أخبره) وليس لعمرو بن أمية رواية في البخاري إلا هذا والذي مضى في المسح فقط، قاله في «عمدة القاري» : (أنَّه رأى)؛ أي: أبصر، فلا تقتضي إلا مفعولًا واحدًا (النبي) الأعظم، وفي رواية: (رسول الله) (صلى الله عليه وسلم يحْتزُّ)؛ بالحاء المهملة الساكنة، وبالزاي المشددة؛ أي: يقطع، يقال: احتزه؛ أي: قطعه، (من كتف شاة)؛ أي: من لحمه، زاد المؤلف في (الأطعمة) : (يأكل منه)، وعنده في (الصلاة) : (يأكل ذراعًا يحتز)، وفي أخرى: (يحتز من كتف يأكل منها)، قال ابن سيده: الكَتِف العَظْم بما فيه، وهي أُنْثى، والجمع: أكْتاف، يقال: كَتِف؛ بفتح الكاف، وكسر التاء، وكِتْف؛ بكسر الكاف وسكون التاء، وقيل: هو عظم عريض خلف المنكب، وهي تكون للناس وغيرهم، والكتف من الخيل والإبل والبغال والحمير وغيرها: ما فوق العضد، وقيل: الكتفان: أعلى اليدين، والجمع: أكتاف، قال سيبويه: لم يجاوزوا به هذا البناء، وحكى اللحياني في «جمعه» : كتفه، انتهى.

(فدُعي)؛ بضم الدَّال على البناء للمجهول (إلى الصلاة)؛ أي: صلاة العصر، وكان الداعي له إلى الصلاة بلال رضي الله عنه، كما في «النسائي» عن أم سلمة، (فألقى) أي: النبي الأعظم عليه السلام (السِّكِّين) : زاد المؤلف في (الأطعمة)، عن أبي اليمان، عن شعيب، عن الزهري: (وألقاها والسكين)، قال في «عمدة القاري» : (والسِّكِّين على وزن «فعيل»؛ كشِرِّيب، يذكر ويؤنث)، وحكى اللحياني: سكينة، ولعلَّه سمِّى به؛ لأنَّه يسكن حركة المذبوح، (فصلى) : وفي رواية: (وصلى)؛ بالواو (ولم يتوضأ)، زاد البيهقي من طريق عبد الكريم بن الهيثم عن أبي اليمان في آخر هذا الحديث: (قال الزهري: فذهبت تلك؛ أي: القصة في الناس، ثم أخبر رجال من أصحابه عليه السلام ونساء من أزواجه عليه السلام: أنه عليه السلام قال: «توضؤوا مما مست النار»)، ثم قال: (فكان الزهري يرى أن الأمر بالوضوء مما مست النار ناسخ لأحاديث الإباحة؛ لأنَّ الإباحة سابقة، واعترض عليه بحديث جابر السابق قريبًا قال: كان آخر الأمرين من رسول الله عليه السلام ترك الوضوء مما مست النار، لكن قال أبو داود وغيره: إن المراد بالأمر هنا: الشأن والقصة، لا ما قابل النهي، وإن هذا اللفظ مختصر من حديث جابر المشهور في قصة المرأة التي صنعت للنبي الأعظم عليه السلام شاة مسمومة، فأكل منها، ثم توضأ وصلى الظهر، ثم أكل منها وصلى العصر، ولم يتوضأ، فيحتمل أن تكون هذه القصة وقعت

<<  <   >  >>