للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

لفظ: «التور»، وكان المناسب أن يذكر هذا الحديث في الباب الذي بعده.

قلت: لعلَّ إيراده في هذا الباب من جهة أن ذلك التَوْر كان على شكل القدح، أو من جهة أنه حجر؛ لأنَّ الصُّفر من أنواع الحجارة)، قال في «عمدة القاري» : (ورأيت في نسخة صحيحة بخط المصنف: «والتور» بعد قوله: «والخشب والحجارة») انتهى، فعلى هذا حصلت المطابقة للترجمة، فلا حاجة لما قاله الكرماني على أن قوله: (لأن الصفر...) إلخ؛ فيه نظر؛ لأنَّ الصُّفر: هو النحاس الأصفر أو الجيد منه.

ونقل العجلوني: (أن التَّوْر: الطست أو شبهه) انتهى، ويردُّه ما قدمناه عن أهل اللغة من أنَّه: إناء صغير يُشْرَبُ فيه ويُؤْكَل، والطست لا يُشْرَبُ فيه ولا يُؤْكَل، ويدل لذلك ما في حديث المعراج عن أنس: «فأُتي بطست من ذهب فيه تور من ذهب»، فإنَّه قد غاير بينهما، وفُهِمَ منه أنَّ التور أصغر من الطست، فهو موافق لما قدمناه؛ فليحفظ.

(فتوضأ)؛ أي: النبي الأعظم عليه السلام، وقوله: (في تَوْر) صفة؛ لقوله: (ماء)، ومحله النصب، (فغسل وجهه ثلاثًا)؛ أي: ثلاث مرات، وهذا تفسير؛ لقوله: (فتوضأ)، وفيه حذف تقديره: فمضمض واستنشق، كما دلت عليه الروايات الأخر والمخرج متحد؛ كذا قاله في «عمدة القاري»؛ فافهم، (ويديه)؛ بالتثنية؛ أي: وغسل يديه (مرتين مرتين) إلى المرفقين؛ أي: لكل يد مرتين، (ومسح برأسه)؛ الباء للإلصاق على التحقيق، أو زائدة، وقيل: للتبعيض، وهو ضعيف، (فأقبل به)؛ أي: بالمسح المفهوم من (مسح)؛ أي: لا بالرأس إلا أن تُجْعَلَ الباء بمعنى: (على)؛ فافهم، (وأدبر)؛ أي: به أيضًا، (وغسل رجليه)؛ أي: إلى الكعبين، وأتى بالواو فيه وفيما قبله التي هي لمطلق الجمع؛ للتنبيه على أنَّ الترتيب ليس بواجب، بل هو سنة؛ كما تقدم في باب (غسل الرجلين)؛ فافهم.

[حديث: هريقوا عليَّ من سبع قِرَب]

١٩٨ - وبه قال: (حدثنا أبو اليَمان)؛ بألف بعد الميم، قبلها مثناة تحتية مفتوحة، هو الحَكم بن نافع؛ بفتح الحاء المهملة (قال: أخبرنا شُعيب)؛ بضم المعجمة، ابن أبي حمزة دينار، أبو بشر الحمصي، (عن الزهري) محمد بن مسلم ابن شهاب (قال: أخبرني) بالإفراد (عبيد الله) بالتصغير (بن عبد الله) بالتكبير (بن عُتبة)؛ بضم العين المهملة، وسكون المثناة الفوقية، زاد في رواية: (ابن مسعود) رضي الله عنه: (أن عائشة) زوج النبي الأعظم عليه السلام ورضي عنها، (قالت: لمَّا) بتشديد الميم (ثقل النبي) الأعظم (صلى الله عليه وسلم)؛ أي: أثقله المرضن قال في «عمدة القاري» : (ثَقُل -بضم القاف- يقال: ثقل الشيء ثقلًا؛ مثل: صغر صغرًا، فهو ثقيل، وقال أبو نصر: أصبح فلان ثاقلًا: إذا أثقله المرض، والثقل: ضد الخفة، والمعنى ههنا: اشتد مرضه، ويفسره قولها بعده: (واشتد به وجعه)؛ أي: مرضه، وأما الثَّقْل -بفتح الثاء وسكون القاف- فهو مصدر ثقَل الشيء -بفتح القاف- في الوزن يَثْقُله ثقلًا، من باب (نَصَر يَنْصُر) : إذا وزنه، وكذلك ثقلت الشاة: إذا رفعتها للنظر ما ثقلها (١) من خفتها، ونقل ابن حجر عن «القاموس» : (ثقِل الرجل -بكسر القاف- فهو ثاقل وثقيل: اشتد مرضه)، واعترضه في «عمدة القاري» : (بأنَّ هذا يحتاج إلى مستند إلى أحد من أئمة اللغة المعتمد عليهم) انتهى.

وقوله: (استأذن) عليه السلام، جواب (لمَّا) (أزواجه رضي الله عنهنَّ)، وكنَّ تسعة، وهنَّ اللاتي مات عنهنَّ، وقد نظمهنَّ بعضهم بقوله:

تُوُفِّي رَسُولُ اللهِ عَنْ تِسْعِ نِسْوَةٍ... إلَيْهِنَّ تُعْزَى الْمَكْرُمَاتُ وَتُنْسَبُ

فَعَائِشَةٌ مَيْمُونَةٌ وَصَفِيَّةٌ... وَحَفْصَةُ أَيْضًا ثُمَّ هِنْدٌ وَزَيْنَبُ

جُوَيْرِيَةُ مَعَ سَوْدَةٍ ثُمَّ رَمْلَةٍ... ثَلَاثٌ وَسِتٌّ ذِكْرُهُنَّ مُهَذَّبُ

أي: طلب منهنَّ أن يأذنَّ له (في أن يُمرَّض)؛ بضم المثناة التحتية وفتح الرَّاء المشددة، على صيغة المجهول من التمريض، يقال: مرَّضته تمريضًا: إذا قمت عليه في مرضه؛ يعني: خدمته فيه، ويحتمل هنا: أزلت مرضه بالخدمة، كذا في «عمدة القاري» (في بيتي)؛ متعلق بـ (يُمرض)، ففيه دلالة على وجوب القسم على النبي الأعظم عليه السلام، وإلَّا لم يحتج إلى الاستئذان منهنَّ، ووجوبه على غيره من الأمَّة بالطريق الأولى، (فأذِنَّ)؛ بتشديد النُّون وكسر المعجمة؛ لأنَّه جماعة النساء؛ أي: أذنت أزواج النبي الأعظم عليه السلام (له)؛ أي: للنبي الأعظم عليه السلام أن يمرَّض في بيتها؛ أي: عائشة رضي الله عنها، ففيه: دليل على أنَّ لبعض الضرَّات أن تهب نوبتها للضرَّة الأخرى، وهو مذهب الإمام الأعظم والجمهور، ولها أن ترجع؛ لأنَّها أسقطت حقًّا لم يجب بعد، فلا يسقط، كذا في «شرح الملتقى»، وفي الحديث: دلالة على فضل السيدة عائشة رضي الله عنها؛ لتمريض النبي الأعظم عليه السلام في بيتها، وفيه: أنَّه عليه السلام كان يشتد به المرض؛ ليعظم أجره بذلك عند ربه عزَّ وجلَّ، وفي الحديث الآخر: «إنِّي أوعك كما يوعك رجلان منكم»، وفيه: أنَّ المريض يسْكُنُ نفسه لبعض أهله دون بعض، كذا في «عمدة القاري».

(فخرج النبي) الأعظم (صلى الله عليه وسلم)؛ أي: من بيت ميمونة، وهو الأظهر، وقيل: من بيت زينب بنت جحش، وقيل: من بيت ريحانة، وفي هذا دلالة على أنَّه لا يجْمَعُ بين الضرائر إلَّا بالرضا، ولو قالت: لا أسكن مع أَمتك؛ ليس لها ذلك، كذا في «شرح الملتقى» (بين رجلين تَخُطُّ) بفتح المثناة الفوقية وضم الخاء المعجمة (رجلاه) فاعله؛ أي: يؤثر برجليه على الأرض كأنه يخطُّ خطًّا، وفي رواية: (تُخَطُّ)؛ بصيغة المجهول، كذا في «عمدة القاري»، ومثله في «الكرماني»، وقوله: (في الأرض) متعلق بـ (تخط)، وكلمة (في) على بابها، أو بمعنى: على، وقوله: (بين عباس)؛ أي: عمه عليه السلام، وهو العباس بن عبد المطلب، يُكْنى أبا الفضل، أكبر من النبي الأعظم عليه السلام بسنتين أو ثلاث، المتوفى بالمدينة سنة اثنتين وثلاثين أو بعدها، عن ثمان وثمانين سنة، ودفن بالبقيع، وقبره مشهور يُزَار، (ورجل آخر) بدل من قوله: (بين رجلين).

(قال: عبيد الله)؛ بالتصغير؛ أي: الراوي عن عائشة رضي الله عنها، وهذا مدرج من كلام الزهري الراوي عنه، لكنه بالإسناد المذكور بغير واو العطف: (فأخبرت عبد الله بن عباس) رضي الله عنهما؛ أي: بقول عائشة رضي الله عنها، (فقال) أي: ابن عباس: (أتدري من الرجل الآخر؟)؛ أي: الذي لم تسمِّه عائشة، (قال: لا)؛ أي: لا أدري، (قال) أي: ابن عباس: (هو علي)؛ أي: ابن أبي طالب، كما صُرِّح به في رواية، لكن في رواية مسلم: (بين الفضل بن عباس)، وفي أخرى: (بين رجلين؛ أحدهما: أسامة)، قال في «عمدة القاري» : (وطريق الجمع أنَّهم كانوا يتناوبون الأخذ بيده الكريمة تارة هذا وتارة هذا، وكان العباس أكثرهم أخذًا ليده الكريمة؛ لأنَّه كان أدومهم لها إكرامًا واختصاصًا به، وعلي وأسامة والفضل يتناوبون اليد الأخرى، قال: فعلى هذا يجاب عن إبهام عائشة بأنَّها صرحت بالعباس، وأبهمت الآخر لكونهم ثلاثة، وهذا الجواب أحسن من أنَّه كان في قلبها منه ما يحصل في قلوب البشر مما يكون سببًا في الإعراض عن ذكر اسمه؛ حيث قال للنبي الأعظم عليه السلام عنها في قصة الإفك: (النساء سواها كثير)، وإن تبعه الشراح؛ لأنَّ في هذا توصل للجهال والقيل والقال، كما لا يخفى على أهل الأحوال.

(وكانت عائشة تحدث أن النبي) الأعظم (صلى الله عليه وسلم) عطف على (فأخبرت)، فهو من مقول عبيد الله لا ابن عباس، فهو داخل تحت الإسناد السابق، ويحتمل أن يكون ما سمع عبيد الله من عائشة، فيكون مسندًا، وأن يكون تعليقًا من عبيد الله؛ فتأمل (قال بعد ما دخل بيته)؛ أي: النبي الأعظم عليه السلام، ولابن عساكر: (بيتها)؛ أي: عائشة، وأضيف إليها مجازًا؛ لسكناها فيه، (واشتد وجعه) وفي رواية الأصيلي: (واشتد به وجعه) : (هريقوا)؛ بدون الهمزة في أكثر الروايات، وفي رواية: (أهريقوا)؛ بزيادة الهمزة، وفي أخرى: (أريقوا).

وفي هذه المادة ثلاث لغات:

الأولى: هراق الماء يهريقه هراقة؛ أي: صبَّه، وأصله: أراق يريق إراقة، من باب الإفعال، وأصل أراق: أَرْيَق على وزن (أفعل)، نقلت حركة الياء إلى ما قبلها


(١) في الأصل: (يقلها)، وهو تصحيف.

<<  <   >  >>