للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

لا يجدي، ولا يلزم من عدم رؤيته ثابتًا ألَّا يكون ثابتًا عند غيره؛ أي: ومع هذا فقد أثبته الجم الغفير من الحفاظ، وأجمع عليه المسلمون، وفيه أنَّ قوله: (اجعلوا آخر صلاتكم وترًا) : دليل على أنَّ ذلك يقتضي الوجوب؛ لظاهر الأمر به، ولكنه مستحب في حق من لا يغلبه النَّوم، فإن كان يغلبه ولا يثق بالانتباه؛ أوتر قبله، كذا قرره إمام الشَّارحين صاحب «عمدة القاري» رضي الله عنه، اللهم ارحمه وأجزه عنا خيرًا، فإنَّه أودع دقائق وحقائق مما لم يسبق إليه، وحقيق بأن يكون إمامًا للشارحين؛ فافهم.

[حديث: مثنى مثنى فإذا خشيت الصبح فأوتر بواحدة توتر]

٤٧٣ - وبالسند إلى المؤلف قال: (حدثنا أبو النعمان) هو محمَّد بن الفضل (قال: حدثنا حمَّاد) زاد الأربعة: (ابن زيد) هو ابن درهم أبو إسماعيل البصري، (عن أيوب) هو السختياني، (عن نافع) هو مولى ابن عمر، (عن) عبد الله (ابن عمر) هو ابن الخطاب رضي الله عنهما: (أَنَّ) بفتح الهمزة (رجلًا) لم يعرف اسمه (جاء إلى النَّبي) الأعظم (صلى الله عليه وسلم) وهو في مسجده النَّبوي يوم الجمعة كما يفهم من السياق (وهو يخطُب)؛ بِضَمِّ الطاء المهملة؛ أي: على منبره الشريف للناس، (فقال) أي: الرجل: (كيف صلاة الليل؟) أي: هل تصلى أربع ركعات أم ركعتين؟ (فقال) ولأبي ذر: (قال) أي: النَّبي الأعظم صلى الله عليه وسلم مجيبًا له: (مثنى مثنى) مقول القول، وهو في الحقيقة جملة؛ لأنَّ مقول القول يكون جملة، فالمبتدأ محذوف؛ تقديره: صلاة الليل مثنى مثنى؛ أي: اثنين اثنين، والثاني تأكيد للأول، وهو غير منصرف؛ لأنَّ فيه العدل التحقيقي والصِّفة، أفاده إمامنا الشَّارح، (فإذا خشيت الصبحَ)؛ أي: طلوع الفجر الصَّادق، و (الصبحَ) : منصوب مفعول (خشِيت)؛ بكسر الشين المعجمة، خطاب للرجل المذكور، ويلحق به غيره ممن يفعل ذلك.

وقول العجلوني: (خطاب لكل من يتأتى منه الخطاب) : فيه نظر؛ لأنَّ وجود التَّاء تمنع ذلك؛ لأنَّها موضوعة للخطاب، والمخاطب هو الرجل المذكور لا غيره، نعم؛ مع عدم وجود التَّاء يحتمل ذلك، ولا رواية فيه، بل جميع الروايات على وجودها؛ فليحفظ.

(فأوتر بواحدة)؛ أي: بركعة واحدة بعد شفع قبلها متصلًا بها، فهو ثلاث ركعات؛ وهو الوتر، وقد بين ذلك أحاديث؛ منها: حديث عائشة، وعمران بن حصين، وغيرهما: (أنَّه عليه السَّلام كان يوتر بثلاث لا يقعد إلا في آخرهن)، رواه أحمد والحاكم، وقال: (على شرط الشيخين)، والأحاديث تفسر بعضها بعضًا؛ فافهم.

وقوله: (توترْ) مجزوم؛ لأنَّه جواب الأمر، ويروى: بالرفع على الاستئناف، وقوله: (لك) ثابت في رواية الكشميهني والأصيلي، كما قاله إمام الشَّارحين، ساقط عند غيرهم (ما قد صليت)؛ أي: الذي قد صليته، فكلمة (ما) الموصولة محلها نصب على المفعولية لـ (توتر)، وفاعله عائد إلى المخاطب لا إلى الواحدة؛ كما يدل عليه وجود التَّاء المخاطبة، وإن احتمل على بعد جعله للواحدة، وزيادة (لك) لا يدل عليه؛ لأنَّه لا مانع من وجود خطأ بين في الكلام؛ فافهم، وهذا يؤيد ما قلناه آنفًا؛ فافهم.

(فقال) وفي رواية: (وقال) (الوَلِيد بن كَثير)؛ بفتح الواو، وكسر اللَّام، و (كَثير) ضد القليل، فهما بالتكبير، هو أبو محمَّد القرشي المخزومي المدني، سكن الكوفة، وكان ثقة عالمًا بالمغازي، مات بها سنة إحدى وخمسين ومئة: (حدثني) بالإفراد (عُبيد الله)؛ بالتصغير: هو شقيق سالم؛ لقوله: (ابن عَبد الله)؛ بالتكبير: هو ابن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما: (أَنَّ)؛ بفتح الهمزة (ابن عمر) أي: والده المذكور (حدثهم) إنَّما أتى بلفظ: (حدثهم) بالجمع؛ إشارة إلى أنَّه لم يكن منفردًا عند التحديث به، قاله إمام الشَّارحين، وليس هو عبيد الله السَّابق، فإن ذاك يروي عن نافع، ولم يدرك ابن عمر؛ فليحفظ، (أنَّ رجلًا) بفتح الهمزة، ولم يعرف اسمه (نادى النَّبي) الأعظم (صلى الله عليه وسلم)؛ أي: فسأله عن صلاة الليل هل تصلى أربعًا أم ركعتين؟ وأجابه بأنها: مثنى مثنى، (وهو) أي: النَّبي الأعظم صلى الله عليه وسلم (في المسجد)؛ أي: النَّبوي، والجملة حالية، والضمير يحتمل أن يعود على الرجل أو على النداء، والأقرب الأول؛ لأنَّ هذا التَّعليق وصله مسلم من طريق أبي أسامة عن الوليد، وهو بمعنى حديث نافع عن ابن عمر، فهو يؤيد أنَّ الضمير يعود عليه صلى الله عليه وسلم، فإنَّه كان يخطب على منبره في مسجده؛ فافهم.

وقال إمام الشَّارحين: (وهذا علقه البخاري وأراد به بيان أنَّ ذلك كان في المسجد؛ لأنَّ صحة مطابقة الحديث للتَّرجمة به) انتهى، أي: فإنَّ الظَّاهر منه عليه السَّلام لا يكون في المسجد إلا وحوله جماعة جلوس محلقين به، وقال إمام الشَّارحين: (وبهذا يرد على الإسماعيلي حيث اعترض على البخاري بأنَّه ليس فيما ذكر دلالة على الجلوس في المسجد) انتهى.

وليس في هذا وسابقه دلالة على أنَّ صلاة الليل مثنى ومثله النهار؛ كما ذهب إليه المالكية، والشَّافعية، والحنابلة؛ لأنَّ هذه واقعة حال وردَّة على سؤال رجل، فأجابه عليه السَّلام على قدر طاقته واستطاعته، وإلا؛ فالأفضل الأربع ليلًا ونهارًا؛ لحديث عائشة رضي الله عنها: (أنَّها سئلت عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في جوف الليل، فقالت: كان يصلِّي صلاة العشاء في جماعة، ثم يرجع إلى أهله، فيركع أربع ركعات، ثم يأوي إلى فراشه...)؛ الحديث، رواه أبو داود في «سننه»، وفي آخره: (حتى قبض على ذلك)، ولما رواه مسلم من حديث معاذة: (أنَّها سألت عائشة: كم كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلِّي الضُّحى؟ قالت: أربع ركعات يزيد ما شاء)، ورواه أبو يعلى في «مسنده»، وفيه: (لا يفصل بينهنَّ بسلام)، وهذا مذهب الإمام الأعظم رئيس المجتهدين رضي الله عنه والجمهور، وقال الإمامان أبو يوسف ومحمَّد بن الحسن: الأفضل في الليل مثنى، وفي النهار أربع، وسيأتي مزيد لذلك في (النوافل) إن شاء الله تعالى.

[حديث: ألا أخبركم عن الثلاثة أما أحدهم فأوى إلى الله فآواه الله]

٤٧٤ - وبالسند إلى المؤلف قال: (حدثنا عبد الله بن يوسف) هو التنيسي المنزل الدمشقي الأصل (١) (قال: أخبرنا) ولابن عساكر والأصيلي: (حدثنا) (مالك) هو ابن أنس الأصبحي المدني، (عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة) الأنصاري البخاري، ابن أخي أنس لأمه، التَّابعي، المتوفى سنة اثنتين وثلاثين ومئة: (أنَّ أبا مُرَّة)؛ بضم الميم، وتشديد الرَّاء، واسمه يزيد (مولى عَقيل) بفتح العين المهملة (بن أبي طالب)، وقيل: مولى أخيه علي الصديق الأصغر، وقيل: مولى أختهما أم هانئ (أخبره عن أبي واقِد)؛ بالقاف المكسورة، والدَّال المهملة: هو الحارث بن عوف، وقيل: هو الحارث بن مالك، وقيل: هو عوف بن الحارث، الصَّحابي (اللَّيثي) -بالمثلَّثة- البدري في قول، المتوفى بمكة سنة ثمان وستين، (قال) أي: أبو واقِد: (بينما رسول الله) وللأصيلي: (النَّبي) الأعظم (صلى الله عليه وسلم) وأصل (بينما) : (بين)، زيدت عليها لفظة (ما)، وهي من الظروف التي لزمت إضافتها إلى الجملة، وفي رواية: (بينا)؛ بدون (ما)، وأصلها: (بين)، فاشبعت فتحة النُّون بالألف، والعامل فيه معنى المفاجأة (في المسجد)؛ أي: النَّبوي، والجار والمجرور حال من الرسول؛ كما قاله القسطلاني تبعًا لإمام الشَّارحين.

وزعم العجلوني أنَّه متعلق بخاص خبر المبتدأ؛ كـ (جالس)؛ للقرينة، ولا يخرجه ذلك عن الاستقرار؛ فتدبر.

زاد المؤلف في روايته في كتاب (العلم) : (والناس معه)، وهو أصرح؛ لما ترجم له المؤلف؛ فافهم، والله أعلم.


(١) في الأصل: (التنيسي الأصل الدمشقي المنزل)، وليس بصحيح.

<<  <   >  >>