للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

أنها وضعت الماء في الإناء وسترته خوفًا من وقوع شيء فيه يفسده؛ لأمره عليه السلام بتغطية الأواني.

فقوله: (فالضمير...) إلخ ليس بشيء، بل يتعين هناك أن يكون الضمير عائدًا على الإناء؛ لأنَّه أقرب مذكور، وللعلة المذكورة.

وقوله: (بدليل...) إلخ ممنوع؛ فإن ما هنا لا يدل على ما ذكر هناك؛ لأنَّ القصة مختلفة وإن كان الراوي واحدًا؛ لأنَّ الاغتسال متعدد ضرورة، فهذا لا يدل على ما قاله أصلًا.

وقوله: (وبه ظهر...) إلخ ممنوع، بل ظهر شذوذ ما قاله؛ فالمناقشة التي ذكرها مردودة عليه؛ لأنَّها عن غير دليل، وقد أوضحت المقام هناك؛ فارجع إليه إن شئت.

وقوله: (والعجب...) إلخ لا عجب منهم، ولا غفلة، ولا إهمال، فإن الشراح منهم حفاظ، ومنهم متقنون، فوقوع الغفلة منهم بعيد جدًّا، بقي الإهمال؛ فإنما أهملوه حيث إنه لم يدل عليه ما هناك؛ لاختلاف القصة، كما لا يخفى، والعجب من هذا القائل كيف تثبت في ذهنه ذلك وهو بعيد جدًّا؛ لعدم الدليل عليه، وما استدل به؛ فهو غير صحيح، فزاد في الطنبورة نغمة، وفي الشطرنج جملًا، والله تعالى أعلم.

(فغسل يديه)؛ أي: إلى الرسغين، (ثم صب) أي: الماء (بيمينه على شماله فغسل فرجه) أي: القبل والدبر وما حولهما، (و) غسل (ما أصابه) أي: من البول والمني وغيرهما، (ثم مسح بيده) بالإفراد (على الحائط أو الأرض)؛ بالشك من ميمونة، كما مر، وفي رواية: (بيده الحائط) من غير شك، (ثم توضأ وضوءه للصلاة)؛ أي: الوضوء المفروض بأن أتى بسننه وآدابه (غير رجليه) فإنه أخَّر غسلهما؛ لأنَّهما في مستنقع الماء المستعمل، (ثم أفاض) من الإفاضة؛ وهي الإسالة؛ أي: أسال (على جسده الماء)؛ أي: على رأسه، وما نزل عنه، فعمم جميع جسده، وتكفي المضمضة والاستنشاق في الوضوء عن الغسل؛ لأنَّ السنة تنوب عن الفرض كما تقدم، (ثم تنحَّى)؛ أي: تباعد عن مكانه الذي اغتسل فيه إلى مكان آخر نظيف، (فغسل قدميه)؛ أي: رجليه تحرُّزًا عن الماء المستعمل، وليكون البدء والختم بأعضاء الوضوء، ومطابقة الحديث للترجمة في قولها: (سترت النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم).

قال في «عمدة القاري» : (وقد قلنا: إن البخاري ذكر حديث ميمونة هذا في ثمانية مواضع، وهذا هو الثامن، وقد تقدم هذا في أول الغسل، غير أن بينه وبين سفيان الثوري اثنين؛ أحدهما: هو شيخه عبدان، والآخر: ابن المبارك، وقد ذكرنا فيه من أنواع ما يتعلق به مستقصًى؛ فافهم).

(تابعه) أي: تابع سفيان الثوري (أبو عَوانة)؛ بفتح العين المهملة، وتخفيف الواو؛ هو الوضاح اليشكري في الرواية عن الأعمش، وقد ذكر البخاري هذه المتابعة في باب (من أفرغ بيمينه)، (وابن فضيل) أي: وتابعه أيضًا محمَّد بن فضيل في الرواية عن الأعمش، وروايته موصولة في «صحيح أبي عَوانة» البصري؛ كلاهما (في الستر) وفي بعض النسخ: (في التستر)؛ أراد: تابعا سفيان في لفظ: (سترت النبيَّ عليه السلام) لا في بقية الحديث، ووقع ذكر الستر أيضًا في هذا الحديث من رواية أبي حمزة عند المؤلف، ومن رواية زائدة عند الإسماعيلي، وقدمنا ما يتعلق بهذا الحديث مستوفًى، والله أعلم.

(٢٢) [باب إذا احتلمت المرأة]

هذا (بابٌ)؛ بالتنوين؛ يذكر فيه ما يكون من الحكم (إذا احتلمت المرأة)؛ أي: الاحتلام من الحلم، وهو عبارة عما يراه النائم في نومه من الأشياء يقال: حَلَم؛ بالفتح، إذا رأى وتحلم إذا ادعى الرؤيا كاذبًا، وجه المناسبة بين البابين من حيث إن المذكور في كل منهما حكم الاغتسال من الجنابة.

فإن قلت: حلم الرجل إذا احتلم مثل حلم المرأة، فما وجه تقييد هذا الباب بالمرأة وتخصيصه بها؟

قلت: الجواب عنه بوجهين:

أحدهما: أن صورة السؤال كانت في المرأة، فقيَّد الباب بها؛ لموافقة صورة السؤال.

والثاني: فيه الإشارة إلى الرد على من منع منه في حق المرأة دون الرجل، فنبه على أن حكم المرأة كحكم الرجل في هذا الباب، ألا ترى كيف قال صلَّى الله عليه وسلَّم في جواب أم سُليم: المرأة ترى ذلك أعليها الغسل؟ [قال] «نعم؛ إنَّما النساء شقائق الرجال»، رواه أبو داود؛ والمعنى: أن النساء نظائر الرجال وأمثالهم في الأخلاق والطباع، كأنهن شققن منهم، وحواء عليها السلام خلقت من آدم عليه السلام، والشقائق جمع شقيقة؛ ومنه: شقيق الرجل، وهو أخوه لأبيه وأمه، ويجمع على أشقَّاء أيضًا بتشديد القاف، ونسب منع هذا الحكم في المرأة إلى إبراهيم النخعي على ما روى ابن أبي شيبة في «مصنفه» عنه ذلك بإسناد جيد، فكأن النووي لم يقف على هذا، فاستبعد صحته عنه، كذا قرره إمام الشارحين صاحب «عمدة القاري»؛ فافهم.

[حديث: نعم إذا رأت الماء]

٢٨٢ - وبالسَّند إلى المؤلف قال: (حدثنا عبد الله بن يوسف) هو التنيسي (قال: أخبرنا مالك)؛ هو ابن أنس الأصبحي، (عن هِشام) بكسر الهاء (بن عُروة)؛ بضمِّ العين المهملة، (عن أبيه) : هو عروة بن الزبير بن العوام، (عن زينب بنت أبي سَلَمَة)؛ بفتح السين المهملة، وفتح اللام، والميم، واسمه عبد الله بن عبد الأسد المخزومي أحد السابقين أخو النبيِّ الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم من الرضاعة، وذكر المؤلف هذا الحديث في باب (الحياء في العلم)، وفيه زينب بنت أم سَلَمَة فنُسِبت زينب هناك إلى أمها وهنا إلى أبيها، فزينب هي أخت سَلَمَة، فكنى كل واحد من أم زينب وأبيها بسَلَمَة، فلذلك تنسب زينب تارة إلى أبيها ببنت أبي سَلَمَة، وتارة إلى أمها ببنت أم سَلَمَة والمعنى واحد، كذا قاله صاحب «عمدة القاري»، (عن أم سَلَمَة) وهي هند بنت أبي أمية، واسمه: حذيفة، وقيل: سهل بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم، وهي أم المؤمنين زوج النبيِّ الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم، وكانت قبله عند أبي سَلَمَة المذكور (أنها قالت) أي: أم سَلَمَة: (جاءت أم سُلَيم)؛ بضمِّ السين المهملة، وفتح اللام؛ مصغرًا، واختلف في اسمها، فقيل: سهلة، وقيل: رميلة، وقيل: رميسة، وقيل: مليكة، وقيل: الغميصاء، والأول هو المشهور، وقيل: الرميصاء، وأنكره أبو داود، وقال: الرميصاء أختها، وعند ابن سعد: (أنيفة)، وأنكره ابن حبان، وأم سليم هي بنت ملحان الخزرجية النجارية والدة أنس بن مالك، كانت فاضلة دينة، أسلمت مع السابقين من الأنصار، وكان عليه السلام يزورها فتتحفه بشيء تصنعه له ولأصحابه في كل جمعة رضي الله عنها، (امرأة أبي طلحة) بدل من (أم سُليم)، أو عطف بيان، أو خبر لمبتدأ محذوف، واسمه زيد بن سهل بن الأسود بن حرام الأنصاري النقيب كبير القدر، بدري مشهور رضي الله تعالى عنه (إلى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم) لأجل لأنَّ تسأله.

قال في «عمدة القاري» : (وهذا الحديث أخرجه الستة، واتفق الشيخان على إخراجه من طرق عن هشام بن عروة، عن أم سَلَمَة، ورواه أبو داود عن الزُّهري، قال: قال عروة عن عائشة: (أن أم سُليم...)؛ الحديث، وأخرجه مسلم من طريق الزُّهري عن عائشة، وكذلك رواه أبو عقيل، والزبيدي، ويونس، وابن أخي الزُّهري، وابن أبي الوزير، عن مالك، عن الزُّهري، ووافق الزُّهري مسافع الحجبي، قال: عن عروة، عن عائشة، وأما هشام بن عروة؛ فقال عن عروة، عن زينب بنت أبي سَلَمَة، عن أم سَلَمَة: أن أم سُليم).

قال القاضي عياض عن أهل الحديث: (إنَّ الصحيح أن القصة وقعت لأم سَلَمَة لا لعائشة)، ونقل ابن عبد البر عن الذهلي (١) أنه صحح الروايتين.

قال صاحب «عمدة القاري» : (قلت: قول عياض يرجح رواية هشام بن عروة، وقول أبي داود عن مسافع يرجح رواية الزُّهري).

وقال النووي: (يحتمل أن تكون عائشة وأم سَلَمَة جميعًا أنكرتا على أم سُليم) انتهى.

قلت: وأخرج مسلم عن أنس قال: (جاءت أم سُليم إلى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فقالت له وعائشة عنده...)؛ فذكر نحوه، وروى أحمد عن أم سُليم وكانت مجاورة لأم سَلَمَة، فقالت أم سُليم: (يا رسول الله؛ ...)؛ الحديث، وفيه: أن أم سَلَمَة هي التي راجعتها، وهذا يقوي رواية هشام،


(١) في الأصل: (الذهبي)، ولعل المثبت هو الصواب.

<<  <   >  >>