للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

[حديث: لتلبسها صاحبتها من جلبابها]

٣٥١ - وبالسند إلى المؤلف قال: (حدثنا موسى بن إسماعيل) : هو التبوذكي المنقري البصري ((قال: حدثنا يزيد بن إبراهيم) : هو أبو سعيد التستري البصري، المتوفى سنة إحدى وستين ومئة، (عن محمد) : هو ابن سيرين البصري، (عن أم عطية) : واختلف في اسمها؛ فقيل: نَُسِيبة؛ بضم النون وفتحها، وكسر السين المهملة، وقيل: نُشَيبة؛ بضم النون، وفتح الشين المعجمة، وقيل: لُسَينة؛ بضم اللام، وفتح السين المهملة، وتحتية ساكنة، ونون مفتوحة، واختلف أيضًا في اسم أبيها؛ فقيل: الحارث، وقيل: كعب (قالت: أُمِرنا)؛ بضم الهمزة، وكسر الميم، مبني لما لم يسم فاعله، ولا ريب أن الآمر هو النبيُّ الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم، يدل عليه ما في «مسلم» من طريق هشام، عن حفصة، عن أم عطية قالت: (أمرنا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم)، وما تقدم عند المؤلف في (باب شهود الحائض العيدين)، وفيه: (أن حفصة سألت أم عطية: أسمعت النبيَّ الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم؟ قالت أم عطية: سمعته يقول...)؛ الحديث، وهو خبر متضمن للأمر كما سبق (أن نُخرِج)؛ بضم النون، وكسر الراء (الحُيَّض)؛ بضم الحاء المهملة، وتشديد المثناة التحتية، جمع حائض (يوم العيدين) بالتثنية، وفي رواية المستملي والكشميهني: (يوم العيد)؛ بالإفراد، (و) أن نخرج (ذوات) أي: أصحاب (الخُدور)؛ بضم الخاء المعجمة، والدال المهملة، جمع خِدْر؛ بكسر الخاء المعجمة، وسكون الدال المهملة: وهو ستر يكون في ناحية البيت تقعد البكر وراءه، وفي «المخصص» : (الخدر: ثوب يمد في عرض الخباء، فتكون فيه الجارية البكر)، والجمع خدور وأخدار، وأخادير جمع الجمع، وقد تخدرت الجارية واختدرت: تسترت؛ والمعنى: أمرنا أن نخرج الأبكار الشابات صواحبات الستور، (فيشهدن) أي: يحضرن كلهن (جماعة المسلمين) بالنصب؛ أي: صلاة العيدين، ومجالس الخير؛ كمجلس الوعظ ونحوه، (ودعوتهم)؛ أي: دعوة المسلمين؛ نحو: صلاة الخسوف، والكسوف، والاستسقاء، والجنازة، وغيرها، فإن اللفظ عام يشمل ذلك وغيره، خلافًا لمن زعم أنه قاصر على الاستسقاء، وهو وهم كما لا يخفى، (ويعتزل)؛ أي: ويبعد (الحُيَّض)؛ بضم الحاء المهملة، وتشديد التحتية، جمع حائض؛ أي: منهن (عن مصلاهن)؛ أي: عن مصلى النساء اللاتي لسن بحُيَّض، وفي رواية المستملي: (عن مصلاهم)؛ بالتذكير على التغليب، وفي رواية الكشميهني: (عن المُصلَّى)؛ بالإفراد، وهو بضم الميم، وفتح اللام: موضع الصلاة تحرزًا، وتنزيهًا، وصيانةً عن وقوع شيء منهن في المصلى فيتنجس، وعن مخالطة الرجال من غير حاجة ولا صلاة، بل وعن المخالطة مطلقًا ولو لحاجة؛ لفساد الزمان، وإنما لم يحرم دخولهن، وكذا الجنب؛ لأنَّه ليس بمسجد من كل وجه، كما لا يخفى.

(قالت امرأة) : هذه المرأة هي أم عطية، وكنَّت به عن نفسها، قاله إمام الشَّارحين، وفي رواية: (قلت) (يا رسول الله؛ إحدانا) : مبتدأ؛ أي: بعضنا، وخبره قوله: (ليس لها جِلْباب)؛ بكسر الجيم، وسكون اللام، وبموحدتين بينهما ألف: وهو خمار واسع؛ كالملحفة تغطي به المرأة رأسها وصدرها، وقيل: هو الإزار، وقيل: هو الملاءة التي تشتمل بها، وقيل: هو القميص؛ والمعنى: كيف تشهد ولا جلباب لها؟ وكان ذلك بعد نزول آية الحجاب، (قال)؛ أي: النبيُّ الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم لها (لتلبسْها) بجزم السين المهملة، وقوله: (صاحبتها)؛ بالرفع فاعله؛ أي: من أطلق عليها صاحبة (من جلبابها)؛ أي: بأن تعيرها من ثيابها ما لا تحتاج إليه، وقيل: تشركها معها في لبس الثوب الذي عليها، وهذا مبني على أن يكون الثوب واسعًا حتى يسع فيه اثنان، وفيه نظر.

قال إمام الشَّارحين: (ووجه مطابقة الحديث للترجمة في قوله عليه السَّلام: «لتلبسها من جلبابها»؛ لأنَّه عليه السَّلام أكد الأمر باللبس حتى بالعارية للخروج إلى صلاة العيد، فإذا كان للخروج إلى العيد هكذا؛ فلأجل صلاة الفرض يكون بالطريق الأولى) انتهى.

قلت: وإذا وجب ستر العورة للنساء؛ فللرجال كذلك؛ لأنَّهم أولى لظهور التهم، وهل ستر العورة فرض مطلقًا في الصلاة وخارجها؟ نعم؛ هو فرض مطلقًا إلا لضرورة؛ نحو إزالة شعر العانة، ومريض يحقنه أجنبي، أو يجسها طبيب، أو غير ذلك كما هو مقرر في الفروع، وهذا مذهب الأئمة الحنفية وتبعهم الشافعي، فقال: ستر العورة مطلقًا واجب، والله تعالى أعلم.

(وقال عبد الله بن رجاء)؛ بالجيم، والمد: هو الغُدَاني؛ بضم الغين المعجمة، وتخفيف الدال المهملة، وبعد الألف نون، نسبة إلى غدانة؛ وهو أشرس بن يربوع بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن (١) تميم، هكذا وقع في أكثر الروايات بدون النسبة، ولكن المراد به: الغداني، وقد وهم من زعم أنه عبد الله بن رجاء المكي، قاله إمام الشَّارحين، قيل: وفي رواية الأصيلي: (حدثنا عبد الله بن رجاء)، وفي رواية ابن عساكر: (قال محمد)؛ أي: المؤلف، وقال عبد الله بن رجاء: (حدثنا عِمران)؛ بكسر العين المهملة: هو القطان (قال: حدثنا محمد بن سيرين) : هو البصري المشهور (قال: حدثتنا أم عطية) : هي نسيبة، أو نشيبة، أو لسينة بنت الحارث، أو كعب قالت: (سمعت النبيَّ) الأعظم (صلَّى الله عليه وسلَّم بهذا)؛ أي: بالحديث السابق، قال إمام الشَّارحين: وهذا التعليق وصله الطبراني في «الكبير» : حدثنا علي بن عبد العزيز، عن عبد الله بن رجاء؛ فذكره، وفائدته تصريح محمد بن سيرين بتحديث أم عطية له، وبطل بهذا زعم بعضهم: من أن محمدبن (٢) سيرين إنَّما سمعه من أخته حفصة، عن أم عطية؛ لأنَّه تقدم قبل روايته له عن حفصة أخته عنها، ولهذا قال الداودي: (الصحيح رواية ابن سيرين عن أم عطية) انتهى.

(٣) [باب عقد الإزار على القفا في الصلاة]

هذا (باب) في بيان حكم (عقد) المصلي (الإزار على القفا)؛ أي: إزاره على قفاه، والحال أنه داخل (في الصلاة) : و (القفا) مقصور: مؤخر العنق، وهو


(١) في الأصل: (بني)، ولعل المثبت هو الصواب.
(٢) في الأصل: (محمدًا ابن)، ولعل المثبت هو الصواب.

<<  <   >  >>