للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

(فقال له) ولفظة (له) ليست بموجودة في رواية الأَصيلي (رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم) مخاطبًا لابن عمر إن كان حاضرًا، ويحتمل أنَّ الخِطَاب لعمر جوابًا لاستفتائه وهو في الحقيقة لابنه.

فإن قلت: ظاهر عبارة المؤلف يدل على أن الضمير في (أنه) و (له) يرجع إلى عمر؟

قلت: الظاهر كذا رواية النسائي أن الضمير لعبد الله، فكأنه حضر إلى رسول الله عليه السلام بعد أن ذكر عمر ذلك؛ فلهذا خاطبه وإن لم يكن حضر؛ فالخطاب لعمر؛ لأنَّه جواب استفتائه، ولكنه يرجع إلى ابنه عبد الله؛ لأنَّ الاستفتاء من عمر؛ لأجل عبد الله، كما دل عليه ما رواه النسائي، كذا قرره في «عمدة القاري».

(توضأ)؛ أي: وضوءك للصلاة كما دلت عليه الروايات السابقة، (واغسل ذكرك)؛ معناه: اجمع بينهما؛ لأنَّ (الواو) لا تدل على الترتيب، كما هو الأصل؛ لأنَّه من المعلوم أن يقدم غسل الذكر على الوضوء، وفي رواية أبي نوح عن مالك: «اغسل ذكرك، ثم توضأ»، وهو على الأصل، وفيه رد على من حمل الرواية الأولى على ظاهرها، وأجاز تقديم الوضوء على غسل الذكر؛ لأنَّه ليس بوضوء ينقضه الحدث، وإنما هو للتعبد، كذا قاله في «عمدة القاري»، (ثم نم)؛ أي: ما تيسر لك من الليل، وفيه: من أنواع البديع تجنيس التصحيف، وقوله: (توضأ) أدل على الوجوب، وقد قدمنا أن الإمام الأعظم وأصحابه والجمهور على أن المراد بالوضوء: الشرعي وأنه للندب والاستحباب، واختلفوا في الحكمة فيه.

فقال في «عمدة القاري» : قيل: فيه تخفيف الحدث، لا سيما على القول بجواز تفريق الغسل؛ فيرتفع الحدث عن تلك الأعضاء وإن لم ينو، ويدل عليه ما رواه ابن أبي شيبة بسند رجاله ثقات عن شداد بن أوس الصحابي قال: (إذا أجنب أحدكم من الليل، ثم أراد أن ينام؛ فليتوضأ، فإنه نصف غسل الجنابة)، وقيل: لأنَّه إحدى الطهارتين، فعلى هذا؛ يقوم التيمم مقامه، وقد روى البيهقي بإسناد حسن عن عائشة رضي الله عنها: (أنه صلَّى الله عليه وسلَّم كان إذا أجنب فأراد أن ينام توضأ، أو تيمم)، قال في «عمدة القاري» : (الظاهر: أن التيمم هذا كان عند عدم الماء، وقيل: لينشط إلى العود، أو إلى الغُسل).

وقال ابن الجوزي: (الحكمة فيه: أن الملائكة تبعد عن الوسخ والريح الكريهة، بخلاف الشياطين، فإنها تقرب من ذلك) انتهى.

وقيل: ليبيت على إحدى الطهارتين؛ خشية الموت في المنام.

وقال في «منهل الطلاب» : (وليس على الحائض والنفساء الوضوء عند إرادة النوم؛ لأنَّها لو اغتسلت؛ لم يرتفع حدثها، بل هي مضمخة بالنجاسة؛ فلا يطلب منها، فإذا انقطع دمها لتمام عادتها؛ فقد وجب عليها الغسل؛ فلا فائدة في الوضوء هنا إلا إذا أرادت الاغتسال، فيندب لها الوضوء قبله) انتهى وبه قال الشافعي.

وفي «المنية» : (إذا أراد الجنب الأكل والشرب؛ ينبغي له أن يغسل يديه وفاه، ثم يأكل أو يشرب؛ لأنَّه يورث الفقر) انتهى؛ أي: لأنَّ الأكل والشرب بدون ما ذكر سبب للفقر، كذا في «الحلية»، وفي «الفتاوى الخانية» : (المستحب له ذلك، وإن ترك؛ لا بأس به) انتهى.

لكن في «منهل الطلاب» : (أن تركه مكروه)، ونص أئمتنا وصرح به في «الدر المختار» وغيره أنه يكره النوم قبل الوضوء، ولا خلاف عندنا أن هذا الوضوء ليس بواجب، وهذا بخلاف الحائض إذا أرادت الأكل؛ لأنَّ سؤرها لا يصير مستعملًا ما لم تُخَاطب بالاغتسال ذكره في «شرح المنية»، وفي «الخانية» : واختلفوا في الحائض قيل: كالجنب، وقيل: لا يستحب لها؛ لأنَّ الغسل لا يزيل نجاسة الحيض عن الفم واليدين، وتمامه في «الحلية»، قال في «منهل الطلاب» : (والنفساء كالحائض، وينبغي لهما، ويستحب غسل اليدين للأكل بلا خلاف؛ لأنَّه يستحب للطاهر؛ فهما أولى، ولهذا قال في «الخلاصة» إذا أرادت أن تأكل؛ تغسل يديها، وفي المضمضة خلاف) انتهى.

وينبغي أرجحية القول باستحبابها أيضًا، كما لا يخفى.

وفي «جامع الفتاوى» وغيرها: (وللحائض والجنب زيارة القبور، وقراءة الدعوات، وإجابة المؤذن، ونحوها) انتهى؛ أي: من تسبيح وتهليل، ودخول مصلى عيد، وجنازة، كما صرح غير واحد من أئمتنا الأعلام، وقدمنا عن ابن عمر أن المراد بالوضوء: اللغوي، فإذا أراد الأكل؛ يندب لهم هذا الوضوء وهو ظاهر رواية مسلم السابقة، وقال مالك: له أن يأكل قبل أن يتوضأ إلا أن يكون في يديه قذر؛ فيغسلهما وهل ينتقض وضوء الجنب بالحدث الأصغر؟

فعندنا: لا ينتقض؛ لأنَّه للتعبد، وليس بوضوء ينقضه الحدث، هذا مذهب الإمام الأعظم وأصحابه، وبه قال الإمام مالك، وقال اللخمي من أصحاب مالك: ينتقض، ولم يتعرض العجلوني لمذهب إمامه هنا: ما الحكم فيه مع شدة تعصبه لمذهب إمامه، وبيانه ولعله خفي عليه الحكم وهو ظاهر؛ فافهم، والله تعالى أعلم.

(٢٨) [باب إذا التقى الختانان]

هذا (بابٌ)؛ بالتنوين في بيان حكم ما (إذا التقى) أي: اجتمع (الختانان)؛ يعني: ختان الرجل وختان المرأة، فـ (إذا) شرطية وجوابها محذوف؛ أي: فقد وجب الغسل، ويحتمل أن تكون (إذا) لمجرد الظرفية؛ فلا جواب لها، والـ (باب) مضاف إليها على تقدير مضافين؛ أي: بيان حكم الغسل وقت التقاء الختانين، والأول الأظهر، كما لا يخفى.

وزعم ابن حجر أن المراد بهذه التثنية ختان الرجل وخفاض المرأة، وإنما ثنيا بلفظ واحد؛ تغليبًا له.

قال في «عمدة القاري» : (وذكر هذا هكذا بناء على عادة العرب؛ فإنهم يختنون النساء، قال صلَّى الله عليه وسلَّم: «الختان للرجال سنة، وللنساء مكرمة»، رواه الإمام الخصاف في «أدب القاضي» عن شداد بن أوس رضي الله عنه).

قلت: وعلى هذا؛ فلا تغليب، كما زعمه هذا القائل؛ فليحفظ، ثم الختان: قطع الجلدة؛ وهي ما دون حزة الحشفة وهي الكمرة، وكذا الختن، والخفاض: قطع جلدة في أعلى الفرج تشبه عرف الديك بينها وبين مدخل الذكر جلدة رقيقة، وكذلك الخفض؛ لأنَّ مدخل الذكر هو مخرج المني والولد والحيض، وفوق مدخل الذكر مخرج البول؛ كإحليل الرجل وبينهما جلدة رقيقة يقطع منها في الختان، والمراد بالتقائهما: اجتماعهما ومحاذاتهما، وهو عبارة عن إيلاج الحشفة كلها في قُبل أو دُبر، والمراد بالحشفة: ما فوق الختان، كما في «القاموس».

واختلفوا في الموجب للغسل، فقال في «النهاية» : (هذه المعاني موجبة للجنابة لا للغسل على المذهب الصحيح؛ لأنَّها تنقض الغسل، فكيف توجبه؟ لأنَّ الناقض للشيء لا يكون مثبتًا له).

واعترضه في «غاية البيان» : (بأن المراد أن الغسل يجب بهذه المعاني على طريق البدل، وإنما يتوجه ما اعترض به إذا كانت هذه المعاني موجبة لوجود الغسل لا لوجوبه، واعترض أيضًا بأنها تنقض ما كان، وتوجب ما سيكون، فلا منافاة).

وأجاب في «المستصفى» : (بأن هذه المعاني شروط في الوجوب لا أسباب، فأضيف الوجوب إلى الشرط مجازًا؛ لأنَّ السبب يتعلق به الوجود والوجوب، والشرط يضاف إليه الوجود، فشارك الشرط السبب في الوجود) انتهى.

وقال العلامة سعدي أفندي: (الجمهور: على أن هذه المعاني شروط لا أسباب؛ لمنافاتها الطهارة، فجعلها موجبات تسامح) انتهى.

واختار شيخ الإسلام في «المبسوط» : (أن سبب وجوب الغسل إرادة ما لا يحل فعله بسبب الجنابة من صلاة، وقراءة قرآن عند عامة المشايخ).

واعترضه في «غاية البيان» : (بأن الغسل يجب إذا وجد أحد هذه المعاني، سواء وجدت الإرادة أو لم توجد).

ورده في «العناية» قال:

<<  <   >  >>