للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

منهما؛ لأنَّه يغطى به الرأس، وترسل أطرافه على الظهر أو الصدر) انتهى.

[حديث: لا يلبس القميص ولا السراويل ولا البرنس ولا ثوبًا..]

٣٦٦ - وبالسند إليه قال: (حدثنا عاصم بن علي) : هو ابن عاصم، أبو الحسين الواسطي، المتوفى سنة إحدى وعشرين ومئتين بواسط (قال: حدثنا ابن أبي ذِئْب)؛ بكسر الذال، وبالهمزة الساكنة، نسبه لجده؛ لشهرته به، وإلا؛ فاسمه محمد بن عبد الرحمن بن أبي ذئب المدني، (عن الزهري) : هو محمد بن مسلم ابن شهاب، (عن سالم) : هو ابن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهم، (عن) أبيه عبد الله (ابن عمر) بن الخطاب رضي الله عنهما (قال: سأل رجل) : لم يعلم اسمه، كما في «عمدة القاري» (رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم) وهو في مسجده (فقال)؛ بالفاء التفسيرية؛ إذ هو نفس (سأل)، وللأصيلي: (قال) : (ما يلبس المحرم؟) : وكلمة (ما) يجوز أن تكون استفهامية، أو نكرة موصوفة أو موصولة، ومحلها نصب مفعول ثان لـ (سأل)، و (يَلبَس)؛ بفتح التحتية والموحدة، مضارع لبِس؛ بكسر الموحدة، و (المحرم) : هو إمَّا محرم بالحج أو بالعمرة، وأصله: الداخل في الحرمة؛ لأنَّه يحرم عليه به ما كان حلالًا له قبله من صيد ونحوه، (فقال) عليه السَّلام للسائل: (لا يلبس) : من اللُبس؛ بضم اللام من باب (علم يعلم)، وإمَّا من اللَبس؛ بفتح اللام من باب (ضرب يضرب)، يقال: لبست عليه الأمر: إذا خلطت عليه، ومنه التباس الأمر، وهو اشتباهه، وروي: (يلبسُْ)؛ بالرفع وبالجزم، فالرفع على أن (لا) نافية، والجزم على أنها ناهية، فتضم السين على الأول، وتكسر على الثاني؛ أي: المحرم (القَميصَ)؛ بالنصب على المفعولية، بفتح القاف، وهو معروف، يتخذ من القطن أو الصوف، جمعه قمص، وأقمصة، وقمصان، وهو مذكر، وقد يؤنث، زاد في رواية باب (من أجاب السائل) : (ولا العِمامة)؛ بكسر العين: وهي تيجان العرب، (ولا السراويل) : أعجمية عربت، وجاءت (١) على لفظ الجمع، وهي واحدة تذكر وتؤنث، ولم يعرف الأصمعي إلا التأنيث، ويجمع على السراويلات، وقد يقال: هو جمع، ومفرده سراولة، وهو غير منصرف على الأكثر، وقال سيبويه: سراويل: واحدة أعجمية، فأعربت، فأشبهت في كلامهم ما لا ينصرف في معرفة ولا نكرة، فهي مصروفة في النكرة، وإن سميت به رجلًا؛ لم تصرفها، ومن النحاة من لا يصرفه أيضًا في النكرة، ويزعم أنه جمع سراول والسراوين؛ بالنون لغة، والشراويل؛ بالشين المعجمة لغة أيضًا، أفاده إمام الشَّارحين.

(ولا البُرْنُس)؛ بضم الموحدة والنون، بينهما راء ساكنة: هو ثوب معروف رأسه منه ملتزق فيه، وقيل: هو قلنسوة طويلة، وكان النساك يلبسونها في صدر الإسلام، وهو من البِرس؛ بكسر الموحدة: وهو القطن، والنون زائدة، وقيل: هو غير عربي، وكل ما جب فيه موضع لإخراج الرأس منه؛ فهو جبة، وكل ما خيط أو نسج في طرفه ليستمسك على اللابس؛ فهو برنس؛ كالقفاز ونحوه، كذا في «عمدة القاري».

(ولا ثوبًا)؛ بالنصب عطفًا على قوله: (القميص)، وروي بالرفع على تقدير فعل ما لم يسم فاعله؛ أي: ولا يُلبَس ثوب (مسه زَعْفَران)؛ بالتنكير رواية الأكثرين، وفي رواية: (الزعفران)؛ بالتعريف، وهو بفتح الزاي والفاء، بينهما عين مهملة ساكنة؛ وهو نبت معروف يصبغ به، يقال: إن الكركم عروقه، وإذا كان في مكان لا يدخله سام أبرص، والجملة من الفعل والفاعل والمفعول محلها نصب أو رفع صفة لـ (ثوب) (ولا وَرْس)؛ بفتح الواو، وسكون الراء، آخره سين مهملة: نبت أصفر يكون باليمن تصبغ به الثياب، ويتخذ منه الغمرة للوجه؛ مثل حب السمسم، فإذا جف عند إدراكه؛ يفتق، فيفيض منه الورس، وإنما عدل عن طريقة أخواته؛ فقال: (ولا ثوبًا مسه زعفران؛ لأنَّ الطيب حرام على الرجل والمرأة)، فأراد التعميم في الحكم للمحرم والمحرمة بخلاف الثياب المذكورة، فإنها حرام على الرجال دون النساء، كذا في «عمدة القاري».

(فمن لم يجد النَّعْلين)؛ تثنية نَعْل؛ بفتح النون، وسكون العين المهملة: وهو الحِذاء؛ بكسر الحاء المهملة، والمد، وجمعه نعال، وكل ما وقيت به القدم من الأرض؛ فهو نعل؛ (فليلبس) بكسر اللام الأولى وسكونها (الخفين)؛ تثنية خف، معروف، وهذا جواب الشرط، فلذا دخلته الفاء، (وليقطعهما)؛ بكسر اللام وسكونها؛ عطفًا على (فليلبس)؛ أي: يقطع الخفين، والواو فيه معناها: الشركة والجمع مطلقًا من غير دلالة على تقديم أو تأخير أو مصاحبة، كما نص عليه سيبويه إمام الصنعة، وله شواهد كثيرة في كلام الله تعالى ورسوله صلَّى الله عليه وسلَّم (حتى) : للغاية؛ أي: إلى أن (يكونا) : بصورة التثنية، وفي رواية الحموي والمستملي: (حتى يكون)؛ بالإفراد على تقدير كل واحد منهما (تحت الكعبين) والجملة خبر (يكونا) المنصوب بحذف النون، وهو تثنية كعب، والمراد به: المفصل الذي في وسط القدم عند معقد الشراك، لا العظم الناتئ عند مفصل الساق، فإنه في الوضوء.

وقوله: (فليلبس) (وليقطعهما) صيغة أمر منه عليه [الصَّلاة و] السَّلام، وهو دليل الوجوب، فقطع الخف عند عدم وجود النعل واجب للأمر المذكور، فإن لم يقطعه؛ فعليه الفدية؛ للأمر المذكور، فهو حجة على من زعم أنه إذا لم يجد النعل؛ لا يجب قطع الخف، فإنه القول بالرأي بعينه، ومنازعة السنة به، وحجة على من زعم أنه يجوز لبس الخف بدون قطع؛ لأنَّه إضاعة، وما هذا إلا ورع مظلم؛ لأنَّ هذا القطع ليس بإضاعة؛ لأنَّه أمر من الشَّارع، وهو لم يأمر بالإضاعة، كما لا يخفى، ونبه بالقميص والسراويل على كل ما يعم العورة من المخيط، وبالبرانس على كل ما يغطى به الرأس مخيطًا أو غيره، وبالخفاف على ما يستر الرجل، وأن لباس ذلك جائز للرجال في غير الإحرام، وإنما كان لهم؛ لأنَّ النساء مأمورات بستر رؤوسهن، وبالورس والزعفران على ما سواهما من أنواع الطيب، وهو حرام على الرجل والمرأة، والخصوص للرجال من حيث إن الألفاظ كلها للمذكورين، والعموم من الأدلة الخارجة عن هذا الحديث، ويدل عليه رواية: (ولا ثوب)؛ بالرفع، وحكمة تحريم اللباس على المحرم: التذلل والخضوع، وفي الطيب ترك زينة الدنيا، وزاد في رواية ابن عمر في هذا الحديث: (ولا ثوبًا مسه الورس والزعفران إلا أن يكون غسيلًا)، فيجوز لبس الثوب الذي مسه الزعفران أو الورس إذا كان غسيلًا لا ينفض، وقد أخرج هذه الزيادة الحافظ أبو جعفر الطحاوي رضي الله عنه. ومطابقة هذا الحديث للترجمة من حيث إن الصلاة تصح بدون القميص والسراويل وغيرهما من المخيط؛ لأنَّ المحرم مأمور بترك ذلك، وهو مأمور بالصلاة، وهذا الحديث أخرجه المؤلف في آخر كتاب (العلم) في باب (من أجاب السائل بأكثر مما سأله)، وفي (اللباس)، وفي (الحج) أيضًا، وسيجيء البحث فيه إن شاء الله تعالى في كتاب (الحج) مستوفًى إن شاء الله تعالى.

(وعن نافع) : مولى ابن عمر رضي الله عنهما، (عن ابن عمر) : هو عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما، (عن النبيِّ) الأعظم (صلَّى الله عليه وسلَّم مثله)؛ أي: مثل حديث سالم بن عبد الله بن عمر المذكور، وهذا إسناد آخر؛ لأنَّه معطوف على قوله: (عن سالم)، فهو متصل


(١) في الأصل: (جاء)، ولعله تحريف

<<  <   >  >>