للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

أو لأنَّه وقت حاجة والصدقة كانت يومئذٍ أفضل وجوه البر، (فجعلت) من أفعال المقاربة؛ مثل كاد، وقوله: (المرأة)؛ بالرفع: اسمها، وقوله: (تلقي) خبرها بغير (أن) متأوَّل باسم الفاعل (القُرْط)؛ بالنصب مفعول (تلقي) من الإلقاء؛ بضم القاف، وإسكان الراء، آخره مهملة: ما يعلق بشحمة الأذن (والخاتمَ)؛ بالنصب عطفًا على المفعول (وبلال) مبتدأ (يأخذ في طرف) وفي رواية: (أطراف) (ثوبه) خبره، والجملة حالية، والمفعول محذوف؛ أي: ما يلقينه؛ ليصرفه عليه السلام مصارفه؛ لأنَّه يحرم عليه الصدقة.

(وقال إسماعيل) وفي رواية: (قال أبو عبد الله -أي: المؤلف-: وقال إسماعيل) هو ابن عليَّة، (عن أيوب) السختياني، (عن عطاء)؛ أي: ابن أبي رباح، (وقال: عن ابن عباس) وفي رواية: (قال ابن عباس) : (أشهد على النبيِّ) الأعظم (صلى الله عليه وسلم) فجزم بأن لفظ (أشهد) من كلام ابن عباس فقط، وهذا من تعاليقه؛ لأنَّه لم يدرك إسماعيل ابن علية؛ لأنَّه مات في عام ولادة المؤلف سنة أربع وتسعين ومئة، ووصله المؤلف في (الزكاة)، وفيه: دليل على أن الصدقة تنجي من النار، وجواز الصدقة من المرأة من مالها بغير إذن زوجها، ولا يتوقف ذلك على ثلث مالها، وهو مذهب إمامنا الإمام الأعظم، وقال مالك: لا يجوز الزيادة على الثلث إلَّا برضا الزوج، وتمامه في «عمدة القاري».

(٣٣) [باب الحرص على الحديث]

هذا (باب الحرص على) تحصيل (الحديث) النبوي.

[حديث: لقد ظننت يا أبا هريرة أن لا يسألني عن هذا الحديث أحد]

٩٩ - وبه قال: (حدثنا عبد العزيز بن عبد الله) بن يحيى بن عمرو القرشي العامري الأويسي المديني (قال: حدثني) بالإفراد (سليمان) بن بلال أبو محمد التيمي القرشي المدني، (عن عَمرو بن أبي عَمرو)؛ بفتح العين فيهما، ميسرة مولى المطلب المخزومي القرشي المدني، المتوفى في خلافة المنصور سنة ست وثلاثين ومئة، (عن سعيد بن أبي سعيد المقبَُري)؛ بضم الموحدة وفتحها، (عن أبي هريرة) عبد الرحمن بن صخر رضي الله عنه: (أنه)؛ بفتح الهمزة (قال) جملة محلها الرفع خبر (أن) : (قيل: يا رسول الله) كذا في رواية أبي ذر وكريمة، وليس في رواية الباقين لفظة (قيل)، وإنما هو: (أنه قال يا رسول الله) قال عياض: و (قيل) : وهم، والصواب سقوطها كما عند الأصيلي والقابسي؛ لأنَّ السائل هو أبو هريرة نفسه، واعتمده الشيخ الإمام بدر الدين العيني وأيَّده بما عند المؤلف في (الرقاق) : (أنه قال: قلت: يا رسول الله)، فهذا يدل على أن لفظة (قلت) تصحفت بـ (قيل)، وفي رواية: (أنه سأل)، وفي أخرى: (أن أبا هريرة قال: يا رسول الله) : (من أسعد الناس بشفاعتك يوم القيامة؟) بنصب (يوم) على الظرفية، و (من) استفهامية مبتدأ، وما بعده خبره؛ أي: الذين يدخلون الجنة بغير حساب أو برفع الدرجات فيها، فالاشتراك إنَّما هو في مطلق السعادة بالشفاعة، وأن أسعدهم بها المؤمن المخلص، فالتفضيل بحسب المراتب، (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لقد) (اللام) فيه جواب قسم محذوف؛ أي: والله، والأولى أن تكون لام التأكيد (ظننتُ يا أبا هريرة أن لا يسألَُني)؛ بضم اللام وفتحها على حد قوله: {وَحَسِبُوا أَلَّاتَكُونَ} [المائدة: ٧١]؛ بالرفع والنصب لوقوع (أن) بعد الظن (عن هذا الحديث أحدٌ)؛ بالرفع فاعل (يسألني) (أولُ منك)؛ برفع (أولُ) على أنه صفة لـ (أحد) أو بدل منه، وبالنصب على الظرفية، وقال القاضي: على المفعول الثاني لـ (ظننت)، قال في «المصابيح» : ولا وجه له، وقال الشيخ أبو البقاء: على الحال؛ أي: لا يسألني أحد سابقًا لك، ولا يضر كونه نكرة؛ لأنَّها في سياق النفي فتكون عامة، وتمامه في «عمدة القاري»؛ (لِما رأيت)؛ بكسر اللام؛ أي: الذي رأيته (من حرصكَ)؛ بفتح الكاف (على الحديث) متعلق بالحرص، و (ما) موصولة، والعائد محذوف، و (من) بيانية؛ أي: للذي رأيته من حرصك، أو تكون (ما) مصدرية، و (من) تبعيضية ويكون مفعول (رأيت)؛ أي: لرؤيتي بعض حرصك (أسعد الناس) التقييد به لا ينفي السعادة عن الجن والملك؛ لأنَّ مفهوم اللقب ليس بحجة عند الجمهور (بشفاعتي يوم القيامة) مبتدأ مضاف، والجار والمجرور متعلق بـ (أسعد)، و (يوم) منصوب على الظرف، وقوله: (من قال) محله رفع خبر المبتدأ، و (من) موصولة؛ أي: الذي قال: (لا إله إلا الله)؛ أي: مع محمد رسول الله، فالمراد: الكلمة بتمامها، والإيمان: التصديق القلبي على الأصح، وقول الكلمة لإجراء الأحكام عليه، فلو صدق بالقلب ولم يقل الكلمة؛ يكون سعيدًا بشفاعته إذا لم يكن مع التصديق مناف، فالمعتبر في الشرع: القول اللساني، والمعتبر عند الله: القول النفساني (خالصًا) وفي رواية: (مخلصًا) من الإخلاص: وهو في الإيمان ترك الشرك، وفي الطاعة ترك الرياء (من قلبه أو نفسه) الشك من أبي هريرة قاله الكرماني، وقال الشيخ الإمام بدر الدين العيني: التعيين غير لازم؛ لأنَّه يحتمل أن يكون من أحد الرواة ممن هم دونه؛ فليحفظ.

فإن قلت: الإخلاص محلُّه القلب فما فائدة قوله: (من قلبه)؟ أجيب: بأنَّه ذكر؛ للتأكيد، وفي الحديث: دليل على أن الشفاعة مختصة بأهل الإخلاص، وورد أنَّها لأهل الكبائر، فالمراد: أنها أقسام؛ لأنَّها تكون للإراحة من هول الموقف وإدخال قوم الجنة بغير حساب، وفي قوم استوجبوا النار، فيشفع بهم، فلا يدخلوها، وفي قوم دخلوا النار، فيشفع بهم، فيخرجون منها، وتكون لزيادة الدرجات في الجنة، ومذهب أهل السنة: جواز الشفاعة ووجوبها بصريح الآيات والأخبار المتواترة لمذنبي (١) المؤمنين، وأنكرها المعتزلة والخوارج؛ لقوله تعالى: {فَمَا تَنفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ} [المدثر: ٤٨]، قلنا: هي واردة في الكفار، وأما الشفاعة في زيادة الدرجات في الجنة؛ فأثبتها المعتزلة وسيأتي تمامه، والله تعالى أعلم.

(٣٤) [باب كيف يقبض العلم]

هذا (بابٌ) بالتنوين، وتركه مضافًا لقوله: (كيف يقبض العلم؟!) أخرج مخرج التعجب، والقبض نقيض البسط، والمراد منه: الرفع؛ أي: كيفية رفع العلم، و (كيف) استفهامية وهو الغالب فيها، وتكون شرطًا فتقتضي فعلين.

(وكتب) زاد في رواية: (قال -أي: المؤلف-: وكتب) (عمر بن عبد العزيز) أحد الخلفاء الراشدين (إلى) نائبه في الإمرة والقضاء على المدينة (أبي بكر) بن محمد بن عمرو (ابن حَزْم)؛ بفتح المهملة وإسكان الزاي، الأنصاري المدني، المتوفى سنة اثنتين ومئة، في خلافة هشام بن عبد الملك، عن أربع وثمانين سنة، ونسبه المؤلف لجده؛ لشهرته به، ولجدِّه عمرو صحبة، ولأبيه محمد رؤية: (انظر ما كان)؛ أي: اجمع الذي تجده، وفي رواية: (انظر ما كان عندك)؛ أي: في بلدك، فـ (كان) على الأولى تامة، وعلى الثانية ناقصة، و (عندك) : الخبر (من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فاكتبه، فإنِّي خفت دُروس)؛ بضم الدال (العلم)؛ أي: تركه، (وذهاب العلماء) بالموت، وفيه: إشارة إلى أن تدوين الحديث النبوي ابتدأ في أيام عمر بن عبد العزيز، وكانوا قبل ذلك يعتمدون على الحفظ، فلما خاف عمر -وكان على رأس المئة الأولى- ذهاب العلم بموت العلماء؛ رأى أن في تدوينه ضبطًا له وإبقاء، فأمر بذلك، (ولا يُقبلْ)؛ بضم التحتية وإسكان اللام، وفي رواية: بالرفع على أنَّ (لا) نافية، وفي أخرى: بمثناة فوقية على الخطاب مع الجزم (إلا حديث النبيِّ) الأعظم (صلى الله عليه وسلم)؛ أي: بعد القرآن العظيم، (وليُفشوا)؛ بضم التحتية على صيغة الأمر، من الإفشاء؛ وهو الإشاعة، ويجوز تسكين اللام كما في روايةٍ (العلمَ)؛ بالنصب مفعوله، (وليَجلسوا)؛ بفتح التحتية، من الجلوس لا من الإجلاس، مع سكون اللام وكسرها معًا فيهما، وفي رواية: (واجلسوا)؛ بصيغة الأمر، وفي أخرى: (ولتفشوا ولتجلسوا)؛ بالمثناة الفوقية فيهما (حتى يُعلَّم)؛ بضم التحتية وتشديد اللام على صيغة المجهول من التعليم، وفي رواية: (حتى يَعلَم)؛ بفتح التحتية واللام، من العلم (من لا يَعلم)؛ بصيغة المعلوم من العلم، و (من) : موصولة محلها رفع فاعله، وبصيغة المجهول من التعليم، فتكون (من) : مفعولًا ناب عن الفاعل؛ (فإنَّ العلم لا يَهلِك)؛ بفتح أوله وكسر اللام؛ أي: لا يضيع، وفتح اللام لغة (حتى يكون سرًّا)؛ أي: خفية، وأراد به كتمان العلم، ووقع هذا التعليق موصولًا عقبه هنا، ولفظه: (حدثنا)، وفي رواية: (قال أبو عبد الله)؛ أي: المؤلف: (حدثنا العلاء بن عبد الجبار) : أبو الحسن البصري العطار الأنصاري، المتوفى سنة اثنتي عشرة ومئتين (قال: حدثنا عبد العزيز بن مسلم القسملي)، المتوفى سنة سبع وستين ومئة (٢)، (عن عبد الله بن دينار) : القرشي المدني، مولى ابن عمر رضي الله عنهما (بذلك)؛ يعني: حديث عمر بن عبد العزيز إلى قوله: (ذهاب العلماء).

قال الشيخ الإمام بدر الدين العيني: يحتمل أن يكون من كلام عمر، ولكنه لم يدخل في هذه الرواية، ويحتمل


(١) في الأصل: (لمذنبين)، وليس بصحيح.
(٢) في الأصل: (ومئتين)، وليس بصحيح.

<<  <   >  >>