للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

مئة إلى ألف تأكيدًا للكثرة ومبالغة فيها، ويَحتمل أن يكون ذلك في الزمان الذي لا يبقى فيه مَن يقول: الله الله، فيتزوَّج الرجلُ الواحدُ بغير عدد جهلًا بالحكم الشرعي.

قلت: لا يلزم ذلك أن يكون في ذلك (١) الزمان؛ لأنَّ ذاك هو زمان يوم القيامة، وكلامُنا في علاماتها، فالظاهرُ أن يكون ذلك بكثرة الشيعة والروافض وغيرهم من الفِرَق الضَّالَّة، ومِن عقائدهم: أنَّهم لا ينكحون؛ بل يتمتَّعون، فيأخذ الخنزير الواحد منهم هذا العدد بحكم المتعة، ويظنُّون أنفسَهم أنَّهم على الحقِّ جهلًا، وزيفًا، وخروجًا عن السُّنَّة المطهَّرة؛ فتأمَّل.

وإنَّما قال: (القَيِّم) بالتعريف؛ إشعارًا بما هو المعهود من كون الرجال قوَّامين (٢) على النساء، وإنَّما كان اختلال هذه الأمور من علاماتها؛ لأنَّ الخلائق لا يُتركون سُدى، ولا نبي بعد هذا الزمان، فيتعيَّن خراب العالم وهو قرب القيامة.

(٢٢) [باب فضل العلمِ]

هذا (باب فضل العلم) لا يقال: تقدم هذا الباب بعينه في أول (كتاب العلم) فذِكره هنا تَكرار؛ لأنَّا نقول: الذي قدَّمه هناك في بيان فضل العلماء، وهنا على فضل العلم، وما قيل: إنَّ المراد هنا الزيادة، ممنوع، كما نبَّه عليه وردَّه في «عمدة القاري»؛ فليحفظ.

[حديث: بينا أنا نائم أتيت بقدح لبن]

٨٢ - وبه قال: (حدثنا سعيد بن عُفَير)؛ بضم العين المهملة، وفتح الفاء، وإسكان المثناة التحتية، آخره راء، (قال: حدثني) بالإفراد، وفي رواية بالجمع، (الليث) بن سعد الحنفي، من أتباع إمامنا الإمام الأعظم التابعي الجليل المعظم، (قال: حدثني) بالإفراد، (عُقَيل)؛ بضم العين المهملة، وفتح القاف، وسكون المثناة التحتيَّة: ابن خالد الأَيْلي؛ بفتح الهمزة وسكون التحتية، (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري، (عن حمزة)؛ بالمهملة والزاي، (ابن عبد الله)؛ بالتكبير، (بن عمر) بن الخطاب، المكنى بأبي عُمارة؛ بضم العين المهملة، القرشي العدوي المدني التابعي، (أنَّ ابن عمر) رضي الله عنهما، (قال: سمعت رسول الله)؛ أي: كلامَه، (صلى الله عليه وسلم) حالَ كونه (قال)، وفي رواية: (يقول)، (بينا) أصله: (بين)، فأشبعت الفتحة فصارت ألفًا، وقد تدخل عليها (ما)، فيقال: (بينما)، وهنا بغير ميم.

(أنا) مبتدأ، وقوله: (نائم) خبرُه، (أُتيت)؛ بضم الهمزة على صيغة المجهول، وهو جواب (بينا) وعامل فيه، (بقَدَح)؛ بفتحتين: وعاءٌ يشرب فيه، (لبنٍ) متعلِّقٌ بـ (أُتيت)، (فشربت)؛ أي: من اللبن، (حتى إنِّي)؛ بكسر الهمزة على كون (حتى) ابتدائيَّة، وبفتحها على كونها جارَّة، وياء المتكلِّم اسم (إنَّ)، وخبرُها قوله: (لَأَرى)؛ بفتح الهمزة من الرؤية.

(الرِّيّ)؛ بكسر الراء المهملة، وتشديد المثناة التحتية، كذا في الرواية، وحكى الجوهري الفتح أيضًا، وقيل: بالكسر الفعل، وبالفتح المصدر، كما أوضحه في «عمدة القاري»، وأصله: الروي اجتمعت الواو مع الياء وسُبقت إحداهما بالسكون فقلبت الواو ياء وأدغمت الياء في الياء.

(يخرج في أظفاري) وفي رواية: (من أظفاري)، وفي أخرى: (من أطرافي)، والجارُّ والمجرور محلُّه نصب مفعول ثان لـ (أرى)، إن قدرت الرؤية بمعنى العلم، أو حال إن قدرت بمعنى الإبصار، ولفظ (في) [في] المتن يجوز أن تكون بمعنى (على)؛ أي: على أظفاري، ويكون بمعنى يظهر عليها، و (الظفر) إمَّا منشأ الخروج أو ظرفه.

(ثم أَعطيت)؛ بفتح الهمزة، (فضلي)؛ أي: الفضل الذي بقي بعد شُربي من اللبن، (عمرَ بن الخطاب) رضي الله عنه، بالنصب مفعول ثان لـ (أَعطيت)، (قالوا)؛ أي: الصحابة، (فما أوَّلتَه) (الفاء) زائدة؛ أي: عبَّرتَه، (يا رسول الله) منادى منصوب، (قال) : أوَّلتُه، (العلم)؛ بالنصب والرفع روايتان، أمَّا النصب؛ فعلى المفعولية تقديره: أوَّلتُه العلم، وأمَّا الرفع؛ فعلى أنَّه خبر لمبتدأ محذوف؛ أي: المؤوَّل به العلم.

والمراد بـ (اللبن) هو الحليب في عرفنا، ووجه تفسيره بالعلم؛ الاشتراك في كثرة النفع بهما وكونهما سببًا للصلاح، ذاك في الأشباح، والآخر في الأرواح، وهل كان هذا الشرب وما يتعلَّق به واقعًا حقيقة؟

أجاب الشيخ الإمام بدر الدين العيني: بأنَّه واقع حقيقة ولا محذور فيه إذ هو ممكن، ورؤيا الأنبياء حق، وفيه فضيلة عمر رضي الله عنه وجواز تعبير الرؤيا؛ لأنَّها جزء من أجزاء النبوَّة، والله أعلم.

(٢٣) [باب الفتيا وهو واقف على الدابة وغيرها]

هذا (باب الفتيا)؛ بضم الفاء: اسم، وكذا الفتوى، وهو الجواب في الحادثة، (وهو)؛ أي: المفتي، (واقف)؛ أي: راكب، (على ظهر الدابَّة)؛ وهي كلُّ ما دَبَّ على وجه الأرض، والمراد بها ما تُركب عادة، ولفظ (ظهر) ساقط في رواية.

(وغيرها)؛ أي: غير الدابة من الوقوف على الأرض أو ماشيًا عليها، وفي رواية: (أو غيرها)، وهذا وجه المناسبة بين الترجمة والحديث خلافًا لما زعمه بعضهم؛ فافهم.

[حديث: أن رسول الله وقف في حجة الوداع بمنى للناس يسألونه]

٨٣ - وبه قال: (حدثنا إسماعيل) بن أبي أويس ابن أخت مالك، (قال: حدثني) بالإفراد، (مالك) بن أنس الإمام، (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري، (عن عيسى بن طلحة بن عُبيد الله)؛ بالتصغير؛ بضم العين: القرشي التيمي التابعي، المتوفى سنة مئة.

(عن عبد الله بن عمرو بن العاصي) الجمهورُ على كتابته بالمثناة آخره، وهو الفصيح، والأعياص جمع عِيص؛ بكسر العين المهملة: الشجر الكثير الملتفُّ، والأعياص مِن قريش أولاد أُميَّة بن عبد شمس الأكبر؛ وهم أربعة: العاصي، وأبو العاصي، والعيص، وأبو العيص، والعيصان من معادن بلاد العرب.

(أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف) جملةٌ محلُّها الرفع خبر (أنَّ)، (في حِجة)؛ بكسر الحاء المهملة وفتحها، والمعروف من الرواية الفتح، (الوَداع)؛ بفتح الواو، اسم: التوديع، ولا يجوز الكسر، خلافًا لما زعمه بعضهم، (بمنى) في محلِّ نصب على الحال، وهي قرية قرب مكة، يُذبح فيها الهدايا، وتُرمى فيها الجمرات، وهو مقصور بالصرف وعدمه، والأول أحسن كما تقدم.

(للناس) حال كونهم، (يسألونه) عليه السلام، فهو حال من ضمير وقف، ويَحتمل أن يكون من الناس؛ أي: وقف لهم حال كونهم سائلين منه، ويجوز أن يكون استئنافًا بيانيًا لعِلَّة الوقوف، كذا قرَّره في «عمدة القاري».

(فجاءه رجل) قيل: لم يُعرف اسمه، وفي رواية: (فجاء رجل)، (فقال) : يا رسول الله، (لم أشعُر)؛ بضم العين؛ أي: لم أعلم؛ أي: لم أفطنه، (فحلقت) رأسي، و (الفاء) سببية، (قبل أن أذبح)؛ أي: الهدي، (فقال) رسول الله عليه السلام، (اذبح) هديك، (ولا حرج)؛ أي: ولا إثم عليك.

(فجاء آخر)؛ أي: رجل غير الأول، (فقال) : يا رسول الله، (لم أشعُر)؛ بضم العين؛ أي: لم أفطن، (فنحرت) هديي، من النحر في اللبة، مثل الذبح في الحلق، والفاء سببية أيضًا، كأنَّه جعل الحلق والنحر كلًّا منهما سببًا عن عدم شعوره، وكأنَّه يعتذر لتقصيره، (قبل أن أرمي) الجمرة، (أنْ) مصدريَّة: أي: قبل الرمي. (قال) عليه السلام، وفي رواية: (فقال) : (ارمِ) الجمرة، (ولا حرج)، فـ (لا) لنفي الجنس، و (حرج) اسمُها مبنيٌّ على الفتح، وخبرُها محذوف تقديرُه: لا حرج عليك.

(فما سُئل)؛ بصيغة المجهول، (النبيُّ) الأعظم (صلى الله عليه وسلم عن شيء) من أعمال يوم العيد؛ من الرمي، والنحر، والحلق، والطواف، (قُدِّمَ ولا أُخِّر)؛ بضم أوَّلهما على صيغة المجهول، وفي الأول حذف؛ أي: لا قُدِّم ولا أُخِّر؛ لأنَّها لا تكون في الماضي إلَّا مكررة على الفصيح، وحسُن ذلك هنا؛ لأنَّه وقع في سياق النفي، وتمامه في «عمدة القاري».

(إلَّا قال) عليه السلام للسائل: (افعل) ذلك كما فعلتَه قبلُ أو متى شئت، (ولا حرج) عليك، ولا إثم عليكم فيما فعلتموه من هذا؛ لأنَّكم فعلتموه على الجهل منكم لا على القصد منكم خلاف السُّنَّة، وكانت السُّنَّة خلاف هذا، وأسقط عنهم الحرج وأعذرهم؛ لأجل النسيان وعدم العلم، والدليل عليه قول السائل: (فلم أشعر).

وجاء ذلك مصرَّحًا في حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه، أخرجه الحافظ الطحاوي بإسناد صحيح: أنَّ رسول الله عليه السلام سأله رجل في حجته فقال: إنِّي رميت وأفضت ونسيت فلم أحلق، قال: «فاحلق ولا حرج»، ثم جاء رجل آخر فقال: إنِّي رميت وحلقت ونسيت أن أنحر، فقال: «انحر ولا حرج»، فدلَّ ذلك أنَّ الحرج الذي رفعه الله عنهم إنَّما كان لأجل النسيان والجهل بأمر المناسك؛ لأنَّ السائلين كانوا ناسًا أعرابًا لا عِلم لهم بالمناسك، فأجابهم عليه السلام بقوله: «لا حرج»؛ يعني: فيما فعلتم بالنسيان وبالجهل، فإنَّه أباح لهم ذلك فيما بعدُ.

وممَّا يؤيِّد هذا قولُ حبْر الأُمَّة ابن عباس رضي الله عنهما: مَن قدَّم شيئًا من حجه أو أخَّره؛ فليُهرق لذلك دمًا، والحال أنَّه أحد رواة الحديث المذكور، فلو لم يكن معنى الحديث عنده على ما ذكرنا؛ لما قال بخلافه، والدليل على هذا ما رواه أبو سعيد الخدري كما أخرجه الحافظ الطحاوي، قال: سُئل رسول الله عليه السلام وهو بين الجمرتين عن رجل حلق قبل أن يرميَ، قال: «لا حرج»،


(١) في الأصل (تلك).
(٢) في الأصل (قوامون).

<<  <   >  >>