للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

بل رواه بمعناه؛ إذ المفهوم من المتابعة الإتيان بمثله على وجهه بلا تفاوت، والرواية أعم من ذلك، وإمَّا لأنَّه يكون موهمًا بأنه تابع عثمان أيضًا، وليس كذلك؛ إذ لا واسطة بين الأوزاعي والزُّهري، وإمَّا للتفنن في الكلام أو لغير ذلك) انتهى، فهذا كما رأيت أجاب الكرماني عنه بثلاثة أجوبة وكلها جياد، والجواب الذي استحسنه هذا القائل من الكرماني أيضًا، ولكن قصده الغمز فيه حيث يأخذ منه، ثم ينسبه إلى الظن مع علمه بأن الذي اختاره بمعزل عن هذا الفن، انتهى كلام «عمدة القاري».

وزاد في الطنبور نغمة العجلوني على ابن حجر، فزعم أنه ليس في كلام ابن حجر ما يشير إلى أنه أراد الكرماني، فيحتمل أنه أشار إلى غيره، ولئن سلَّمنا أنه أراده؛ فالاعتراض عليه من حيث إنه أبداه احتمالًا وهو يفيد الظن، وإلا لم يحتج إلى الاعتذار عنه) انتهى.

قلت: وهذا بعيد؛ لأنَّ قوله: (ليس في كلام ابن حجر...) إلخ ممنوع؛ لأنَّ عبارة ابن حجر عين كلام الكرماني، وكثيرًا ما يطلق ابن حجر لفظ (بعضهم)، ويريد به: الكرماني، وهذا واضح، كما لا يخفى، والمثبت مقدم على النافي.

وقوله: (لئن سلمنا) هذا من باب التنزل.

وقوله: (فالاعتراض...) إلخ ممنوع؛ لأنَّه وإن كان ذكره احتمالًا وهو يفيد الظن، إلا أنه لم ينسبه إليه وقصد الغمز عليه في الأول، وهو يحتاج إلى الاعتذار عنه، وعلى كلٍّ؛ فالكرماني ذكر (١) الأجوبة الثلاثة، فكان على ابن حجر أن يذكرها، ويستحسن منها لا أنَّه يذكر أحدها، ويستحسن الثاني ويغمز في الأول؛ لأنَّ هذا دأب النقالين لا العلماء الشارحين؛ فافهم، والله أعلم.

(١٨) [باب نفض اليدين من الغُسل عن الجنابة]

هذا (باب) حكم (نفض اليدين من) ماء (الغُسل)؛ بضمِّ الغين المعجمة (من الجنابة) كذا في رواية أبي ذر وكريمة، وعند الباقين: (من غسل الجنابة)، وكلمة (من) الأولى متعلقة بالنفض، والثانية بالغُسل، كما في «عمدة القاري»، وللكشميهني، وابن عساكر، والأَصيلي: (عن غسل الجنابة)؛ وتقدير حكم أولى وأحق من تقدير جواز؛ لأنَّ المؤلف من عادته إطلاق التراجم ويحيل الحكم على الحديث، والحكم يشمل الجواز وعدمه، ووجه عدم الجواز: أنه طرح لأثر العبادة، فهو أقوى من الجواز، على أن استنباط الأحكام إنَّما تؤخذ من الحديث لا من الترجمة؛ فافهم، وقد خفي هذا على العجلوني فقال ما قال.

[حديث ميمونة: وضعت للنبي صلى الله عليه وسلم غسلًا]

٢٧٦ - وبالسَّند إلى المؤلف قال: (حدثنا عبدان)؛ هو لقب عبد الله العتكي (قال: حدثنا) وفي رواية: (أخبرنا) (أبو حَمزَة)؛ بفتح الحاء المهملة، والزاي؛ هو محمَّد بن ميمون السكري المروزي، ولم يكن يبيع السكر، وإنما سمي به؛ لحلاوة كلامه، وقيل: لأنَّه كان يحمل السكر في كمه لا أنه يبيعه، وقال ابن مصعب: (كان مجاب الدعوة)، قيل: إنه كان له جار إذا أراد أن يبيع داره، فقيل له: بكم؟ قال: بألفين ثمن الدار، وألفين جوار أبي حمزة السكري، فبلغ ذلك أبا حمزة، فوجه إليه أربعة آلاف، وقال: خذ هذه ولا تبع دارك، مات سنة ثمان وستين ومئة (قال: سمعت الأعمش)؛ هو سليمان بن مهران، (عن سَالم)؛ بفتح السين المهملة؛ هو ابن أبي الجعد، قيل: إنَّه ثبت في رواية ابن عساكر، (عن كُريب)؛ بضمِّ الكاف مصغرًا، مولى ابن عباس، (عن ابن عباس) عبد الله رضي الله عنهما (قال: قالت) خالتي (مَيمُونة)؛ بفتح الميم الأولى، وضم الثانية، بنت الحارث أم المؤمنين رضي الله عنها: (وضعت للنبيِّ) الأعظم (صلَّى الله عليه وسلَّم) وفي الروايات السابقة: (وضع لرسول الله)، وفي أخرى: (وضع للنبيِّ عليه السلام) (غُسلًا)؛ بضمِّ الغين المعجمة؛ أي: ماء لأجل أن يغتسل به من الجنابة في إناء، (فسترته بثوب)؛ أي: الإناء خوفًا من أن يقع فيه ما يفسده، فالضمير راجع للماء الموضوع في الإناء، كما لا يخفى؛ لقربه، وتقدم في باب (من أفرغ بيمينه على شماله في الغسل) بقية الكلام عليه؛ فافهم.

(وصب على يديه)؛ بالتثنية من الإناء، و (الواو) هنا كـ (الفاء) في الرواية السابقة عطف على محذوف؛ تقديره: فكشف عليه السلام رأس الإناء، فأخذ الماء وصبه عليهما، (فغسلهما) وفي الرواية السابقة زيادة: (مرتين أو ثلاثًا) بالشك من ميمونة، وفي أخرى: (مرة أو مرتين) كذلك؛ أي: إلى الرسغين، (ثم صب)؛ أي: الماء من الإناء (بيمينه على شماله فغسل فرجه)؛ أي: القبل والدبر وما حولهما، وفي الرواية السابقة: (مذاكيره)، (فضرب) بالفاء (بيده)؛ بالإفراد؛ أي: التي استنجى بها (الأرض) زاد في الرواية السابقة: (أو الحائط) على الشك، (فمسحها)؛ أي: يده (بها)؛ أي: بالأرض، وذلك لما يعلق بها من أثر المني وغيره، (ثم غسلها)؛ أي: اليد بالماء، وسقط لفظ (بها) في غالب النسخ، (فمضمض)؛ بالفاء، وفي رواية: (ثم تمضمض)، وفي أخرى: (وتمضمض) (واستنشق)؛ لأنَّهما من تمام غسل البدن، (وغسل وجهه)؛ أي: ولحيته ظاهرها وأصولها، (و) غسل (ذراعيه)؛ أي: مع مرفقيه، (ثم صب على رأسه)؛ أي: الماء فغسله مع أصول شعره وظاهره، (وأفاض) من الإفاضة؛ وهي الإسالة؛ أي: أسال الماء على جسده كله بادئًا بمنكبه الأيمن، ثم على الأيسر ثلاثًا ثلاثًا، كما قدمنا، (ثم تنحى)؛ أي: تباعد عن مكانه الذي اغتسل فيه إلى مكان آخر، (وغسل قدميه)؛ تحرُّزًا عن الماء المستعمل، وليكون البدء والختم في الغسل بأعضاء الوضوء؛ لشرفها، (فناولتُه)؛ بتاء المتكلم: هو من قول ميمونة لا عائشة، كما توهمه الأَصيلي؛ لأنَّ الشراح اتفقوا على تخطئته، وقدمنا الكلام عليه هناك؛ فافهم.

(ثوبًا)؛ أي: لينشف به جسده الشريف من أثر ماء الاغتسال، (فلم يأخذه)؛ أي: الثوب؛ لما رأى فيه من الوسخ أو غيره مما تعافه النفس، وفي الرواية السابقة: (لم يردها)، ففيه: دليل على أن قوله: (لم يُرِدْها) من الإرادة لا من الرد، كما توهمه بعضهم، (فانطلق)؛ أي: ذهب يمشي عليه السلام (وهو ينفض يديه)؛ بالتثنية؛ أي: من ماء الاغتسال، والجملة من المبتدأ والخبر وقعت حالًا.

قال إمام الشارحين في «عمدة القاري» : (مطابقة الحديث للترجمة ظاهرة، فإن قلت: ما فائدة هذه الترجمة من حيث الفقه؟ قلت: للإشارة بها إلى ألَّا يتخيل أن مثل هذا الفعل إطراح لأثر العبادة، ونفض له، فبين أن هذا جائز، ونبه أيضًا على رد قول من زعم أن تركه للثوب قبلُ إيثارُ إبقاء آثار العبادة عليه، وليس كذلك، وإنما كان تركه؛ خوفًا من الدخول في أحوال المترفهين المتكبرين) انتهى؛ يعني: ولو كان لما ذكره؛ لما نفض يديه، فموضع الترجمة ينافي هذا التعليل؛ فافهم.

وقال المهلب: (ويمكن أن يكون عليه السلام ترك المنديل؛ إبقاء بركة بلل الماء والتواضع بذلك لله عز وجل، أو لشيء رآه في المنديل من حرير، أو وسخ، أو لاستعجال كان به).

وقال ابن بطال: (واختلفوا في المسح بالمنديل بعد الطهارة في الكراهة وعدمها، وكره ابن عباس أن يمسح به من الوضوء، ولم يكرهه من الجنابة) انتهى.

وقدمنا أنه غير مكروه مطلقًا، وينبغي أن يبقى أثر الماء على أعضائه؛ بحيث لا يبالغ في التمسح، ويمكن أن يقال: إنَّما ترك عليه السلام التمسح بالمنديل؛ لأجل البرد؛ لأنَّ الحر حر الحجاز، ولخصوصية الماء البارد في أنه يشد الأعضاء، ويقوِّي على الجماع وغيره؛ فافهم.

وقال صاحب «عمدة القاري» : واعلم: أنَّ البخاري قد ذكر هذا الحديث قبل هذا في ستة مواضع، وهذا هو السابع، وسيذكره مرة أخرى، فالجملة ثمانية كلها في كتاب (الغُسل) وساقها، وقال: وهذا كله حديث واحد، ولكنه رواه عن شيوخ متعددة بألفاظ مختلفة، وترجم لكل طريق ترجمة، وتمامه فيه، والله تعالى أعلم.

(١٩) [باب من بدأ بشق رأسه الأيمن في الغسل]

هذا (باب) بيان (من بَدَأَ)؛ بالموحدة، والدال المهملة، والهمزة آخره المفتوحات من الباب الذي مصدره البدء، لا من الباب الذي مصدره الابتداء، كما فسره العجلوني؛ لأنَّه لا حاجة إلى تفسير (فعل) بـ (افتعل)، كما لا يخفى على من له ذوق في معاني التصريف (بشِقِّ)؛ بكسر الشين المعجمة، وتشديد القاف، بمعنى الجانب (رأسه الأيمن) صفة لـ (شق) (في الغُسل)؛ بضمِّ الغين المعجمة؛ أي: من الجنابة؛ لفضيلة التيامن خصوصًا في العبادة، ويطلق الشق بمعنى: النصف؛ ومنه حديث: «تصدقوا ولو بشق تمرة»؛ أي: نصفها.

[حديث: كنا إذا أصابت إحدانا جنابة أخذت بيديها ثلاثًا فوق رأسها]

٢٧٧ - وبالسَّند إلى المؤلف قال: (حدثنا خَلَّاد)؛ بفتح الخاء المعجمة، وتشديد اللام، آخره دال مهملة (بن يحيى)؛ هو ابن صفوان الكوفي أبو محمَّد السلمي، سكن مكة، مات سنة


(١) في الأصل: (ذكره)، ولعل المثبت هو الصواب.

<<  <   >  >>