من جهة اللغة؛ لأنَّ الدم هو النفس، ولزم الحكم لما لم ينص عليه مما نص، وحكم النفاس ترك الصَّلاة ما دام دمها موجودًا).
وقال الخطابي:(ترجم أبو عبد الله بقوله: «من سمى النفاس حيضًا» والذي ظنه في ذلك وهم، وأصل هذه الكلمة: مأخوذ من النفس وهو: الدم إلا أنهم فرقوا فقالوا: نَفست بفتح النون؛ إذا حاضت، وبضمِّ النون؛ إذا ولدت).
وقال الكرماني:(ليس الذي ظنه وهمًا؛ لأنَّه إذا ثبت هذا الفرق والرواية التي بالضم صحيحة؛ صح أن يقال حينئذٍ: سمى النفاس حيضًا، وأيضًا يحتمل أن الفرق لم يثبت عنده لغة، بل وضعت نَفست مفتوح النون ومضمومها عنده للنفاس بمعنى: الولادة، كما قال بعضهم بعدم الفرق أيضًا بأن اللفظين للحيض والولادة كليهما).
وقال ابن المنيِّر:(كيف تطابق الترجمة للحديث وفيه تسمية الحيض نفاس لا تسمية النفاس حيضًا؟
قلت: للتنبيه على أن حكم النفاس والحيض في منافاة الصَّلاة ونحوها واحد، وألجأه إلى ذلك أنه لم يجد حديثًا على شرطه في حكم النفاس؛ فاستنبط من هذا الحديث أن حكمها واحد) انتهى.
قال إمام الشارحين صاحب «عمدة القاري» : قلت: هذا الكلام في الحقيقة مضمون كلام ابن بطال، وكلامه يشعر بالمساواة بين مفهومي الحيض والنفاس، وليس كذلك؛ لجواز أن يكون بينهما عموم وخصوص من وجه؛ كالإنسان والحيوان، وقول الكرماني:(يحتمل أن الفرق لم يثبت عنده لغة... إلى آخره) غير سديد؛ لأنَّ هذا لا يقال عن أحد إلا ممن يكون من أئمة اللغة، والبخاري من أئمة الحديث، والصواب الذي يقال ههنا على وجهين؛ أحدهما: أن هذه الترجمة لا فائدة في ذكرها؛ لأنَّه لا ينبني عليها مزيد فائدة، والثاني: لو سلمنا أن لها فائدة؛ فوجهها أن يقال: لما لم يثبت الفرق عنده بين مفهومي الحيض والنفاس؛ يجوز ذكر أحدهما وإطلاق الآخر، ففي الحديث ذكر النفاس، وأريد الحيض؛ فلذلك ذكر المصنف النفاس وأراد الحيض، وعلى هذا معنى قوله:(باب من سمى النفاس حيضًا)؛ يعني: ذكر النفاس وأراد به: الحيض، فكذلك المذكور في الحديث نفاس والمراد به: الحيض، وذلك أنه لما قال عليه السلام:«أنفست؟» أجابته بـ (نعم)، وكانت حائضًا، فقد جعلت النفاس حيضًا، فطابق الحديث ما ترجم به، انتهى كلامه رحمه الله تعالى.
زاد في رواية الكشميهني:(والحيض نفاسًا).
[حديث أم سلمة: بينا أنا مع النبي صلى الله عليه وسلم مضطجعة في خميصة إذ حضت]
٢٩٨ - وبالسَّند إلى المؤلف قال:(حدثنا مكي) وفي رواية: (المكي)(بن إبراهيم) هو ابن بشير التميمي البلخي أبو السكن (قال: حدثنا هشام) هو الدستوائي، (عن يحيى بن أبي كثير) بالمثلثة، (عن أبي سَلَمَة)؛ هو ابن عبد الرحمن بن عوف، وفي رواية مسلم روى عنه بالتحديث قال:(حدثني أبو سَلَمَة) : (أن زينب بنت) وفي رواية: (ابنة)(أم سَلَمَة) الصحابية بنت أم المؤمنين (حدثته) أي: حدثت أبا سَلَمَة: (أن أم سَلَمَة) أم المؤمنين، واسمها هند بنت أبي أمية (حدثتها) أي: حدثت زينب، في السند (أبو سَلَمَة) و (أم سَلَمَة) وليست كنيتان باعتبار شخص واحد، بل سَلَمَة الأول: هو والد عبد الرحمن، وسَلَمَة الثاني: هو ولد بن عبد الأسد، والغرض أن أبا سَلَمَة ليس أباربيب النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم (قالت: بينا)؛ بغير ميم أصله:(بين)، فأشبعت فتحة النون بالألف، و (بينا) و (بينما) ظرفان؛ بمعنى: المفاجأة، ومضافان إلى جملة من فعل وفاعل ومبتدأ وخبر، ويحتاجان إلى جواب يتم به المعنى، والأفصح في جوابهما ألا يكون فيه (إذ) و (إذا)، وههنا جاء الجواب بـ (إذ)، وهو قوله:(إذ حضت) وهو العامل فيه، كذا قرره صاحب «عمدة القاري»(أنا مع النبي) الأعظم (صلَّى الله عليه وسلَّم مضطجعة) أصله: مضتجعة؛ لأنَّه من باب (الافتعال)، فقلبت التاء طاء، ويجوز فيه الرفع والنصب، أما الرفع؛ فعلى الخبرية، وأما النصب؛ فعلى الحال (في خَمِيصة)؛ بفتح الخاء المعجمة، وكسر الميم؛ وهو كساء مربع له علمان، وقيل: الخماص: ثياب من خزتجان سود وحمر، ولها أعلام ثخان أيضًا قاله ابن سيده، وفي «الصحاح» : (كساء أسود مربع وإن لم يكن معلمًا؛ فليس بخميصة)، وقال الأصمعي:(الخمائص: ثياب خز أو صوف معلمة، وهي سود كانت من لباس الناس)، كذا في «الغريبين»، وقال ابن سيده:(والخميصة: القطيفة)، وقال السكري:(الخميل: القطيفة ونحوها مما ينسج، ويفضل له فضول)، وفي