للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

وقوله: إن التحويل كان قبل نزول القتال؛ لا ينافي ذكر القتال؛ لأنَّ القتال كان في جميع الأمم الماضية، وليس المعنى أنهم قُتلوا قصاصًا؛ بل في وقعة من الوقعات، وجُلُّ سؤال زهير عن هذا؛ فتأمل.

(فلم ندر ما نقول فيهم؛ فأنزل الله تعالى) وفي رواية: (عز وجل) : ({وَمَا كَانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} [البقرة: ١٤٣]) بالقبلة المنسوخة أو صلاتكم إليها، وقال الكرماني: يَحتمل أن يكون المؤلف ذكر قول زهير معلقًا، واعترضه ابن حجر بأن المؤلف ساقه في (التفسير) موصولًا مع جملة الحديث، وردَّه الشيخ الإمام بدر الدين العيني بأنَّ صورته صورة تعليق، وأنَّه لا يلزم من سوقه في (التفسير) جملة واحدة أن يكون هذا موصولًا غير معلق، انتهى؛ فليحفظ.

وفي الحديث دليل على صحة نسخ الأحكام؛ وهو مجمع عليه، خلافًا لليهود، ووجوب الصلاة إلى القبلة، والإجماع على أنَّها الكعبة، وعلى شرف النبي الأعظم صلى الله عليه وسلم وكرامتِه على ربه؛ حيث يعطي له ما يحبه من غير سؤال.

(٣١) [باب حسن إسلام المرء]

هذا (باب حسن إسلام المرء) بإضافة (باب) لما بعده، وهو ساقط عند الأصيلي.

[حديث: إذا أسلم العبد فحسُنَ إسلامه]

٤١ - وبه قال: (قال مالك) وفي رواية: (وقال)، وفي أخرى: (قال: وقال مالك) هو ابن أنس: (أخبرني) بالإفراد (زيد بن أسلم) أبو أسامة القرشي المكي، مولى عمر بن الخطاب: (أن عطاء بن يسار)؛ بفتح المثناة تحت والسين المهملة: أبا محمد المدني، مولى أم المؤمنين ميمونة (أخبره أن أبا سعيد) سعد بن مالك (الخدري)؛ بالدال المهملة رضي الله عنه (أخبره: أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم) حال كونه (يقول) بالمضارع حكاية حالٍ ماضية: (إذا أسلم العبد) وكذا الأَمة، وخصَّ الذكر؛ تغليبًا، (فحسن إسلامه) أو إسلامها بالدخول فيه ظاهرًا وباطنًا، أو المراد: المبالغة في الإخلاص لله تعالى بالطاعة والمراقبة؛ (يُكَفِّر)؛ بضم المثناة تحت، وفتح الكاف، مع تشديد الفاء المكسور، : من التكفير؛ وهو التغطية، وهو في المعاصي كالإحباط في الطاعات، وقال الفاضل جار الله الزمخشري: التكفير إماطة المستحق من العقاب بثواب زائد أو بتوبة، انتهى (الله عنه) وعنها، جزاء الشرط؛ أعني: (إذا)، ويجوز فيه الرفع والجزم، وذلك إذا كان فعل الشرط ماضيًا والجواب مضارعًا، وعند الجزم يلتقي الساكنان، فتحرك بالكسر؛ لأنَّه الأصل، ولكن الرواية هنا بالرفع، وفي روايةٍ: (كَفَّر الله) بصيغة الماضي، فوافق فعل الشرط؛ فليحفظ، (كلَّ سيئة) منصوب مفعول (يُكَفِّر) (كان زلَفها) بتخفيف اللام المفتوحة، وفي رواية: بتشديد اللام، وفي أخرى: (أَزْلَفها) بزيادة همزة مفتوحة؛ وهما بمعنًى واحد؛ أي: أسلفها وقدمها، (وكان بعد ذلك)؛ أي: بعد حسن الإسلام (القصاصُ) بالرفع اسم (كان) على أنَّها ناقصة، أو فاعل على أنَّها تامة، وعبر بالماضي؛ لتحقق الوقوع؛ (الحسنةُ) بالرفع مبتدأ، خبره (بعشر)؛ أي: تُكتب أو تُثبت في الصحف أو في الميزان بعشر (أمثالها) حال كونها منتهية (إلى سبع مئة ضِعف)؛ بكسر الضاد: المثل إلى ما زاد، يقال: لك ضعفه؛ يريدون: مثليه وثلاثة أمثاله؛ لأنَّه زيادة غير مخصوصة؛ كذا في «القاموس».

وزعم بعض الشافعية أنَّ التضعيف لا يتجاوز سبع مئة، وأجيب: بأنه أخرج المؤلف في (الرقاق) من حديث ابن عباس: «كتب الله له عشر حسنات إلى سبع مئة ضعف إلى أضعاف كثيرة»، وهو يرد عليه.

وأما قوله تعالى: {وَاللهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ} [البقرة: ٢٦١]؛ فالمراد: أنه يضاعف تلك المضاعفة لمن يشاء؛ بأن يجعلها سبع مئة، أو أنه يضاعف السبع مئة بأن يتجاوزها بأضعاف، لما في «أبي عاصم» عن أبي هريرة أنه قال: (إن الله يعطي بالحسنة ألفي ألف حسنة).

وفي حديث مالك مما أسقطه المؤلف: أن الكافر إذا حَسُن إسلامه، يُكتب له في الإسلام كل حسنة عملها في الشرك، فالله من فضله إذا كتب الحسنات المتقدمة قبل الإسلام؛ فبالأَولى أن يتفضَّل على عبده المسلم بما شاء من غير حساب، وإنما أسقط المؤلف هذه الزيادة؛ لأنَّ القاعدة: أنَّ الكافر لا يُثاب على طاعته في شركه، وردَّه النووي بأن الذي عليه المحققون، بل نقل بعضهم الإجماع: أن الكافر إذا فعل أفعالًا جميلة على جهة القربى؛ كصدقة، وصلة رحم، وإعتاق، ثم أسلم ومات على الإسلام؛ أنَّ ثواب ذلك يُكتب له، والحديث الآتي يدل عليه، فدعوى أنه مخالف للقواعد غير مسلَّمة.

وأما قول الفقهاء: لا تصح عبادةٌ من كافر، ولو أسلم؛ لم يعتدَّ بها؛ فمرادهم: لا يعتد بها في أحكام الدنيا، وليس فيه تعرُّض لثواب الآخرة، فإن أقدم قائل: بأنه إذا أسلم لا يثاب عليها في الآخرة؛ فهو مجازف، فيرَدُّ قوله بهذه السنة الصحيحة.

(والسيئةُ) بالرفع مبتدأ خبره (بمثلها) أي: لا يُزاد عليها (إلَّا أن يتجاوز الله) سبحانه (عنها)؛ أي: عن السيئة فيعفو عنها، وفيه دليل ظاهر لأهل السنة: أنَّ العبد تحت المشيئة إن شاء الله تجاوز عنه وإن شاء أخذه، وهو يردُّ قول القائل: إن ذنوب أهل البيت مغفورة لهم بدون توبة، وفيه ردٌّ على المعتزلة القائلين: أن مرتكب الكبيرة في النار، وقال ابن حجر: أول الحديث يردُّ على من أنكر الزيادة والنقص في الإيمان؛ لأنَّ الحُسن تتفاوت درجاته.

قلت: هذا كلام ساقط؛ لأنَّ الحُسن من أوصاف الإيمان، ولا يلزم من قابلية الوصف الزيادة والنقصان قابلية الذات إياهما؛ لأنَّ الذات من حيث هو هو لا يقبل ذلك؛ كما عرف في موضعه، أفاده الشيخ الإمام بدر الدين العيني قُدِّس سرُّه، قلت: وقدمنا ما يتعلق بذلك أول الكتاب؛ فيراجع.

[حديث: إذا أحسن أحدكم إسلامه]

٤٢ - وبه قال: (حدثنا) بالجمع، وفي رواية: (حدثني) (إسحاق بن منصور) بن أبي بَهرام؛ بفتح الموحدة على المشهور، أبو يعقوب الكَوسج، من أهل مرو، المتوفى سنة إحدى وخمسين ومئتين (قال: حدثنا) وفي رواية: (أخبرنا) (عبد الرزاق) بن همَّام بن نافع اليماني الصنعاني، المتوفى سنة إحدى عشرة ومئتين، وكان شيعيًّا (قال: أخبرنا مَعْمَر)؛ بميمين مفتوحتين: ابن راشد، أبو عروة البصري، وتقدم، (عن همَّام)؛ بتشديد الميم، وفي رواية: (عن همَّام بن مُنَبِّه)؛ بضم الميم، وفتح النون، وتشديد (١) الموحدة، بن كامل أبي عقبة اليماني الذماري الأبناوي (٢)، التابعي، المتوفى بصنعاء سنة إحدى عشرة ومئة، (عن أبي هريرة) رضي الله عنه (قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا أحسن أحدكم إسلامه) باعتقاده، وإخلاصه، وبدخوله فيه بالباطن والظاهر، وفي رواية: (إذا أحسن إسلام أحدكم)، والخطاب فيه بحسب اللفظ، وإن كان للحاضرين من الصحابة؛ لكن الحكم عام؛ لما علم أن حكمه عليه السلام على الواحد حكم على الجماعة إلَّا بدليل منفصل، وكذا حكم تناوله النساء، وكذا فيما إذا قال: إذا أسلم المرء أو العبد؛ فإن المراد منه: الرجال والنساء جميعًا بالاتفاق، بقي كيفية التناول أهي حقيقة شرعية أم عرفية أو مجاز أو غير ذلك؟ أفاده في «عمدة القاري»، قلت: والظاهر الأول، والله أعلم.

(فكلُّ) الفاء في جواب (إذا) (حسنة يعملها) مبتدأ، خبره قوله: (تُكتب له بعشر أمثالها) حال كونها منتهية (إلى سبع مئة ضِعف)؛ بكسر الضاد المعجمة؛ أي: مثل، وأتى هنا بـ (كل)، وفي الحديث السابق بـ (أل)، ولا فرق بينهما في المعنى؛ لأنَّ (أل) هناك للاستغراق، و (كل) أيضًا للاستغراق.

(وكل سيئة يعملها تكتب له بمثلها) زاد مسلم: (حتى يلقى الله)، ولا فرق في إطلاق الحسنة والسيئة بالحديث السابق، والتقييد هنا بقوله: (يعملها)؛ لأنَّ المطلق محمول على المقيد، وزاد هنا لفظ (تُكتب)، وأسقطها في الحديث السابق، فهي مقدرة؛ لأنَّ الجارَّ لا بُدَّ له مِن متعلق؛ وهو (تُكتب) أو نحوها، والباء في (بمثلها) للمقابلة، أفاده في «عمدة القاري».

(٣٢) [بابٌ أحب الدين إلى الله أدومه]

هذا (بابٌ) بالتنوين: (أحبُّ الدين إلى الله) زاد في رواية: (عز وجل) (أدومُه) خبر عن (أحبُّ)، ومحبة الله للدين: إيصال الثواب عليه، و (أحب) و (أدوم) كل منهما (أَفعل) تفضيل من الدوام؛ وهو شمول الأزمنة؛ أي: التأبيد، والمراد: الدوام العرفي؛ وذلك قابل للكثرة والقلة.

[حديث: مه، عليكم بما تطيقون فوالله لا يملُّ الله حتى تملوا]

٤٣ - وبه قال: ([حدثنا] محمد بن المثنَّى)؛ بالمثلثة والنون المفتوحة المشددة: أبو موسى البصري المعروف بالزَّمِن؛ مرَّ، (قال: حدثنا يحيى)؛ هو ابن سعيد القطان الأحول؛ كما مرَّ، (عن هشام) هو ابن عروة (قال: أخبرني) بالإفراد (أبي) عروة بن الزبير بن العوَّام؛ وقد مرَّ، (عن عائشة) أم المؤمنين رضي الله عنها: (أنَّ النبي) الأعظم (صلى الله عليه وسلم دخل عليها) : جملة محلها الرفع خبر (أنَّ)، (و) الحال (عندها امرأة، فقال) بالفاء وفي رواية: بحذفها، فيكون جملة اسمية استئنافية؛ أعني: جواب سؤال مقدر، كأنه يقول: ماذا قال حين دخل؟ قالت: قال: (مَن هذه؟) مبتدأ وخبر؛ أي: المرأة (قالت) أي: عائشة: هي (فلانةُ) خبر لمبتدأ محذوف، غير منصرف للعلمية والتأنيث؛ لأنَّه كناية عن كل علم مؤنث (٣)؛ وهي الحولاء -بالحاء المهملة والمد- بنت تويت؛ بمثناتين مصغرًا، من بني أسد، وكانت صالحة عابدة مهاجرة رضي الله عنها.

(تَذكر)؛ بفتح المثناة الفوقية؛ أي: عائشة، وفي رواية: بالمثناة التحتية المضمومة، مبنيٌّ لما لم يُسمَّ فاعله، وقوله: (من صلاتها) في محل رفع مفعول نائب عن الفاعل، والمعنى: يذكرون أن صلاتها كثيرة، وفي رواية زيادة: (لا تنام بالليل)، وعلى الأول: هي محلها النصب على المفعولية، ولعل عائشة أَمِنت عليها الفتنة فمدحتها في وجهها، لكن في «مسند الحسن بن سفيان» : كانت عندي امرأة، فلما قامت؛ قال عليه السلام: «من هذه يا عائشة؟» قالت: يا رسول الله؛ هذه فلانة، وهي أعبد أهل المدينة، فظاهر هذه الرواية أنَّ مدحها كان في غيبتها بعد أن خرجت


(١) في الأصل: (وسكون)، وليس بصحيح.
(٢) في الأصل: (الأنباري)، ولعل المثبت هو الصواب.
(٣) (كل علم مؤنث) : ضرب عليها في الأصل.

<<  <   >  >>