للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

وأصحابه والجمهور على كراهة استقباله بوجهه، وقال في «الدر المختار» : (وتكره صلاته إلى وجه إنسان ككراهة استقباله، فالاستقبال لو من المصلي؛ فالكراهة عليه، وإلا؛ فعلى المستقبل، ولو كان بعيدًا ولا حائل) انتهى.

وفي «الذخيرة» قال محمَّد: (وإن شاء الإمام استقبل الناس بوجهه إذا لم يكن بحذائه رجل يصلِّي، ولم يفصِّل بين ما إذا كان المصلي في الصف الأول أو الأخير، وهذا ظاهر المذهب) انتهى.

وأجاز الثَّوري والأوزاعي الصلاة خلف المتحدثين، وقال الحسن وقتادة: يستره إذا كان جالسًا، وعن الحسن: يستره، ولم يشترط الجلوس ولا تولية الظَّهر، وتمامه في «عمدة القاري».

[حديث: قد جعلتمونا كلابًا؟! لقد رأيت النبي يصلي وإني لبينه وبين]

٥١١ - وبالسند إلى المؤلف قال: (حدثنا إسماعيل بن خليل) هو أبو عبد الله الخزاز -بمعجمات- الكوفي (قال: حدثنا) ولأبوي ذر والوقت والأصيلي وابن عساكر: (أخبرنا) (علي بن مُسهِر) بِضَمِّ الميم، وسكون المهملة، وكسر الهاء: الكوفي، كلاهما قد ذُكرا في باب (مباشرة الحائض) (عن الأعمش) هو سليمان بن مهران الكوفي، وسمي بذلك؛ لعمش كان في عينيه (عن مسلم) بِضَمِّ الميم، وكسر اللَّام المخففة، كذا لأبي ذر وابن عساكر، وعند غيرهما: (يعني: ابن صُبيح) بالتصغير.

وزعم الكرماني: أنَّه مسلم البطين، وردَّه الشَّارحفقال: (الظَّاهر أنَّه مسلم بن صبيح أبو الضُّحى) انتهى.

قلت: ويدل لما قاله رواية أبي الوقت والأصيلي، فإنَّها صرحت بأنه ابن صبيح؛ فافهم.

(عن مسروق) هو ابن الأجدع الكوفي، وسمي مسروقًا؛ لأنَّه سرقه سارق في صغره (عن عائشة) هي أم المؤمنين الصديقة بنت الصديق الأكبر رضي الله عنهما: (أنَّه) بفتح الهمزة؛ أي: الشأن (ذُكر) بِضَمِّ أوله؛ مبني للمجهول (عندها) أي: ذكر بعض الصَّحابة بحضرة عائشة (ما يقطع الصلاة)؛ أي: المار الذي يقطعها، وكلمة (ما) موصولة، أو نكرة موصوفة، ومحلها رفع نائب الفاعل، والجملة حال أو صفة، (فقالوا) أي: الذاكرون، ولأبي ذر: (قالوا) : (يقطعها) أي: الصلاة (الكلب والحمار والمرأة)؛ أي: مرورها بين يدي المصلي، ولم يذكر إمام الشَّارحين ولا غيره أسماء الذين ذكروا ذلك عندها، والظَّاهر أنهم: أبو هريرة وعروة وأبو ذر، يدل عليه أنَّه روى مسلم من رواية عروة: (قالت عائشة: ما يقطع الصلاة؟ قال: قلت: المرأة والحمار...)؛ الحديث، وفي «مصنف ابن عبد البر» من رواية القاسم قال: (بلغ عائشة أنَّ أبا هريرة يقول: إنَّ المرأة تقطع الصلاة)، وروى مسلم من حديث أبي ذر: (يقطع الصلاة المرأة والحمار والكلب...)؛ الحديث، فهذا يدل على [ما] قلناه؛ فافهم.

(قالت)؛ أي: عائشة، ولأبوي ذر والوقت: (فقالت)؛ أي: عائشة لهم: (قد جعلتمونا كلابًا؟!)؛ أي: كالكلاب في حكم قطع الصلاة بمرورنا بين يدي المصلي، وظاهر كلام السيدة عائشة يفيد أنَّها تقول: بأنَّ الكلب والحمار يقطعان الصلاة، وإنَّما أنكرت عليهم تسويتهم المرأة بهما مع شرفها وخسَّتهما، وهذا الحديث تقدم في باب (الصلاة على السرير) وفيه قالت لهم: (أعدلتمونا بالكلب والحمار؟!)، وهذا من التشبيه البليغ، (لقد رأيت) أي: أبصرت (النَّبي) الأعظم وللأصيلي: (رسول الله) (صلى الله عليه وسلم) وجملة (يصلِّي) : محلها نصب مفعول ثان، والظَّاهر أنها النافلة؛ للقرينة الحالية والمقالية [الدَّالة] على ذلك (وإني لبينه) بكسر الهمزة؛ أي: بين النَّبي الأعظم صلى الله عليه وسلم (وبين القبلة) والجملة محلها نصب على الحال، وقوله: (وأنا مضطجعة) جملة حالية (على السرير) جمعه (١) أسرَّة وسُرُر: بِضَمِّ الرَّاء، وقيل بفتحها؛ وهو التخت المعروف المتخذ في زمان النَّبي الأعظم وأصحابه صلى الله عليه وعليهم وسلم من الخوص، وفي زماننا من الخشب والدف والحديد، كما لا يخفى، (فتكون لي الحاجة)؛ أي: فتعرض لي حاجة الإنسان، ويحتمل الأعم منها، (فأكرَه) بالفاء رواية الكشميهني، وفي رواية الأكثرين: (وأكره) بالواو العاطفة، أوالحالية، كذا ذكر الروايتين هكذا إمام الشَّارحين، وعكس في ذلك العجلوني فجعل الواو رواية الكشميهني، والفاء للأكثرين، وهو غير مصيب؛ فافهم، (أن أستقبله)؛ أي: لا أحب استقباله وهو في الصلاة (فأنسَلُّ انسلالًا) بقطع الهمزة وفتح السين المهملة، وتشديد اللَّام على صيغة المتكلم من المضارع، وهو عطف على قوله (فأكره)؛ أي: أخرج بخفية أو برفق.

(وعن الأعمش) هو سليمان، وهذا معطوف على الإسناد الذي قبله، فهو موصول كما في «عمدة القاري» و «الفتح»، وليس هو معلق كما زعمه الكرماني، (عن إبراهيم) هو النخعي، (عن الأسود) هو ابن يزيد النخعي أيضًا، (عن عائشة) قال الشَّارح: ونبَّه به على أنَّ ابن مسهر قد روى هذا الحديث عن الأعمش بإسنادين إلى عائشة؛ أحدهما: عن مسلم، عن مسروق، عنها باللَّفظ المذكور، والآخر: عن إبراهيم، عن الأسود، عنها بالمعنى، وأشار إليه بقوله: (نحوَه) بالنصب مفعول (أخبرنا).

فإن قلت: لفظ (نحو) يقتضي المماثلة بينهما من كل الوجوه، وليس ههنا كذلك.

قلت: لا نسلم أنَّه كذلك، بل يقتضي لفظ (نحو) المشاركة في أصل المعنى المقصود فقط، وعلى هذا يحمل لفظ: (مثل) الواقع في بعض النُّسخ على لفظ: (نحو)؛ فليحفظ.

واعلم أنَّ مطابقة الحديث للتَّرجمة مختلف فيها، والصَّواب ما ذكره إمام الشَّارحين في «عمدة القاري» : أنَّ عائشة رضي الله عنها كانت مضطجعة على السرير، وكانت بين النَّبي الأعظم صلى الله عليه وسلم، وبين القبلة فيكون استقبال الرجل المرأة في الصلاة، ولم تكن تشغله عليه السَّلام، فدل على عدم الكراهة، ولا يقال: التَّرجمة في استقبال الرجل الرجل، وفيما ذكر استقبال الرجل المرأة؛ لأنَّا نقول: حكم الرجال والنساء واحد في الأحكام الشرعيةإلا ما خصه الدليل، وقد ذكرنا أن التَّرجمة رويت على ثلاثة أوجه، وهذا الوجه الواحد، وأما الأخريين؛ فالتطابق فيهما ظاهر، انتهى.

وزعم ابن المُنَيِّر لا مطابقة بين حديث (٢) عائشة والتَّرجمة، لكنه يدل على المقصود بالأولى وإن لم يكن فيه تصريح بأنها كانت مستقبلة، فلعلها كانت منحرفة أو مستديرة، انتهى.

قلت: المطابقة بينهما ظاهرة، ولم يذكر وجه الأولوية، وعائشة كانت مستقبلة؛ لأنَّ قولها: (وإني لبينه وبين القبلة وأنا مضطجعة) يدل عليه، كما لا يخفى.

وزعم ابن رشيد: (غرض البخاري أن شُغْل المصلي بالمرأة في قبلته على أي حال كان أشد من شغله بالرجل، ومع ذلك فلم تضر صلاته عليه السلام؛ لأنَّه غير مشتغل بها، فكذلك لا تضر صلاة من لم يشتغل بها، فالرجل من باب أولى) انتهى.

قلت: وفيه أن هذا يدل على الكراهة؛ لأنَّ المرأة إذا كانت في قبلة المصلي ومثلها الرجل؛ فيخشى اشتغال المصلي بالنَّظر إليها عن صلاته، ولا يقدر أحد ما كان يقدر عليه النَّبي الأعظم صلى الله عليه وسلم من حفظ النَّظر والخاطر، وذكر نحوه الكرماني.

والحاصل: أن المطابقة فيه ظاهرة على الوجه الذي ذكرناه عن إمامنا في «عمدة القاري»، والله الهادي.

(١٠٣) [باب الصلاة خلف النائم]

هذا (باب) حكم (الصلاة) فرضها، وواجبها، ونفلها (خلف) الشخص (النائم) هل يكره أم لا؟ وتقدير الحكم أولى من تقدير الجواز؛ لأنَّه أعم؛ فافهم.

ويجوز تنوين (باب) ويكون (الصلاة) مبتدأ والخبر محذوف؛ تقديره (٣) : جائزة، والمراد بالشخص: الرجل والمرأة والصبي والصبية، فهو أعم.

[حديث: كان النبي يصلي وأنا راقدة معترضة على فراشه]

٥١٢ - وبالسند إلى المؤلف قال: (حدثنا مُسدد) بِضَمِّ الميم: هو ابن مُسرهد البصري (قال: حدثنا يحيى) هو ابن سعيد القطان (قال: حدثنا هشام)؛


(١) في الأصل: (جمع)، وليس بصحيح.
(٢) في الأصل: (الحديث)، ولعل المثبت هو الصواب.
(٣) في الأصل: (تقدير).

<<  <   >  >>