للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

فوق الصديق والأخ) انتهى.

[حديث: إنه ليس من الناس أحد أَمنَّ عليَّ في نفسه وماله من أبي بكر]

٤٦٧ - وبالسند إليه قال: (حدثنا عبد الله بن محمَّد الجُعْفي) بِضَمِّ الجيم، وسكون العين المهملة، هو المسندي (قال: حدثنا وهب بن جَرير) بفتح الجيم (قال: حدثنا أبي) هو جَرير بن حازم -بالحاء المهملة والزاي- العتكي (قال: سمعت يَعْلى) بفتح التحتية أوله، وسكون العين المهملة (بن حَكِيم)؛ بفتح الحاء المهملة، وكسر الكاف، هو الثقفي المكي، سكن البصرة، ومات بالشام، قال البازلي: (أدرك زمن الصَّحابة، ولم يثبت أنَّه أدرك أحدًا منهم) انتهى، (عن عِكرمة) بكسر العين المهملة، مولى ابن عبَّاس رضي الله عنهما، (عن ابن عبَّاس) هو عبد الله بن عبَّاس بن عبد المطلب القرشي رضي الله عنهما: أنَّه (قال: خرج رسول الله) وللأصيلي: (النَّبي) الأعظم (صلى الله عليه وسلم)؛ أي: من حجرته للصلاة، والظَّاهر أنَّها صلاة الجمعة، كما يدل عليه السياق؛ فافهم، (في مرضه الذي مات فيه) والظَّاهر أنَّه كان وجع رأس من شدة الحرارة، وقوله: (عاصبًا) بالنصب على الحال، وهو الشد، وقوله: (رأسَه) بالنصب أيضًا، مفعوله، وقوله: (بخِرْقة) بكسر الخاء المعجمة، وسكون الرَّاء المهملة: قطعة من القطن المسدود، والمراد بها: المنديل، متعلق بـ (عاصبًا).

قال إمام الشَّارحين: (ويروى: «عاصب رأسه»؛ بالإضافة، وقال ابن التين: «المعروف: عصب رأسه تعصيبًا»، قلت: ذكر صاحب «دستور اللُّغة» «عصب» بالتخفيف أيضًا، فقال: «عصب: شدَّ» ذكره في باب «فعَل يفعِل»؛ بفتح العين في الماضي، وكسرها في المستقبل) انتهى.

قلت: وعلى الرواية الثانية يحتمل قوله: (عاصب) الرفع والنصب؛ فافهم.

قيل: وفي رواية الفرع: (عاصب رأسه)؛ بالرفع خبر لمبتدأ محذوف، والجملة حال، والله أعلم.

(فقعَد)؛ بفتح العين المهملة؛ أي: على المنبر لأجل الخطبة للناس، (فحمد الله)؛ أي: على وجوه الكمال، والمراد: أنَّه عليه السَّلام قال: «الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات»، كما وَرَد عنه، (وأثنى عليه)؛ أي: على ذاته بعدم النقصان فيه، والمراد: أنَّه عليه السَّلام وصف ذاته بصفات الكمال، ونزهه عن صفات النقص والمستحيلة، (ثم قال) أي: النَّبي الأعظم صلى الله عليه وسلم: (إنَّه) أي: الشأن (ليس من الناس) أي: الصَّحابة، فغيرهم من باب أولى (أحد أمنَّ)؛ بتشديد النُّون خبر (ليس)؛ أي: أكثر عطاء وبذلًا، من منَّ عليه منًّا: أنعم، ومنه: المنان من أسمائه الحسنى (عليَّ) بتشديد ياء المتكلم (في نفسه وماله) : فقد بذلهما في حبه عليه السَّلام، ومن بَذلِ نفسه: ما وقع له في الغار، كما نطق بها القرآن، ولم يكن معه عليه السَّلام غير أبي بكر بالإجماع (من أبي بكر بن أبي قُحَافة)؛ بِضَمِّ القاف، وتخفيف الحاء المهملة، وبعد الألف فاء، واسمه عثمان بن عامر التيمي، أسلم يوم الفتح، وعاش إلى خلافة عمر رضي الله عنه، ومات بالمدينة، وله سبع وتسعون سنة، وليس في الصَّحابة من في نسله ثلاثة بطون صحابيون إلا هو، قاله إمام الشَّارحين، ثم قال: (وفي حديث أبي سعيد السَّابق: «إنَّ أمنَّ الناس عليَّ في صحبته وماله أبو بكر»، والفرق بين العبارتين: أنَّ الأولى أبلغ؛ لأنَّ الثانية تحتمل أن يكون له من يساويه في المنة؛ إذ المنفي هو الأفضلية لا المساواة) انتهى، ومثله في الكرماني.

واعترضه العجلوني بأنَّ المقام مقام المدح وهو يأباها، فصار المقصود منهما واحدًا؛ فافهم، انتهى.

قلت: لا ريب أنَّ المقام في كل منهما للمدح، لكن الأولى أبلغ في المدح بخلاف الثانية، وما المانع من وجود المساواة؟ فإنَّ الصَّحابة كلهم قد أفدوه عليه السَّلام بأنفسهم وأموالهم، فيكون هو مثلهم لكن بزيادة، ويزاد أيضًا على ما في الرواية الأولى فإنَّها قد نطقت بالزيادة التامة، وليس المقام يأباها، ولا المقصود منهما واحد؛ لأنَّه عليه السَّلام أولًا قد ساواه مع بقية الصَّحابة، ثم استثناه منهم، وخصه بالزيادة في الفضل، فليس مراد العبارتين واحدًا كما زعمه؛ فليحفظ.

(ولو كنت متخذًا من الناس) أي: الصَّحابة وغيرهم بالأولى (خليلًا)؛ أي: موافقًا ومسايرًا في الطريق، أو من لا يسع قلبه لغير خليله، أو لو كنت أخص أحدًا بشيء من العلم دون الناس؛ لخصصت به أبا بكر، ولذا قال: (لاتخذت أبا بكر)؛ أي: خليلًا منهم، فمفعوله الثاني محذوف إن أخذ من المتعدي لاثنين، وإلا؛ فلا حذف؛ فافهم، (ولكن خلة الإسلام أفضل)؛ أي: فاضلة؛ لأنَّ المراد: أنَّ الخلة بالمعنى الأول أعلى مرتبة وأفضل من كل خلة من المحبة على ما عليه الجمهور؛ استدلالًا بهذا الحديث وأمثاله، كما قدمناه قريبًا، والخُلَّة -بضم الخاء المعجمة، وتشديد اللَّام- في الأصل: ما خلا عن النبت كما في «الصِّحاح»، وقال في «القاموس» : (الخُلة -بالضم-: الخليلة (١) والصداقة المحضة لا خلل فيها، تكون في عفاف وفي دعارة، والجمع: خلال؛ ككتاب)، وهي بهذا المعنى أنسب ههنا مما ذكرناه عن «الصِّحاح»، وأمَّا قول الكرماني نقلًا عن الجوهري: الخلة: الخليل؛ فلا يناسب هنا، كما لا يخفى إن كان الخليل بمعنى: الشخص المخالل؛ فتدبره، كذا زعمه العجلوني.

قلت: وفيه نظر؛ لأنَّ ما قاله الجوهري وجهه ظاهر؛ لأنَّ الخليل: الشخص: المخال، وهو الذي يخالك؛ أي: يوافقك (٢) في خلالك، أو يسايرك في طريقتك، من الخل؛ وهو الطريق في الرمل، أو يسد خللك كما تسد خلله، أو يداخلك خلال منازلك (٣)، كما صرح به أهل اللُّغة؛ فليحفظ، فما زعمه العجلوني؛ ليس يشيء؛ فافهم.

وقال إمام الشَّارحين نقلًا عن ابن بطال: (إنَّه وقع في الحديث -أي: الأول-: «ولكن أخوة الإسلام»، ولا أعرف معناه)، قال: (وقد وجدت الحديث بعده «خلة» بدل «أخوة»، وهو الصَّواب؛ لأنَّه عليه السَّلام صرف الكلام على ما تقدمه من ذكر الخلالة، فأتى بلفظ مشتق منها، ولم أجد «خوة» بمعنى «خلة» في كلام العرب) انتهى.

(سُدُّوا) بِضَمِّ السين المهملة، والدَّال المهملة المشددة (عني) أي: عن مسجدي (كل خُوخة)؛ بِضَمِّ الخاء المعجمة؛ أي: باب (في هذا المسجد) أي: النَّبوي (غير خوخة) أي: باب (أبي بكر)؛ أي: الصديق الأكبر رضي الله عنه، وفي رواية الكشميهني: (إلا) بدل (غير)، قال الكرماني: (لفظ «هذا المسجد» لا يتناول إلا مسجده الشريف) انتهى.

بناءً على أنَّ اللَّام فيه للعهد، لكن الحكم فيه عام قياسًا عليه، كما لا يخفى، كما سبق أنَّ المساجد تصان عن تطرق الناس إليها في خوخات ونحوها إلا لحاجة مهمة؛ فافهم.

وفي الحديث المطابقة للتَّرجمة؛ لأنَّ فيه الأمر بسد كل خوخة إلا خوخة أبي بكر، وأمَّا المَمَر، فإن جعل اسم موضع والمراد به: الخوخة؛ فهو ظاهر، وإن كان المراد به الأعم منها؛ فبالقياس عليها، وإن


(١) في الأصل: (الخلية)، ولعل المثبت هو الصواب.
(٢) في الأصل: (يوافق)، ولعل المثبت هو الصواب.
(٣) في الأصل: (خلالًا من أزلك)، ولعل المثبت هو الصواب.

<<  <   >  >>