للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

فإنَّه من توغلهم الشارد.

(ومودته)؛ أي: مودة الإسلام، وهو معطوف على (أخوة) الواقع مبتدأ، وخبره محذوف؛ أي: أفضل، قال العجلوني: (ويجوز العكس) انتهى.

قلت: هو غير ظاهر، بل الظَّاهر الأول، ويدل عليه تصريح حديث ابن عبَّاس الآتي بذلك؛ فافهم.

قال إمامنا الشَّارح: (والفرق بين الخلة والمودة باعتبار المتعلق مع أنَّهما بمعنى واحد، وهو أنَّه أثبت المودة؛ لأنَّها بحسب الإسلام والدين، ونفى الخلة؛ للمعنى الذي ذكرناه، والدليل على أنَّهما بمعنى واحد: قوله في الحديث الذي بعده: «ولكن خلة الإسلام»، بدل لفظ المودة، وقد قيل: إنَّ الخلة أخص وأعلى مرتبة من المودة، فنفى الخاص وأثبت العام.

فإن قيل: المراد من السياق أفضلية أبي بكر، وكل الصَّحابة داخلون تحت أخوة الإسلام، فمن أين لزم أفضليته؟

قلت: بأنَّها تعلم مما قبله ومما بعده) انتهى.

وقال الكرماني: (ليس المراد تفضيل المودة على الخلة، فـ «أفضل» المقدر -كالآتي- بمعنى: الفاضل)، ثم قال: (والمودة الإسلامية متفاوتة بحسب تفاوتهم في إعلاء كلمة الله، وتحصيل كثرة الثواب، وذلك معنى الأفضلية، ولا شك أنَّ الصديق أفضل الصَّحابة من هذه الحيثية، أو «أفضل» ليس على حقيقته، أو معناه: أنَّ مودة الإسلام معه أفضل من مودته مع غيره) انتهى.

(لا يبقينَّ)؛ بالنُّون المشددة؛ للتأكيد، قال الكرماني: (بلفظ المجهول، ويروى بلفظ المعروف أيضًا) انتهى.

(في المسجد) : متعلق بـ (يبقى)، واللَّام فيه للعهد؛ أي: النَّبوي، والمراد به العام، (باب)؛ بالرفع، قال إمام الشَّارحين: (في صيغة المجهول يكون لفظ «بابُ» مرفوعًا على أنَّه مفعول ناب عن الفاعل؛ والتقدير: لا يبقي أحد في المسجد، وفي صيغة المعلوم يكون «باب» مرفوعًا على أنَّه فاعل، ولا يقال: كيف ينهى الباب عن البقاء وهو غير مُكلَّف؛ لأنَّا نقول: إنَّه كناية؛ لأنَّ عدم البقاء لازم للنَّهي عن الإبقاء، فكأنَّه قال: لا يبقيه أحد حتى لا يبقى، وذلك كما يقال: لا أريتك ههنا؛ أي: لا تقعد عندي حتى لا أراك) انتهى.

وقد أخذ العجلوني عبارته، وتصرف بها، ونسبها لنفسه؛ فافهم.

والباب في الأصل: فرجة في حائط صغيرًا كان أو كبيرًا، والمراد به ههنا: الخَوْخَة؛ لأنَّها كوة (١) في جدار ترى الضوء، كما قاله أهل اللُّغة، وهذا تفسير لما في التَّرجمة من الخَوْخَة، فالمراد بها: الباب في الجدار، وهو المراد به هنا: الخَوْخَة الآتية في لفظ الحديث الثاني، فإنَّها المأمور بسدها، فلا تغاير بين التَّرجمة والحديثين؛ فليحفظ.

(إلا سدَّ)؛ بالنصب، استثناء مفرغ؛ تقديره: لا يبقى باب بوجه من الوجوه إلا بوجه السد، ويحتمل أن يكون إلا بابًا سُدَّ، والجملة صفة لـ (بابًا) المقدر، مستثنًى من كلام تام غير موجب، فيجوز رفعه اتباعًا (إلا بابَ أبي بكر)؛ بالنصب على الاستثناء من (بابًا) المقدر، فيجوز فيه الوجهان؛ فـ (بابًا) المقدر مستثنًى أولًا، ومستثنًى منه ثانيًا، فلا يلزم كون الفعل مستثنًى ومستثنًى منه.

وحاصل المعنى: لا يبقى باب غير مسدود إلا باب أبي بكر رضي الله عنه.

قال الخطابي: (إنَّ أمره عليه السَّلام بسد الأبواب غير الباب الشَّارع إلى المسجد إلا باب أبي بكر يدل على اختصاص شديد لأبي بكر وإكرام له؛ لأنَّهما كانا لا يفترقان) انتهى.

وقال إمام الشَّارحين: (ومطابقة الحديث للتَّرجمة ظاهرة؛ لأنَّ الخَوْخَة هي الباب الصغير، وقد يكون بمصراع واحد وبمصراعين، وأصلها: فتح في حائط.

فإن قلت: التَّرجمة شيئان؛ أحدهما: الخَوْخَة، والآخر: المَمَر، ومطابقته للخَوْخَة ظاهرة، وليس فيه ذكر المَمَر.

قلت: المَمَر من لوازم الخَوْخَة، فذكرها يغني عن ذكره) انتهى.

ثم قال: (وفي الحديث دلالة على أنَّه قد أفرده في ذلك بأمر لا يشاركه فيه غيره، فأولى ما انصرف إليه التأويل فيه الخلافة، وقد أكثر الدلالة عليها بأمره إياه بالإمامة في الصلاة التي بنى لها المسجد).

قال الخطابي: (ولا أعلم في إثبات القياس أقوى من إجماع الصَّحابة على استخلاف أبي بكر مستدلين في ذلك باستخلافه عليه السَّلام في أعظم أمور الدين؛ وهو الصلاة، فقاسوا عليها سائر الأمور، ولأنه عليه السَّلام كان يخرج من باب بيته وهو في المسجد للصلاة، فلما غلَّق الأبواب إلا باب أبي بكر؛ دلَّ على أنَّه يخرج منه إليه للصلاة، فكأنَّه عليه السَّلام أمر بذلك على أنَّه من بعده يفعل ذلك هكذا.

فإن قلت: روي عن ابن عبَّاس: أنَّه عليه السَّلام قال: «سدوا الأبواب إلا باب علي رضي الله عنه».

قلت: قال الترمذي: هو حديث غريب، وقال البخاري: حديث: «إلا باب أبي بكر»؛ أصح، وقال الحاكم: تفرد به مسكين بن بكير الحراني عن شعبة، وقال ابن عساكر: وهو وهم، قال صاحب «التوضيح» : وتابعه إبراهيم بن المختار) انتهى.

قال العجلوني: (قيل: الحديث على طرق يقوي بعضها بعضًا، بل قال ابن حجر: في بعضها إسناده قوي، وفي بعضها رجاله ثقاة) انتهى.

قلت: هذا كلام فاسد الاعتبار؛ لأنَّ قول الترمذي: (غريب)، وقول الحاكم: (تفرد به مسكين)، وقول ابن عساكر: (وهم)؛ يرد هذا، ومن القواعد: أنَّ الجرح مقدم على التَّعديل، ويحتمل أنَّه عليه السَّلام قال لعلي هذا خصوصية له، وتطييبًا لخاطر ابنته فاطمة، وإلا فالقرائن في الأحوال والأقوال تدل على أنَّه خاص بأبي بكر، وأنَّ الخلافة له، يدل عليه أنَّه أمره بالصلاة مقامه، ولم يأمر عليًّا كما ثبت في «البخاري»، فما زعمه العجلوني وابن حجر يوافق قول الشيعة الفرقة الضالة، فلا ينبغي القول بذلك، ولذلك أجمعت الصَّحابة على استخلاف أبي بكر دون علي؛ لعلمهم ذلك منه عليه السَّلام بالقرائن بالقول والفعل، ولم يلتفتوا إلى حديث علي؛ لعلمهم أنَّه خصوصية له؛ لأجل خاطر فاطمة رضي الله عنهما؛ فافهم ذلك ولا تكن من الغافلين.

وقال ابن بطال: (وفي الحديث التعريض بالعلم للناس، وإن قل فهماؤهم؛ خشية أن يدخل عليهم مساءة أو حزن) انتهى.

وقال إمام الشَّارحين: (وفي الحديث: أنَّه لا يستحق أحد العلم حقيقة إلا من فهم، والحافظ لا يبلغ درجة الفهم، وإنما يقال للحافظ: عالم بالنص لا بالمعنى.

وفيه: دليل على أنَّ أبا بكر أعلم الصَّحابة رضي الله عنهم.

وفيه: الحض على اختيار ما عند الله تعالى، والزهد في الدنيا، والإعلام بمن اختار ذلك من الصالحين.

وفيه: أنَّ على السلطان شكر من أحسن صحبته ومعونته بنفسه وماله، واختصاصه بالفضيلة التي لم يُشارَك فيها كما خصه عليه السَّلام بما لم يشركه غيره، وذلك أنَّه جعل بابه في المسجد؛ ليخلفه في الإمامة فيخرج من بيته إلى المسجد، كما كان عليه السَّلام يخرج، ومنع الناس كلهم من ذلك دليل على خلافته بعده عليه السَّلام.

وفيه: إئتلاف النفوس بقوله: «ولكن أخوة الإسلام أفضل».

وفيه: أنَّ المساجد تصان عن تطرق الناس إليها في خوخات ونحوها إلا من أبوابها إلا من حاجة مهمة.

وفيه: أنَّ الخليل


(١) في الأصل: (كورة)، وليس بصحيح.

<<  <   >  >>