للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

بالعشرات إلى التسعين، فلا يقال: بضع ومئة ولا بضع وألف، انتهى، وفي «القاموس» : هو ما بين الثلاث إلى التسع، أو إلى الخمس، أو ما بين الواحد إلى أربع، أو من أربع إلى تسع، أو هو سبع، وإذا جاوز العشر؛ ذهب البضع، لا يقال: بضع وعشرون، أو يقال ذلك، انتهى، ويكون مع المذكر بهاء، ومع المؤنث بغير هاء، فتقول: بضعة وعشرون رجلًا، وبضع وعشرون امراة، ولا تعكس، وفي رواية: (بضعة).

(وستون شعبة) بتأنيث بضعة على تأويل الشعبة بالنوع؛ إذا فسرت الشعبة بالطائفة من الشيء، وقال الإمام شهاب الدين الكرماني: إنَّها في أكثر الأصول، قال ابن حجر: بل هي في بعضها، واعترضه الإمام بدر الدين العيني، ورجح قول الكرماني، وقال: إنه الصواب، ورجح القسطلاني قول ابن حجر؛ تعصبًا.

وقد وقع عند مسلم عن عبد الله بن دينار: (بضع وستون أو بضع وسبعون) على الشك، وعند أصحاب «السنن» : (بضع وسبعون) من غير شك، وهل المراد حقيقة العدد أم المبالغة؟ قيل: الظاهر أنه معنى التكثير، ويكون ذكر البضع؛ للترقي؛ يعني: أن شعب الإيمان أعداد مبهمة ولا نهاية لكثرتها، ولو أراد التحديد؛ لم يبهم، وقيل: المراد حقيقة العدد، ويكون النص وقع أولًا على البضع والستين؛ لكونه الواقع، ثم تجددت العشرة الزائدة، فنص عليها؛ فتأمل.

(والحياء) بالمد، وهو شرعًا: خلق يَبعث على اجتناب القبيح وفعل الحسن؛ وهو مبتدأ، خبره (شعبة)، وقوله: (من الإيمان) صفة لـ (شعبة)، وإنما خصه بالذكر؛ لأنَّه كالداعي إلى باقي الشعب؛ لأنَّه يبعث على الخوف من فضيحة الدنيا والآخرة، وانظر إلى قول الرسول الأعظم عليه السلام: «استحيوا من الله حق الحياء»، قالوا: إنا لنستحي من الله يا رسول الله والحمد لله، قال: «ليس ذلك، ولكن الاستحياء من الله حق الحياء؛ أن يحفظ الرأس وما وعى، والبطن وما حوى، ويذكر الموت والبلى، ومن أراد الآخرة ترك زينة الدنيا وآثر الآخرة على الأولى، فمن يعمل ذلك؛ فقد استحى من الله حق الحياء».

لا يقال: إن الحياء من الغرائز فلا يكون من الإيمان؛ لأنَّه قد يكون غريزة، وقد يكون تخلقًا، إلا أن استعماله على وَفق الشرع؛ يحتاج إلى اكتساب، وعلم، ونية، فمن ثَمَّ كان من الإيمان، وقد زاد مسلم على ما هنا: (فأفضلها قول: لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق)، واستدل بهذا القائلون: بأن الإيمان فعل الطاعات بأسرها، والقائلون: بأنه مركب من التصديق، والإقرار، والعمل جميعًا.

وأجيب بأن المراد شعب الإيمان قطعًا لا نفس الإيمان؛ فإن إماطة الأذى عن الطريق ليس داخلًا في أصل الإيمان حتى يكون فاقده غير مؤمن، فلا بد في الحديث من تقدير مضاف، فالمراد: ثمرات الإيمان؛ لأنَّ الأعمال غير داخلة في الإيمان؛ لما مر أن حقيقة الإيمان؛ هو التصديق، ولأنه قد ورد في الكتاب والسنة عطف الأعمال على الإيمان؛ كقوله تعالى: ({إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} [الكهف: ١٠٧]) مع القطع بأن العطف يقتضي المغايرة وعدم دخول المعطوف في المعطوف عليه.

وورد أيضًا: جعل الإيمان شرط صحة الأعمال؛ كما في قوله تعالى: ({وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ} [طه: ١١٢]) مع القطع بأنَّ المشروط لا يدخل في الشرط؛ لامتناع اشتراط الشيء بنفسه، وورد إثبات الإيمان لمن ترك بعض الأعمال؛ كما في قوله تعالى: ({وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ المُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا} [الحجرات: ٩]) على ما مر؛ من أن العبد لا يخرج بالمعصية عن الإيمان مع القطع بأنَّه تحقق للشيء بدون ركنه؛ فهذا دليل على أن الأعمال غير داخلة في الإيمان، وأن الإيمان لا يزيد ولا ينقص؛ كما علمت؛ فليحفظ.

(٤) [بابٌ: الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ]

(باب) بالتنوين: (المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده)، وسقط لفظ (باب) للأصيلي.

[حديث: المسلمُ مَنْ سلمَ المسلمونَ مِنْ لسانهِ]

١٠ - وبه قال: (حدثنا آدم بن أبي إياس)؛ بكسر الهمزة، وتخفيف المثناة التحتية، آخره سين مهملة، المتوفى سنة ست وعشرين ومئتين، (قال: حدثنا شعبة) ولابن عساكر: (عن شعبةَ)؛ غير منصرف، ابن الحجاج بن الورد الواسطي، المتوفى بالبصرة سنة ستين ومئة، (عن عبد الله بن أبي السَّفَر) بفتح المهملة والفاء، وحُكي إسكانها؛ ابن يُحمد؛ بضم المثناة التحتية وفتح الميم أو بكسرها، الهمداني الكوفي، المتوفى في خلافة مروان بن محمد، (و) عن (إسماعيل) وفي رواية: (ابن أبي خالد)؛ أي: الأحمسي، المتوفى سنة خمس وأربعين ومئة، كلاهما (عن الشعبي) بفتح المعجمة، وسكون المهملة، وكسر الموحدة؛ نسبة إلى (شَعب) بطن من همدان، أبي عمرو عامر بن شراحيل، الكوفي التابعي، قاضي الكوفة، المتوفى بعد المئة، (عن عبد الله بن عمرو) ابن العاصي القرشي السهمي، المتوفى بمكة، أو الطائف، أو مصر، سنة خمس وسبعين، وكان أسلم قبل أبيه، وكان بينه وبينه في السن إحدى عشرة سنة كما جزم المزي، قاله القسطلاني، ((عن النبي) الأعظم (صلى الله عليه وسلم) أنه (قال: المسلم)؛ الذي وجد حلاوة الإيمان (من سلم المسلمون) وكذا المسلمات وأهل الذمة إلَّا في حدٍّ، أو تعزير، أو تأديب (من لسانه ويده)؛ وهذا من جوامع كلمه عليه السلام، والذي وجد حلاوة الإيمان؛ هو الذي وجد فيه هذه الصفة وباقي الصفات التي هي الأركان، وعبَّر باللسان دون القول؛ ليدخل فيه من أخرج لسانه استهزاءً بصاحبه، وقدَّمه على اليد؛ لأنَّ إيذاءه أكثر وقوعًا وأشد نكاية، ولله در القائل:

جراحاتُ السنانِ لها التئامُ... ولا يلتام ما جرحَ اللِّسانُ

وخص اليد مع أن الفعل قد يحصل بغيرها؛ لأنَّ سلطنة الأفعال إنَّما تظهر بها، والظاهر أنَّ المراد من الحديث؛ ما هو أعم من الجارحة، كالاستيلاء على حق الغير من غير حق؛ فإنَّه إيذاء، لكنه ليس باليد الحقيقي؛ فتأمل، (والمهاجر) معطوف على ما قبله؛ أي: المهاجر حقيقة (من هجر)؛ أي: ترك (ما نهى الله عنه) كأنَّ المهاجرين خوطبوا بذلك؛ لئلا يتَّكلوا على مجرد الانتقال من دارهم، وأوقع ذلك بعد انقطاع الهجرة؛ تطييبًا لقلوب من لم يدرك ذلك.

(قال أبو عبد الله) أي: البخاري، وفي رواية: بإسقاطها: (وقال أبو معاوية) محمد بن خازم بالمعجمتين، الكوفي، قيل: كان مُرجئيًّا، المتوفى سنة خمس وتسعين ومئة في صفر، (حدثنا داود) وفي رواية: (هو ابن أبي هند)؛ أي: المتوفى سنة أربعين ومئة، (عن عامر) الشعبي السابق قريبًا، (قال: سمعت عبد الله بن عمرو) في رواية: (هو ابن عمرو (١) وفي أخرى: (يعني: ابن عمرو) (عن النبي)) الأعظم (صلى الله عليه وسلم، وقال عبد الأعلى) بن عبد الأعلى السامي بالمهملة، من بني سامة بن لؤي القرشي البصري، المتوفى في شعبان سنة سبع وثمانين ومئة (عن داود) بن أبي هند السابق (عن عامر)؛ أي: الشعبي، (عن عبد الله) بن عمرو بن العاص (عن النبي) الأعظم (صلى الله عليه وسلم)، وهذا التعليق وصله إسحاق ابن راهويه في «مسنده».

(٥) [بابٌ أيُّ الإسلامِ أفضل؟]

(باب) بالتنوين (أيُّ الإسلام أفضل؟)

[حديث: يا رسولَ اللهِ أيُّ الإسلامِ أفضلُ؟]

١١ - وبه قال: (حدثنا سعيد بن يحيى بن سعيد القرشي) بجر الياء؛ صفة لـ (سعيد) الثاني المتوفى سنة سبع وأربعين ومئتين، وسقط عند الأصيلي: (ابن سعيد القرشي) (قال: حدثنا أبي) يحيى بن سعيد المتوفى سنة أربع وسبعين ومئة (قال: حدثنا أبو بُرْدة) بضم الموحدة وسكون الراء، واسمه: بُريد بالتصغير (بن عبد الله بن أبي بردة عن أبي بُردة)؛ بضم الموحدة؛ جدّ الذي قبله، وافقه في الكنية لا في الاسم، واسمه عامر، المتوفى بالكوفة سنة ثلاث ومئة، (عن أبي موسى) عبد الله بن قيس بن سُليم؛ بضم السين، الأشعري نسبة إلى الأشعر؛ لأنَّه ولد أشعر، المتوفى بالكوفة سنة خمس وأربعين، (رضي الله عنه قال: قالوا)، وعند مسلم: (قلنا) وعند ابن منده: (قلت) : (يا رسول الله؛ أي) وشرطها: أن تدخل على متعدد؛ وهو هنا مقدر: بذوي؛ أي: أيُّ أصحاب (الإسلام أفضل؟)، وعند مسلم: (أي المسلمين أفضل؟) (قال) عليه السلام: (من سلم المسلمون من لسانه ويده)؛ أي: أفضل من غيره؛ لكثرة ثوابه من حيث الأعمال الخالصة لوجهه تعالى، فيضيء نورها في وجهه؛ كما قدمنا.

(٦) [بابٌ إطعامُ الطعام مِنَ الإسلامِ]

هذا (باب) بالتنوين، وهو ساقط عند الأصيلي (إطعام الطعام من الإسلام)، وللأصيلي: (من الإيمان)؛ أي: من خصاله.

[حديث: أن رجلًا سأل النبيَّ: أي الإسلام خير؟]

١٢ - وبه قال: (حدثنا عَمرو بن خالد)؛ بفتح العين، ابن فَرُّوخ؛ بفتح الفاء، وتشديد الراء مضمومة، آخره معجمة، الحرَّاني البصري، المتوفى بها سنة تسع وعشرين ومئتين (قال: حدثنا الليث) بالمثلثة؛ ابن سعد الفهمي، وفهم؛ من قيس عيلان المصري، الإمام الجليل المشهور، القلقشندي المولد، الحنفي المذهب على التحقيق، وما قاله القسطلاني: من أنَّ المشهور أنَّه كان مجتهدًا فتعصب؛ لأنَّه لم يشتهر إلَّا عنده، المتوفى في نصف شعبان، سنة خمس وسبعين ومئة، (عن يزيد) أبي رجاء بن أبي حبيب، التابعي الجليل، مفتي مصر، المتوفى سنة ثمان وعشرين ومئة، (عن أبي الخير) مرثَد؛ بفتح الميم والمثلثة بينهما راء ساكنة: ابن عبد الله اليزني؛ نسبة إلى ذي يزن، المتوفى سنة تسعين (عن عبد الله


(١) في الأصل: (عمر)، وليس بصحيح.

<<  <   >  >>