للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

واعترضه العجلوني كعادته؛ بأنَّ نفيه الخلاف في الشق الثاني غير مسلم بلا خلاف؛ إذ من أفراده الصلاة في معاطنها، والخلاف فيه ثابت، انتهى.

قلت: وهذا كلام فاسد الاعتبار؛ لأنَّ مراده من (الأعم) : مواضعها حال غيبتها إذا كانت طاهرة، فالصلاة فيها غير مكروهة بلا خلاف؛ لأنَّ من جعل علة الكراهة نفادها؛ فهي غير موجودة، ومن جعلها النجاسة؛ فهي أيضًا غير موجودة، فالمراد بـ (الأعم) : المغايرة لا ما تحته أفراد؛ فافهم.

وتعبير المؤلف بـ (المواضع) أعم من (المعاطن)؛ لأنَّها تشمل مواضعها حال إقامتها عند الماء وغيره، حال حضورها، أو غيبتها، وهذا هو مراد المؤلف، فإنَّه لا يرى الكراهة فيها مطلقًا على الظاهر؛ لأنَّه لم يورد في الباب حديثًا يدلُّ على الكراهة، بل يدلُّ حديث الباب على عدمها، وليس مراده اختصاص الكراهة بالمعاطن، بل مراده الأعم، وأنَّه لا كراهة مطلقًا، وهذا ظاهر.

وقد يقال: إن كانت عبارة إمام الشَّارحين على ظاهرها، وأراد بالأعم: ما تحته أفراد؛ فبيَّن أولًا: أنَّ الصلاة في المعاطن مكروهة عند قوم خلافًا لآخرين، وبيَّن ثانيًا: أنَّ الصلاة فيما عدا المعاطن غير مكروهة بلا خلاف؛ حيث إنَّه لم يعتبر خلاف بعض الناس، أو إنَّه أراد بنفي الخلاف عدم وجود علة النهي من النجاسة أو النفاد؛ فافهم.

وفسر القسطلاني (المواضع) بـ (المعاطن) تبعًا لابن حجر، واعترضه العجلوني بأنَّ إبقاء المواضع على عمومها أولى، فإنَّ الحكم أعم.

قلت: وهو مردود، فإنَّه إذا لم تكره الصلاة في المواطن؛ ففي غيرها من باب أولى، لكن يقال عليه: إنَّ ظاهر ترجمة المؤلف أنَّ مراده: الأعم؛ وهو عدم الكراهة مطلقًا، فالأولى له أن يُبيِّن الحكم فيه، كما فعل إمام الشَّارحين؛ فافهم.

والمناسبة بين البابين من حيث إنَّ الباب السابق في بيان جواز الصلاة في مرابض الغنم، وههنا جواز الصلاة في مرابض الإبل، وكلاهما حكم من أحكام الصلاة؛ فافهم.

[حديث: رأيت ابن عمر يصلي إلى بعيره]

٤٣٠ - وبالسند إلى المؤلف قال: (حدثنا صدقة بن الفضل) هو المروزي (قال: أخبرنا) ولأبوي ذر والوقت: (حدثنا) (سُليمان) بضمِّ المهملة (بن حَيَّان)؛ بفتح الحاء المهملة، وتشديد التحتية، وبالنون، يجوز فيه الصرف وعدمه، وهو أبو خالد الأحمر الأزدي، الجعفري (١)، الكوفي، المتوفى سنة تسع وثمانين ومئة (قال: حدثنا) ولابن عساكر: (أخبرنا) (عُبيد الله) بضمِّ العين المهملة؛ مصغَّرًا؛ هو ابن عبد الله -بالتكبير- ابن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب القرشي العدوي كان من سادات أهل المدينة فضلًا وعبادةً، توفي سنة سبع وأربعين ومئة، (عن نافع) هو مولى ابن عمر (قال: رأيت) مولاي (ابن عمر) هو عبد الله بن عمر بن الخطاب القرشي العدوي رضي الله عنهما (يُصلي) أي: الفرض وغيره (إلى بعيره) أي: إلى جانب بعيره، وفي «المحكم» : (البعير: الجمل البازل، وقيل: الجذع، وقد يكون للأنثى، حكي عن بعض العرب: شربت من لبن بعيري، وصرعتني بعيرٌ لي، والجمع: أبعِرَة وأباعِر وأباعِير، وبُعران، وبَعران)، وفي «المخصص» : (قال الفارسي: أباعر؛ جمع أبعرة، كأسقية وأساق)، وفي «الجامع» : (البعير بمنزلة الإنسان بجمع المذكر والمؤنث من الناس، إذا رأيت جملًا على البعد؛ تقول: هذا بعير، فإذا استثبته؛ تقول: هذا جمل أو ناقة).

قال الأصمعي: (إذا وضعت الناقة ولدها ساعة تضعه؛ سليل قبل أن يُعلم أذكر هو أم أنثى؟ فإذا عُلم؛ فإن كان ذكرًا؛ فهو: سقب وأُمُّه مسقب، وقد أذكرت؛ فهي: مذكر، وإن كانت أنثى؛ فهي: حائل، وأمها أم حائل، فإذا مشى؛ فهو: راشح، والأمُّ مرشح، فإذا ارتفع عن الراشح؛ فهو: جادل، فإذا حمل في سنامه شحمًا؛ فهو: مُجذ (٢) ومُكعِر، وهو في هذا كله حوار، فإذا اشتدَّ؛ قيل: ربع، والجمع: أرباع ورباع، والأنثى: ربعة، فلا يزال ربعًا حتى يأكل الشجر، ويعين على نفسه، ثم هو فصيل وهبع، والأنثى: فصيلة، والجمع: فُصْلان وفِصْلان؛ لأنَّه فُصل عن أمه، فإذا استكمل الحول، ودخل في الثاني؛ فهو: ابن مخاض، والأنثى: بنت مخاض، فإذا استكمل السنة الثانية ودخل في الثالثة؛ فهو: ابن لبون، والأنثى: بنت لبون، فإذا استكمل السنة الثالثة ودخل في الرابعة؛ فهو: حقٌّ، والأنثى: حقَّة، سمي به؛ لأنَّه استحق أن يحمل عليه ويركب، فإذا مضت الرابعة ودخل في الخامسة؛ فهو: جذع، والأنثى: جذعة، فإذا مضت الخامسة ودخل في السادسة، وألقى ثنيته؛ فهو: ثنيٌّ، والأنثى: ثنيَّة، فإذا مضت السادسة ودخل في السابعة؛ فهو: رباع، والأنثى: رباعيَّة، فإذا مضت السابعة ودخل في الثامنة وألقى السن؛ فهو: سديس وسدس؛ لغتان، وكذا يقال للأنثى، فإذا مضت الثامنة ودخل في التاسعة؛ فهو: فاطر وبازل؛ لأنَّه فطر نابه وطلع، وكذا يقال للأنثى، فإذا مضت التاسعة ودخل في العاشرة؛ فهو: مخلف، ثمَّ ليس له اسم بعد ذلك بلا خلاف، لكن يقال له: بازل عام وبازل عامين، ومخلف عام ومخلف عامين إلى ما زاد على ذلك، فإذا كبر؛ فهو: عوذ، والأنثى: عوذة، فإذا ارتفع عن ذلك؛ فهو قحر، والجمع: أقحر وقحور)، كذا قرره إمام الشَّارحين.

(وقال) ولأبي ذر (فقال) : أي: ابن عمر: (رأيت النبيَّ) الأعظم (صلَّى الله عليه وسلَّم يفعله) أي: يُصلي الفرض وغيره والبعير في طرف قبلته، ورواه الترمذي أيضًا عن ابن عمر: (أنَّ النبي الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم صلى إلى بعيره أو راحلته، وكان يصلي إلى راحلته حيثما توجهت به)، قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، ورواه البزار في «مسنده» عن أبي الدرداء قال: (صلَّى بنا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم إلى بعير من المغنم)، وذكر مالك في «الموطأ» أنَّه بلغه: (أن ابن عمر كان يستتر براحلته في السفر إذا صلى)، ووصله ابن أبي شيبة في «مصنفه».

ففي الحديث جواز الصلاة إلى الحيوان، ونقل ابن التين عن مالك: أنه لا يُصلى إلى الجمل والحمير؛ لنجاسة أبوالها.

وفيه جواز الصلاة بقرب البعير، وأنَّه لا بأس أن يستتر المصلي بالراحلة والبعير في الصلاة، وحكى الترمذي عن بعض أهل العلم: أنَّهم لا يرون به بأسًا، وروى ابن أبي شيبة في «مصنفه» عن أنس: (أنَّه صلَّى وبينه وبين القبلة بعير عليه محمله)، وروي أيضًا الاستتار بالبعير عن سويد بن غفلة، والأسود بن يزيد، وعطاء بن أبي رباح


(١) في الأصل: (الجعفي)، والمثبت موافق لما في كتب التراجم.
(٢) في الأصل: (محذ)، وهو تصحيف.

<<  <   >  >>