للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

هو ابن المعتمر (عن سالم بن أبي الجَعْد)؛ بفتح الجيم وسكون العين المهملة: رافع الأشجعي مولاهم، الكوفي التابعي، المتوفى سنة مئة، (عن كُريب)؛ بضم الكاف: مولى ابن عباس، (عن ابن عباس) رضي الله عنهما (يَبلُغ)؛ بفتح أوله وضم ثالثه، من البلاغ، والجملة محلها النصب على الحال من ابن عباس، وقوله: (به) صلة (يبلغ)؛ أي: يصل ابن عباس بالحديث (النَّبيَّ) الأعظم بالنصب على المفعولية (صلى الله عليه وسلم) : وهذا كلام كُريب، وغرضه أنَّه ليس موقوفًا على ابن عباس، بل هو مسند إلى النبيِّ الأعظم عليه السلام، لكنه يحتمل أن يكون بالواسطة بأن سمعه من صحابيِّ سمعه من النبيِّ الأعظم عليه السلام، وأن يكون بدونها، ولمَّا لم يكن قاطعًا بأحدهما أو لم يرد بيانه؛ ذكره بهذه العبارة، كذا في «عمدة القاري»، وما قيل باحتمال أنَّه من كلام ممن دونه؛ فبعيد؛ فتأمل.

(قال)؛ أي: النبي الأعظم عليه السلام: (لو) : هي لمجرد الربط، تفيد ترتيب الوجود عند الوجود (أنَّ أحدكم)؛ بفتح الهمزة، وهي مع معمولها في محل الرفع على الفاعلية لـ (ثبت) محذوفًا الواقع شرط (لو) الشرطية، وجوابها قوله: (لم يضره) الآتي؛ والتقدير: لو ثبت قول أحدكم وقت إتيان أهله: اللَّهم... إلخ، ويجوز جعل المصدر المقدر مبتدأ والخبر محذوف، (إذا أتى أهله)؛ أي: زوجته، ومثلها الأمة؛ أي: جامعها، وهو كناية عن الجماع، و (إذا) : ظرف لقوله: (قال: بسم الله) : خبر (أنَّ)، ولو أضاف إليها: الرحمن الرحيم؛ لكان حسنًا، (اللهم) أي: يا الله (جنِّبنا)؛ بتشديد النُّون المكسورة، أمر من جنَّبَ الشيء: أبعده، ومنه: الجُنُب؛ لبعده عن ذكر الله، وأجنب: تباعد، وقرأ طاووس وغيره: (وأجنبني) [إبراهيم: ٣٥]؛ بقطع الهمزة، وتمامه في «عمدة القاري»، (الشيطان)؛ بالنصب مفعول ثان لـ (جَنِّب)، وهو كل عاتٍ متمرد من الإنس، والجن، والدواب، والعرب تسمي الحية: شيطانًا، ونونه أصلية، وقيل: زائدة، فإن جعلته (فيعالًا) من قولهم: تشيطن الرجل؛ صرفته، وإن جعلته من (تشيَّط)؛ لم تصرفه؛ لأنَّه (فعلان)، واختلف في اشتقاقه؛ فقيل: من شاط يشيط؛ إذا هلك، ووزنه (فعلان)، وقيل: من شطن؛ أي: بعد؛ لبعده من الصلاح والخير، وتمامه في «عمدة القاري».

(وجنب) أي: أبعد (الشيطانَ) بالنصب على المفعولية (ما) موصولة (رزقتنا)؛ أي: الذي رزقناه، فـ (ما) موصولة محلها النصب مفعول ثان، والمراد به: الولد؛ لأنَّ اللفظ أعم، لأنَّه يطلق على المطر وعلى الحظ، وفي «العباب» : الرزق: ما ينتفع به، وقيل: الرَّزق؛ بالفتح: المصدر الحقيقي، وبالكسر: الاسم، وقيل: الرزق: كل شيء يؤكل؛ وهو باطل؛ لأنَّ الله أمرنا أن ننفق مما رزقنا، فقال: {وَأَنفِقُوا مِن مَّا رَزَقْنَاكُم} [المنافقون: ١٠]، فلو كان الرزق هو الذي يؤكل؛ لما أمكن إنفاقه، وقيل: هو ما يملك؛ وهو باطل؛ لأنَّ الإنسان قد يقول: اللهم ارزقني ولدًا صالحًا وزوجة صالحة، وهو لا يملك الولد والزوجة.

وفي عرف الشرع: فقال أهل السنة: إنَّه اسم لما يسوقه الله تعالى إلى الحيوان فيأكله، وذلك قد يكون حلالًا وقد يكون حرامًا، مباحًا أو مملوكًا أو غير مملوك، وكلٌّ يستوفي رزق نفسه حلالًا كان أو حرامًا، ولا يُتصوَّر ألَّا يأكل إنسان رزقه أو يأكل غير رزقه.

وقالت المعتزلة: الرزق: ما ينتفع به، فالحرام لا يكون رزقًا له، ورُدَّ بقوله تعالى: {وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللهِ رِزْقُهَا} [هود: ٦]، وقد يعيش الإنسان طول عمره لا يأكل إلا من السرقة، فوجب أن يقال: طول عمره لم يكن يأكل من رزقه شيئًا، وهو باطل، وتمامه في كتب الكلام.

(فقُضِي)؛ بضم القاف وكسر الضَّاد، على البناء للمفعول، من القضاء، وله معان كثيرة؛ منها: الحكم، والفراغ، والقتل، والموت، والأداء، والإبلاغ، والقدر، والمناسب هنا: إما حكم أو قدر، (بينهما)؛ أي: بين الأحد والأهل، وفي رواية: (بينهم) بالجمع باعتبار أن أقل الجمع اثنان، أو بالنظر إلى معنى الجمع من الأهل (ولدٌ) ذكرًا كان أو أنثى (لم يضرُّه) الشيطان، بضم الرَّاء؛ لأجل ضمة ما قبلها، والفتح للخفة وفك الإدغام؛ أي: لا يكون للشيطان على الولد سلطان ببركة اسمه عز وجل؛ بل يكون من جملة العباد المحفوظين المذكورين في قوله تعالى: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ} [الحجر: ٤٢]، أو المعنى: أنَّ الشيطان لا يتخبطه ولا يداخله بما يضر عقله أو بدنه، وهذا أقرب، وقيل: لا يطعن فيه عند ولادته أو لم يفتنه بالكفر.

وروى ابن جرير في «تهذيب الآثار» بسنده عن مجاهد قال: «إذا جامع الرجل أهله ولم يسمِّ؛ انطوى الجان على إحليله فجامع معه»، فذلك قوله تعالى: {لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ} [الرحمن: ٧٤] ففيه الملازمة لابن آدم من حين خروجه من ظهر أبيه إلى رحم أمه إلى حين موته، وقد جعل الله ذِكْرَ اسمه حجابًا لذلك، أعاذنا الله منه، فهو يجري من ابن آدم مجرى الدم، وعلى خيشومه إذا نام، وعلى قلبه إذا استيقظ، فإذا غفل؛ وسوس، وإذا ذكر الله؛ خنس، ويضرب على قافية رأسه إذا نام ثلاث عقد: عليك ليل طويل، وتنحل بالذكر والصلاة.

وصفتها: أنَّها سنة، وليست بواجبة فلو تركها عمدًا؛ صح وضوؤه، وهو قول الإمام الأعظم، ومالك، والشافعي، والجمهور، ورواية عن أحمد، وأخرى أنَّها واجبة، وهو قول أهل الظاهر، وقال إسحاق ابن راهويه: إنَّها واجبة إن تركها عمدًا؛ بطلت طهارته، وإن سهوًا؛ لا تبطل، وروي عن الإمام الأعظم: أنَّها ليست بمستحبة، وروي عن مالك: أنَّها بدعة، وفي رواية: أنَّها مباحة، والله تعالى أعلم.

(٩) [باب ما يقول عند الخلاء]

هذا (باب ما يقول)؛ أي: الذي يقوله الشخص (عند) إرادة دخول (الخَلاء)؛ بفتح الخاء المعجمة وبالمد: موضع قضاء الحاجة، سمي به؛ لخلائه في غير أوقات قضاء الحاجة؛ وهو الكنيف والحش والمرتفق، وأصله المكان الخالي، ثم كثر استعماله حتى تجوز به عن ذلك، وأما الخلى؛ بالقصر: فهو الحشيش الرطب والكلأ، وبالكسر والمد: العيب في الإبل كالحران في الخيل، وتمامه في «عمدة القاري».

[حديث: اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبايث]

١٤٢ - وبه قال: (حدثنا آدم)؛ بالمد: هو ابن أبي إياس (قال: حدثنا شعبة) هو ابن الحجاج، (عن عبد العزيز بن صُهيب) بضم الصَّاد المهملة (قال: سمعت أنسًا)؛ أي: ابن مالك حال كونه (يقول) أتى به مضارعًا مع (سمعت) الماضي؛ استحضارًا لصورة القول: (كان النبي) الأعظم (صلى الله عليه وسلم) وأتى بـ (كان) للدلالة على الثبوت والدوام (إذا) ظرف بمعنى: حين (دخل الخلاء)؛ بالنصب بتقدير (في)؛ أي: أراد الدخول في الخلاء، كما سيأتي التصريح به في التعليق آخر الباب؛ لأنَّ اسم الله تعالى مستحب الترك بعد الدخول، وإنما يذكر في الخلاء بالقلب لا باللسان، ويكره الدخول في الخلاء ومعه شيء مكتوب فيه اسم الله أو قرآن، لما في «أبي داود» و «الترمذي» : عن أنس قال: (كان عليه السلام إذا دخل الخلاء؛ نزع خاتمه)؛ أي؛ لأنَّ نقشه (محمد رسول الله)، ففيه دليل على استحباب (١) تنحية المستنجي اسم الله واسم رسوله، وكذا سائر الرسل والقرآن، وكذا كل ما عليه معظَّم من اسم الله أو نبي أو ملك، فإن خالف؛ كره؛ لترك التعظيم، ومنه يعلم كراهة استعمال نحو إبريق في خلاء مكتوب عليه شيء من ذلك، وطشت تغسل فيه الأيدي، ومحل الكراهة إن لم يكن مستورًا، فإن كان في جيبه؛ فلا بأس به، وفي «القهستاني» عن «المنية» : الأفضل ألَّا يدخل الخلاء وفي كمه مصحف إلَّا إذا اضطر، ونرجو ألَّا يأثم بلا اضطرار، انتهى، وفي «شرح المنية» : الخاتم المكتوب فيه شيء من ذلك إذا جعل فصه إلى باطن كفه قيل: لا يكره، والتحرز أولى، انتهى.

ويدخل الخلاء برجله اليسرى؛ لأنَّه محل مستقذر، ويخرج باليمنى، فإذا أراد أن يدخل؛ (قال) وفي رواية: (يقول) وهي


(١) في الأصل: (كراهة)، ولا يستقيم معها المعنى.

<<  <   >  >>