للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

أو دار وقف لم يملك منافعها، وتمامه في «منهل الطلاب».

(فأتيته) أي: النبي الأعظم عليه السلام (بأحجار)؛ فهو من كلام أبي هريرة، والفاء تفصيحية (بطرف ثيابي) : الباء ظرفية؛ أي: في جانب ثيابي، والظاهر: أن المراد من الثياب الجنس لا الجمع؛ بدليل رواية الإسماعيلي: (بطرف ملاءتي)، وجوَّز الكرماني كلا الوجهين، واعترضه في «عمدة القاري» بأنَّ ما ذكر إنَّما يتمشَّى في الجمع المحلى بالألف واللام، قلت: وقد يقال: الإضافة تأتي لما تأتي له اللام؛ فتأمل، (فوضعتُها)؛ أي: الأحجار؛ بتاء المتكلم، وفي رواية: (فوضعها)؛ أي: النبي الأعظم عليه السلام (إلى جنبه) ليقرب تناولها، (وأعرضت) : وفي رواية: (واعترضت)؛ بزيادة مثناة فوقية بعد العين المهملة (عنه) للتباعد، (فلما قضى)؛ أي: النبي الأعظم عليه السلام، والمفعول محذوف؛ تقديره: حاجته؛ (أتبعه)؛ بهمزة قطع؛ أي: ألحقه (بهن)؛ أي: بالأحجار، والضمير المنصوب يعود على القضاء الذي يدل عليه قوله: (فلما قضى)، وكنى به عن الاستنجاء، وقيل: الضمير يعود على المحل، والأول أظهر؛ فافهم.

وفي الحديث: مشروعية الاستنجاء، واختلف العلماء فيه؛ فقال إمامنا رأس المجتهدين الإمام الأعظم، والإمام أبو يوسف، والإمام محمد، والإمام زفر، والإمام الحسن، ومالك في رواية، والمزني من الشافعية: إنَّه سنة مؤكدة؛ لما رواه أبو داود عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي الأعظم عليه السلام قال: «من استَجْمَرَ؛ فليوتر، من فَعَلَ؛ فقد أحسن، ومن لا؛ فلا حرج...»؛ الحديث.

وأخرجه أحمد في «مسنده»، والحافظ أبو جعفر الطحاوي في «معاني الآثار» برجال ثقاتٍ، فهو حديث صحيح محكم لا يحتمل التأويل، فيدلُّ على نفي وجوب الاستنجاء وعلى نفي وجوب العدد فيه؛ لأنَّ الشارع نفى الحرج عن تارك الاستنجاء، فدل على أنَّه ليس بواجب، وكذلك تَرْكُ الإيتار لا يضرُّ؛ لأنَّ ترك أصلِهِ لمَّا لم يكن مانعًا فما ظنك بترك وصفه؟! فدل الحديث على انتفاء المجموع، فالسنة عندنا: إنقاء المحل؛ لأنَّه المقصود، فلو لم يحصل الإنقاء بثلاث؛ يزاد عليها اتفاقًا؛ لكونه هو المقصود، ولو حصل الإنقاء بواحد واقتصر عليه؛ جاز؛ لحصول المقصود، لا يقال: رفع الحرج في الزيادة على الثلاث؛ لأنَّ مجاوزة الثلاث في الماء عدوان وترك السنة، والزيادة في الأحجار ليست بعدوان وإن صارت شفعًا؛ لأنَّا نقول: هذا الوجه غير مراد ولا يفهم من الكلام على ما لا يخفى على الذكي الفطن، وأيضًا مجاوزة الثلاث في الماء كيف تكون عدوانًا إذا لم تحصل الطهارة بالثلاث؟! والزيادة في الأحجار وإن كانت شفعًا كيف لا يصير عدوانًا، وقد نص على الإيتار؟! فافهم.

وقال الشافعي، وأحمد، ومالك في رواية: إن الاستنجاء واجب لما أخرج ابن ماجه وأحمد عن عائشة: أنه عليه السلام قال: «إذا ذهب أحدكم إلى الغائط؛ فليذهب معه بثلاثة أحجار يستطيب بهنَّ».

وأجيب: بأنَّ الأمر يحتمل أن يكون على وجه الاستحباب، والمحتمل لا يصلح أن يكون حجة إلا بمرجِّح لأحد المعاني ولم يوجد، ونحن أعملنا الأحاديث كلَّها، وفيما قاله الشافعي ومن تبعه إهمال لبعض الأحاديث، والعمل بالكل أولى على ما لا يخفى.

وفي الحديث: أنَّ الأحجار لا تتعيَّن للاستنجاء، بل يقوم مقامها كلُّ جامد طاهر قالع غير محترم ولا متقوَّم، فيكره الاستنجاء بالذهب، والفضة، والعظم، والروث، والرجيع، والطعام مطلقًا، والفحم، والزجاج، والجص، والآجر، وورق الشجر، والورق، والخذف، والشعر، وغيرها، ولو استنجى بها؛ أجزأه ويكون مقيمًا للسنة مع الكراهة؛ لأنَّ المقصود الإنقاء وقد حصل، وقد ذكر ابن جرير الطبري: أنَّ عمر بن الخطاب كان له عظم يستنجي به، ثم يتوضأ ويصلي.

وفيه: استحباب الإعراض عن قاضي الحاجة، وجواز الرواية بالمعنى؛ حيث قال: (أو نحوه).

وفيه: إعداد الأحجار للاستنجاء؛ لئلَّا يحتاج إلى طلبها بعد قيامه، فلا يأمن التلوُّث، وتمامه في «عمدة القاري»؛ فليحفظ.

هذا (بابٌ) بالتنوين: (لا يُستنجى)؛ بضم المثناة التحتية على صيغة المجهول، وسقط لفظ: (باب) في رواية، وفي أخرى: سقط لفظ الترجمة والباب (بروث) والجار والمجرور نائب

[حديث: أتى النبيُّ الغائط فأمرني أن آتيه بثلاثة أحجار]

١٥٦ - وبه قال: (حدثنا أبو نُعيم)؛ بضم النُّون مصغرًا: هو الفضل بن دُكين؛ مصغرًا أيضًا، (قال: حدثنا زُهير)؛ بضم الزاي بالتصغير: هو ابن معاوية الجعفي الكوفي المكي، (عن أبي إسحاق) : عمرو بن عبد الله السَّبِيعي؛ بفتح السين المهملة وكسر الموحدة، التابعي، وما ذُكِر من كون زهير سمع من أبي إسحاق بأخرة لا يقدح؛ لثبوت سماعه منه هذا الحديث قبل الاختلاط بطرق متعددة، وتمامه في «عمدة القاري»، (قال) أي: أبو إسحاق: (ليس أبو عبيدة)؛ بالتصغير: هو عامر بن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه (ذكره) لي؛ أي: حدثني به، وجملة (ذكره) محلها نصب خبر (ليس)، (ولكن) الذي ذكره لي وحدثني به (عبد الرحمن) فهو مرفوع بفعل محذوف مقدر تقديره ما علمتَ، (بن الأسود) التابعي النخعي الكوفي، الذي يصلي كل يوم سبع مئة ركعة، ويصلي العشاء والفجر بوضوء واحد، المتوفى سنة تسع وتسعين؛ أي: لست أرويه الآن عن أبي عبيدة، وإنما أرويه عن عبد الرحمن بن الأسود، (عن أبيه) : الأسود بن يزيد -من الزيادة- ابن قيس الكوفي النخعي صاحب ابن مسعود، وإنما عدل أبو إسحاق عن الرواية عن أبي عبيدة مع أنَّها أعلى إلى الرواية عن عبد الرحمن؛ لأنَّ أبا عبيدة لم يسمع من أبيه فتكون منقطعة، بخلاف رواية عبد الرحمن فإنَّها موصولة، ورواية أبي إسحاق لهذا الحديث عن أبي عبيدة عن أبيه عبد الله بن مسعود عند الترمذي وغيره من طريق إسرائيل بن يونس، قاله ابن حجر.

واعترضه في «عمدة القاري» بأن قول أبي إسحاق هذا يحتمل أن يكون نفيًا لحديثه وإثباتًا لحديث عبد الرحمن، ويحتمل أن يكون إثباتًا لحديثه أيضًا، وأنَّه كان غالبًا يحدِّث به عن أبي عبيدة.

وقال الكرابيسي: أبو إسحاق يقول في هذا الحديث مرة: حدثني عبد الرحمن بن يزيد عن عبد الله، ومرة: حدثني علقمة عن عبد الله، ومرة: حدثني أبو عبيدة عن عبد الله، ومرة يقول: ليس أبو عبيدة حدَّثنيه وإنما حدثني عبد الرحمن عن عبد الله، وهذا دليلٌ واضح على أنَّه رواه عن عبد الرحمن بن الأسود سماعًا؛ فافهم.

وقول ابن حجر: (لأنَّ أبا عبيدة لم يسمع من أبيه)؛ مردود بما ذكره الطبراني في «معجمه الأوسط» من حديث زياد بن سعيد عن ابن الزبير قال: حدثني يونس بن عتاب الكوفي: سمعت أبا عبيدة بن عبد الله يذكر: أنه سمع أباه يقول... ؛ الحديث، وبما أخرجه الحاكم في «مستدركه» حديث أبي إسحاق عن أبي عبيدة عن أبيه في ذكر يوسف عليه السلام، وإسناده صحيح، وبما حسَّن الترمذي عدة أحاديث رواها عن أبيه؛ منها: لمَّا كان يوم بدر وجيء بالأُسارى، ومنها: كان في الركعتين الأوليين كأنه على الوصف، ومنها قوله: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [آل عمران: ١٦٩]، ومن شرط الحديث الحسن أن يكون متصلًا عند المحدثين، وتمامه في «عمدة القاري»؛ فافهم.

(أنَّه)؛ بفتح الهمزة؛ أي: بأنَّه؛ أي: الأسود (سمع عبد الله)؛ بالنصب على المفعولية؛ أي: ابن مسعود؛ لأنَّه المراد عند الإطلاق، كما أنَّه عند إطلاق الإمام الأعظم فالمراد به: الإمام أبو حنيفة التابعي الجليل رئيس المجتهدين وسيدهم رضي الله تعالى عنهما، (يقول) : فالجملة محلها نصب على الحال، (أتى

<<  <   >  >>