للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

مأدبة ومأدبة جميعًا، والدعوة الخاصة: النقرى، والعامة: الجفلى والأجفلى، كذا في «عمدة القاري».

وفيه: وهذا الحديث وصل الحديث الذي علقه البخاري فيما قبل [قليل] قريبًا، وهو قوله: وقال أنس: (حسر النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم عن فخذه)، فإن قلت: ما كانت الفائدة بذكر هذا التعليق المقتطع من هذا الحديث المتصل قبل أن يذكر الحديث بكماله؟.

قلت: يحتمل أن المؤلف أراد به الإشارة إلى أن ما ذهب إليه أنس من أن الفخذ ليس بعورة؛ فلهذا ذكره بعد ذكر ما ذهب إليه ابن عباس، وجرهد، ومحمد بن جحش، انتهى.

قلت: وعلى هذا؛ فالمطابقة في هذا الحديث المتصل هو أن الفخذ ليس بعورة، ولا يخفى أن المطابقة في التعليق أظهر؛ لأنَّ الحديث يحتمل الوجهين في الفخذ، هل هو عورة أم لا؟ ويحتمل أن قول أنس ليس قطعة من هذا الحديث، بل موصول عند غير المؤلف، وأراد بذكره أن الفخذ ليس بعورة، وأراد بذكر الحديث أن الفخذ عورة؛ لأنَّ قوله (حُسِر) بصيغة المجهول يدل على أن الحسر كان بسبب الازدحام ونحوه؛ فليحفظ.

وقال إمام الشَّارحين: وفي الحديث أحكام:

الأول: فيه جواز إطلاق صلاة الغداة على صلاة الصبح، خلافًا لمن كرهه من بعض الشافعية.

الثاني: فيه جواز الإرداف إذا كانت الدابة مطيقة، وفيه غير ما حديث.

الثالث: فيه استحباب التكبير والذكر عند الحرب وهو الموافق لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللهَ كَثِيرًا} [الأنفال: ٤٥].

الرابع: فيه استحباب التثليث في التكبير؛ لقوله: قالها ثلاثًا؛ أي: ثلاث مرات.

الخامس: فيه جواز إجراء الفرس وأنه لا يخل بمراتب الكبير، لا سيما عند الحاجة أو لرياضة الدابة، أو لتدريب (١) النفس على القتال.

السادس: فيه أن الزفاف في الليل، وقد جاء أنه عليه السَّلام دخل عليها في النهار؛ ففيه جواز الأمرين.

السابع: فيه دلالة على مطلوبية الوليمة للعرس وأنها بعد الدخول، والمشهور عندنا أنها سنة، وقيل: واجبة، وعندنا إجابة الدعوة سنة سواء كانت وليمة عرس أو غيرها، وبه قال مالك في رواية، وقيل: تجوز الوليمة قبل الدخول، وظاهر الحديث يرده.

الثامن: فيه جواز إدلال الكبير لأصحابه وطلب طعامهم في نحو الوليمة وغيرها، ويستحب لأصحاب الزوج وجيرانه مساعدته في الوليمة بطعام من عندهم.

التاسع: فيه دليل على أن الوليمة تحصل بأي طعام كان ولا تتوقف على شاة، والسنة تقوم بغير اللحم، انتهى.

قلت: وهذا الحديث يدل لذلك، كما لا يخفى، والله تعالى أعلم.

(١٣) [باب في كم تصلي المرأة في الثياب]

هذا (بابٌ)؛ بالتنوين خبر مبتدأ محذوف (في كم) ثوبًا (تصلي المرأة من الثياب) ولغير الأربعة: (في الثياب)، ولفظة (كم) لها الصدارة سواء كانت استفهامية أو خبرية، ولم تبطل صدارتها هنا؛ لأنَّ الجار والمجرور في حكم الكلمة الواحدة، ومميز (كم) محذوف تقديره: كم ثوبًا؟ قاله إمام الشَّارحين.

(وقال عِكْرمة)؛ بكسر العين وسكون الكاف هو مولى ابن عباس أحد فقهاء مكة وإمام تفسير القرآن: (لو وارت) أي: سترت وغطت المرأة (جسدها في ثوب) واحد وصلت فيه؛ (جاز) كذا للأربعة، وفي رواية الكشميهني: (لَأجَزْته)؛ بفتح لام التأكيد والجيم وسكون الزاي، من الإجزاء.

قال إمامنا الشَّارح: وهذا التعليق قد وصله عبد الرزاق، ولفظه: لو أخذت المرأة ثوبًا فتقنعت به حتى لا يرى من شعرها شيء؛ أجزأ عنها، وروى ابن أبي شيبة عن عكرمة قال: تصلي المرأة في درع وخمار خصيف، وروي أيضًا عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لا بأس بالصلاة في القميص الواحد إذا كان صفيقًا، وذكر عن ميمونة أنها صلت في درع وخمار، ومن طريق أخرى صحيحة أنها اغتسلت في درع واحد فضلًا، وقد وضعت بعض كمها على رأسها.

ومن طريق مكحول عن عائشة وعلي رضي الله عنهما قالا: (تصلي في درع سابغ وخمار)، وكذا روي عن أم سلمة من طريق أم محمد بن زيد بن مهاجر بن قنفد، ومن حديث الليث عن مجاهد قال: (لا تصلي المرأة في أقل من أربعة أثواب)، وعن الحكم: (في درع وخمار)، وعن حماد: (درع وملحفة تغطي رأسها) انتهى.

قلت: وما ذكره في التعليق هو معنى ما ذكره عبد الرزاق، والمراد بالثوب: الواسع، يدل عليه رواية عبد الرزاق: (حتى لا يرى...) إلى آخره، وهذا لا يكون إلا واسعًا، فهو حينئذ كثوبين؛ لأنَّ المقصود: الستر وهو يحصل بالواحد الواسع وبالاثنين، لكن المستحب للمرأة ثلاثة أثواب درع، وخمار، ومقنعة؛ فإنه أستر لها، وما ذكره هنا اقتصار بدون الأفضل، والأفضل الثلاثة، والله تعالى أعلم.

[حديث: لقد كان رسول الله يصلي الفجر فيشهد معه نساء]

٣٧٢ - وبالسند إلى المؤلف قال: (حدثنا أبو اليمان) : هو الحكم بن نافع الحمصي (قال: حدثنا شعيب) : هو ابن أبي حمزة القرشي، (عن الزهري) : هو محمد بن مسلم ابن شهاب (قال: أخبرني) بالإفراد (عروة)؛ بضم العين المهملة: هو ابن الزبير بن العوام: (أن عائشة) الصديقة بنت الصديق الأكبر رضي الله عنهما (قالت) والله: (لقد كان رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم) فـ (اللام) فيه جواب قسم محذوف، كما قدرناه (يصلي الفجر)؛ أي: يصلي صلاة الفجر في بعض أحيانه، لا يقال: إنَّ (كان) تدل على الاستمرار والدوام؛ لأنَّا نقول: إن التي تدل على هذا هي الناقصة، وهنا (كان) تامة؛ بمعنى: حض، أو وقع، أو وجد، فهي تدل على تلك المرة فقط؛ وهو ذلك الحين التي أخبرت به أنه يصلي في مسجده النبوي، (فيشهد) أي: فيحضر (معه)؛ وفي رواية: (فتشهد)؛ أي: فتحضر معه (نساءٌ)؛ بالتنكير، والتنوين فيه للتنويع، وهو جمع امرأة، لا واحد له من لفظه (من المؤمنات) هو لبيان الواقع (مُتَلفِّعاتٍ)؛ بالنصب على الحال من النساء، وهو بضم الميم وفتح المثناة الفوقية، وبالعين المهملة بعد الفاء المشددة، من التلفع؛ بالفاء والعين المهملة؛ أي: متلحفات، وفي رواية: (متلففات) بالفاء المكررة بدل العين؛ وهي رواية الأصيلي في غير «الفرع»، وله في «الفرع» (متلفعاتٌ) بالرفع صفة للنساء، والأكثر على خلافه.

قال الأصمعي: (التلفع بالثوب: هو أن يشتمل به حتى يجلل به جسده، وهذا اشتمال الصماء عند العرب؛ لأنَّه لم يرفع جانبًا منه فيكون فرجة فيه)، وهو عند الفقهاء: مثل الاضطباع إلا أنه في ثوب واحد.

وعن يعقوب: (اللفاع: الثوب تلتفع به المرأة؛ أي: تلتحف به فيغيبها)، وعن كراع: (هو الملفع أيضًا)، وعن ابن دريد: (اللفاع: هو الملحفة أو الكساء)، وقال أبو عمر (٢) : (هو الكساء).

وعن صاحب «العين» : (تلفع بثوبه: إذا اضطبع به، وتلفع الرجل بالشيب كأنه غطى سواد رأسه ولحيته).

وفي «شرح الموطأ» : (التلفع: أن تلقي الثوب على رأسه، ثم يلتف به، ولا يكون الالتفاع إلا بتغطية الرأس، وقد أخطأ من قال: الالتفاع مثل الاشتمال، وأما التلفف؛ فيكون مع تغطية الرأس وكشفه).

وفي «المحكم» : (الملفعة: ما يلفع به من رداء،


(١) في الأصل: (لتدريث)، وهو تصحيف.
(٢) في الأصل: (عمرو)، ولعل المثبت هو الصواب.

<<  <   >  >>