للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

كانت حائضًا وكان الطواف طواف القدوم؛ فعليها شاة، وإن كان طواف الركن؛ فعليها بدنة، وكذا حكم الجنب من الرجال والنساء، كذا قرره إمام الشارحين صاحب «عمدة القاري»، والله الهادي.

[حديث ابن عباس: رخص للحائض أن تنفر إذا حاضت]

٣٢٩ - وبالسَّند إلى المؤلف قال: (حدثنا مُعلَّى) بضمِّ الميم، وتشديد اللام (ابن أسد) : مرادف الليث، هو أبو الهيثم البصري، المتوفى سنة تسع عشرة ومئتين (قال: حدثنا وهيب) تصغير وهب، وهو ابن خالد البصري، (عن عبد الله بن طاووس) هو اليماني، المتوفى سنة اثنين وثلاثين ومئة، (عن أبيه) هو طاووس المذكور ابن كيسان اليماني الحميري، من أبناء الفرس، المتوفى سنة بضع عشرة ومئة، (عن ابن عباس) هو عبد الله بن عباس رضي الله عنهما (قال: رُخص) بضمِّ الراء مبني للمجهول، والمرخص هو النبيُّ الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم، وهو معلوم ضرورة، والرخصة: حكم ثبت على خلاف الدليل؛ لعذر، وقال إمام الشارحين: (الرخصة: حكم شرع تيسيرًا لنا، وقيل: هو الشروع لعذر مع قيام المحرم لولا العذر، والعذر: هو وصف يطرأ على المكلف يناسب التسهيل عليه) انتهى، (للحائض) ومثلها النفساء (أن تنفِر)؛ بكسر الفاء وضمها، والكسر أفصح، وكلمة (أن) مصدرية في محل الرفع؛ لأنَّه فاعل ناب عن المفعول، والتقدير: رخص لها النفور؛ أي: الرجوع إلى وطنها (إذا حاضت) أي: إذا جاءها دم الحيض.

٣٣٠ - (وكان ابن عمر) : هو عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما، وهذا من كلام طاووس، وهو داخل تحت الإسناد المذكور (يقول في أول أمره) يعني: قبل وقوفه على الحديث المذكور: (إنها) أي: الحائض (لا تنفر) أي: لا ترجع إلى وطنها حتى تطوف طواف الوداع، (ثم سمعته) أي: قال طاووس: ثم سمعت ابن عمر (يقول: تنفر) يعني: ترجع بعد أن طافت (١) طواف الركن، وأراد: أنه رجع عن الفتوى التي كان يفتيها أولًا إلى خلافها، وقوله: (إن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم رَخص) بفتح الراء؛ مبني للمعلوم (لهن) أي: للحائض، وإنما جمع؛ نظرًا للجنس، قاله إمام الشارحين من كلام ابن عمر، قاله في مقام التعليل؛ لرجوعه عن فتواه الأولى، وبيان ذلك: أنه لما لم تبلغه الحديث؛ أفتى باجتهاده، ثم لما بلغه؛ رجع عنه، أو كان وقف عليه أولًا، ثم نسيه، ثم لما تذكره؛ رجع إليه، وإما أنه سمع ذلك من صحابي آخر رواه عن النبيِّ الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم فرجع إليه، قاله إمام الشارحين.

قلت: وكل محتمل، والظاهر الأول أو الثالث؛ فليحفظ.

وقال إمام الشارحين: (ذكر البخاريُّ هذين الأثرين عن ابن عباس وابن عمر؛ إيضاحًا لمعنى الحديث السابق) والله أعلم؛ فافهم.

(٢٨) [باب إذا رأت المستحاضة الطهر]

هذا (باب)؛ بالتنوين (إذا رأت المستحاضة الطهر) أي: هذا باب في بيان أن المستحاضة (٢) إذا رأت الطهر بأن انقطع دمها؛ تغتسل وتصلي ولو كان ذلك الطهر ساعة، هذا هو المعنى الذي قصده البخاري، والدليل عليه ذكره الأثر المروي عن ابن عباس على ما يذكر الآن، كذا قاله إمام الشارحين، وزعم ابن حجر أي: تميز لها دم العرق من دم الحيض، فسمي دم الاستحاضة طهرًا؛ لأنَّه كذلك بالنسبة إلى زمن الحيض، ويحتمل أن يراد به انقطاع الدم، والأول أوفق للسياق.

ورده إمام الشارحين صاحب «عمدة القاري» حيث قال: (قلت: فيه خدش من وجوه؛ الأول: أن كلامه يدل على أن دمها مستمر، ولكن لها أن تميز بين دم العرق ودم الحيض، والترجمة ليست كذلك، فإنه نص فيها على الطهر، وحقيقته الانقطاع عن الحيض، والثاني: أنه يقول تسمى الاستحاضة طهرًا، وهذا مجاز ولا داعي له ولا فائدة، والثالث: أنه يقول: إن الأوفق للسياق الأول، وهذا عكس ما قصده البخاري، بل الأوفق للسياق ما ذكرناه) انتهى.

(وقال) عبد الله (ابن عباس) رضي الله عنهما، مما رواه أبو بكر ابن أبي شيبة، عن أبي علية، عن خالد، عن أنس بن سيرين، عن ابن عباس به، ورواه أيضًا الدارمي موصولًا قال: (تغتسل) يعني: المستحاضة، إذا رأت الطهر؛ تغتسل (وتصلي) ما شاءت من الفرائض، والواجبات، والنوافل (ولو) كان الطهر (ساعة) واحدة، وفي رواية: (ولو ساعة من نهار)، ويعلم من هذا أن أقل الطهر عند ابن عباس: ساعة، وعند جمهور الفقهاء: أقل الطهر خمسة عشر يومًا، وهو قول إمامنا الأعظم وأصحابه، وبه قال الثوري، ومحمَّد بن إدريس، وغيرهما، وقال ابن المُنْذِر: (ذكر أبو ثور: أنهم لا يختلفون فيه فيما نعلم)، وفي «المهذب» : (لا أعرف فيه خلافًا)، وقال المحاملي: (أقل الطهر خمسة عشر يومًا بالإجماع)، ونحوه في «التهذيب»، وقال أبو الطيب: (أجمع الناس على أن أقل الطهر خمسة عشر يومًا)، واعترضهم النووي، فقال: دعوى الإجماع غير صحيح؛ لأنَّ الخلاف فيه مشهور، فإن أحمد ابن حنبل وإسحاق أنكرا التحديد في الطهر، فقال أحمد: الطهر بين الحيضتين على ما يكون، وقال إسحاق: توقيتُهم الطهر بخمسة عشر غير صحيح، وقال ابن عبد البر: (أما أقل الطهر؛ فقد اضطرب فيه قول مالك وأصحابه، فروى ابن القاسم عنه: عشرة أيام، وروى سحنون عنه: ثمانية أيام، وقال ابن الماجشون: أقل الطهر خمسة أيام، ورواه عن مالك)، كذا قرره إمام الشارحين.

قلت: وقال محمَّد بن سَلَمَة: (أقل الطهر خمسة عشر يومًا، وهو اختيار أكثر البغداديين من المالكية، وهو قول الإمام الأعظم، والشافعي، وأصحابهما، وهو الصحيح في الباب؛ لأنَّ الله تعالى قد جعل عدة ذوات الأقراء ثلاث حيض، وجعل عدة من لا تحيض من كبر أو صغر ثلاثة أشهر، فكان كل قرء عوضًا من شهر، والشهر يجمع الطهر والحيض، فإذا قل الحيض؛ كثر الطهر، وإذا كثر الطهر؛ قل الحيض، فلما كان أكثر الحيض عشرة أيام؛ وجب أن يكون الطهر خمسة عشر فما فوقها؛ ليكمل في الشهر الواحد حيض وطهر، وهو المتعارف في الأغلب من خلقة النساء وجبلتهنَّ مع دلائل القرآن والسنة) انتهى.

فهذا القول المختار عند أصحاب مالك كمذهب الجمهور، ومثله رواية عن أحمد وإسحاق أولًا، فهذا دليل على أن دعوى الإجماع صحيح، فاعتراض النووي مردود عليه؛ لأنَّ هذه الروايات قد حصل الإجماع على أن أقل الطهر خمسة عشر يومًا، وعلى فرض وجود الخلاف؛ فالمراد بالإجماع: الإجماع الأكثري، فكأنهم لم ينظروا


(١) في الأصل: (طاقت)، وهو تصحيف.
(٢) في الأصل: (الاستحاضة)، وليس بصحيح.

<<  <   >  >>