للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

إثبات الرسالة كيف ينفعه؟ فلا بد من انضمام: (محمد رسول الله) إلى قول: (لا إله إلا الله).

قلت: هذا مثل من توضأ؛ صحت صلاته؛ أي: عند حصول شرائط الصحة؛ فمعناه: من لقي الله موحدًا عند الإيمان بسائر ما يجب الإيمان به، أو علم عليه السلام أن من الناس من يعتقد أن المشرك يدخل الجنة، فقال ذلك؛ ردًا لقوله، وما قاله ابن حجر ردَّه في «عمدة القاري»؛ فليحفظ.

(قال) معاذ، وفي رواية: (فقال) : (أَلا)؛ بفتح الهمزة للتنبيه، (أبشر الناسَ)؛ بالنصب مفعوله؛ أي: بذلك، (قال) النبي الأعظم عليه السلام: (لا) تبشرهم، ثم استأنف فقال: (أخاف أن يتَّكلوا)؛ بمثناة فوقية مشددة؛ أي: أخاف اتِّكالهم على مجرد الكلمة، فـ (أن) مصدرية، وفي رواية: (لا، إنِّي أخاف أن يكلوا) بإسقاط المثناة الفوقية، فكلمة النهي ليست داخلة على (أخاف)، وفي رواية: (لا، دعهم فليتنافسوا في الأعمال، فإني أخاف أن يتكلوا)، ومراد النبي الأعظم عليه السلام: عدم الاتكال على مجرد الكلمة، بل ينبغي لهم العمل؛ فإنَّ العمل دليل على النجاة، وكلٌّ ميسَّرٌ لما خلق له.

وفي ختام ذو (١) القعدة ختام سنة ست وسبعين ومئتين وألف: أخذت الدروز قرية زحلة وأحرقوها، ونهبوا أموالهم، وخربوا ديورهم، وقتلوا أهلها قتلة أشر قتلة، ولا ريب أنهم أهل الحرب؛ لأنَّهم ذو منعة، ناقضين العهود والمواثيق، لم يعطوا ما عليهم من الحقوق، فدمهم هدر، وأموالهم ونساؤهم وذراريهم تملك وتباع، ولله الحمد والمنة، ولقد أضاءت دمشقنا بهذه البشارة لما وردت، وفرحت الناس بذلك لما يرون منهم من إذلال المسلمين.

(٥٠) [باب الحياء في العلم]

هذا (باب الحياء)؛ بالمد، وهو تغيُّر وانكسار يعتري الإنسان عند خوف ما يعاب أو يذم، (في) تعلُّم (العلم) وتعليمه، هل هو مذموم أو ممدوح؟ فأشار إلى الأول بالأثر، وإلى الثاني بالحديث، وأطلق عليه الحياء؛ مجازًا.

(وقال مجاهد) بن جبر التابعي مما وصله أبو نعيم في «الحلية» بإسناد صحيح على شرط المؤلف: (لا يتعلم العلم مستحْيِيْ)؛ بإسكان الحاء المهملة، وبيائين؛ ثانيهما ساكنة، من استحى يستحي، فهو مستحيي على وزن (مستفعل)، ويجوز فيه: مستحي؛ بياء واحدة من استحى، فهو مستحي على وزن (مستفع)، ويجوز: مستح؛ بدون الياء على وزن (مستف)، فحذفت منه عين الفعل ولامه، وتمامه في «عمدة القاري»، و (لا) هذه نافية، والفعل بعدها مرفوع، (ولا مستكبر)؛ أي: متعظم في نفسه، فآفات العلم أعظمها: الاستنكاف، وثمرته: الجهل والذلة في الدنيا والآخرة، فالحياء هنا مذموم، وسئل إمامنا رئيس المجتهدين الإمام الأعظم رضي الله عنه: بمَ حصلت هذا العلم العظيم الذي شاع في الأمصار والأقطار؟ فقال: ما بخلت بالإفادة ولا استنكفت عن الاستفادة، رضي الله تعالى عنه.

(وقالت عائشة) رضي الله عنها مما وصله أبو داود ومسلم، وهو عطف على (وقال مجاهد)، فكلُّ واحد تعليق على حدة، ليس لأحدهما تعلق بالآخر، خلافًا لمن زعمه، (نِعم النساءُ نساءُ الأنصار)؛ برفع (نساء) في الموضعين، فالأولى: على الفاعلية، والثانية: على أنها مخصوصة بالمدح، والمراد من نساء الأنصار: نساء أهل المدينة، كذا قاله في «عمدة القاري».

(لم يمنعهن الحياءُ)؛ بالرفع فاعله عن (أن يتفقهن)؛ أي: عن التفقه (في) أمور (الدين) فـ (أن) مصدرية، فالحياء هنا مذموم؛ لكونه سببًا لترك أمور الشرع المطلوب تعلمها وتحصيلها.

[حديث: يا رسول الله إن الله لا يستحيي من الحق]

١٣٠ - وبه قال: (حدثنا محمد بن سلَام)؛ بتخفيف اللام، البيكندي، (قال: أخبرنا) وفي رواية: (أنبأنا)، (أبو معاوية) : محمد بن خازم؛ بالمعجمتين، التميمي، (قال: حدثنا هشام) : زاد في رواية: (ابن عروة)، (عن أبيه) : عروة بن الزبير بن العوام، (عن زينب بنت) : وفي رواية: (ابنة)، (أم سلمة) : نسبة لأمها؛ لشرفها؛ لأنَّها ربيبته عليه السلام، وإلَّا فأبوها عبد الله بن عبد الأسد المخزومي أبي سلمة، توفيت (٢) سنة ثلاث وسبعين.

(عن أم سلمة) : هند بنت أبي أمية زوج النبي الأعظم عليه السلام، (قالت: جاءت أم سُلَيم)؛ بضم السين المهملة وفتح اللام، بنت مِلْحان؛ بكسر الميم، وسكون اللام، وبالحاء المهملة والنون، النجارية الأنصارية، واسمها: سهلة، أو رميلة، أو رميثة؛ بالراء فيهما وبالمثلثة في الثاني، تزوجها مالك بن النضر؛ بالضاد المعجمة، أبو أنس بن مالك، فولدت له أنسًا، ثم قتل عنها مشرك، فأسلمت، فخطبها أبو طلحة وهو مشرك، فأبت، ودعته إلى الإسلام، فأسلم، فقالت: إنِّي أتزوجك ولا آخذ منك صداقًا؛ لإسلامك، فتزوجها.

(إلى رسول اله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله؛ إن الله) عزَّ وجلَّ (لا يستحيي) : جملة محلها الرفع خبر (إن)، وهو باليائين على أفصح، (من الحق) : ضد الباطل؛ أي: لا يمتنع من بيان الحق، فكذا أنا لا أمتنع من سؤالي عما أنا محتاجة إليه مما تستحي النساء عادة من السؤال عنه؛ لأنَّ نزول المني منهن يدل على شدة شهوتهن للرجال، فالحياء محال على الله عزَّ وجلَّ فيكون هذا جاريًا على سبيل الاستعارة التبعية التمثيلية، كما في حديث سلمان قال: قال عليه السلام: «إن الله حيي كريم، يستحي إذا رفع العبد يديه؛ أن يردهما صفرًا حتى يضع فيهما خيرًا»، وتمامه في «عمدة القاري».

(فهل) : للاستفهام، يجب (على المرأة)، وكذا على الرجل؛ لأنَّ حكمه عليه السلام على الواحد كحكمه على الجماعة إلا إذا دلَّ دليل على التخصيص، (من) : زائدة، (غُسل)؛ بضم الغين المعجمة، وفي رواية: بفتح الغين وبالكسر: اسم ما يغسل به كالصابون، وأكثر أهل اللغة على أن الغسل بالفتح والضم: مصدران، وبعضهم فرق بينهما بأن الفتح: مصدر، والضم: اسم للفعل المشهور؛ أي: هل غسل يجب على المرأة (إذا) هي (احتلمت) مشتق من الحُلُم؛ بالضم، وهو ما يراه النائم؛ أي: رأت في منامها أنها تجامع، (قال) وفي رواية: (فقال)، (النبي) الأعظم، وفي رواية: (رسول الله)، (صلى الله عليه وسلم) : يجب عليها الغسل (إذا) : ظرف بمعنى: حين (رأت الماء)؛ أي: المني إذا انتبهت، ويجوز أن تكون (إذا) شرطية؛ تقديره: إذا رأته؛ وجب عليها الغسل، و (الماء) : منصوب بقوله: (رأت) من رؤية العين، وجعل المني شرطًا للغسل؛ يدل على أنَّها إذا لم تر الماء؛ لا غسل عليها كالرجل، وهو ظاهر الرواية عن الإمام الأعظم، وعليه الفتوى.

وقيل: يلزمها الغسل بالاحتلام وإن لم تر الماء إذا وجدت اللذة؛ لأنَّ الماء ينزل من صدرها إلى رحمها بخلاف الرجل؛ حيث يشترط ظهور المني حقيقة.

قالت زينب: (فغطت أم سُلَيم) رضي الله عنها، فالحديث ملفق من رواية صحابيتين، وهذا هو الظاهر، ويحتمل أن يكون من أم سلمة على سبيل الالتفات، كأنها جردت من نفسها شخصًا، فأسندت إليه التغطية؛ إذ أصل الكلام: فغطيْتُ، قال عروة أو غيره من الرواة: (تعني وجهَها)؛ بالمثناة الفوقية، ونصب (وجهَها) وهذا إدراج من عروة ظاهر، أو من غيره فيكون إدراج في إدراج.

(وقالت) أم سلمة: (يا رسول الله؛ وتحتلم المرأة؟) بحذف همزة الاستفهام، وللكشميهني: (أو تحتلم)؛ بإثباتها، عطف على مقدر يقتضيه السياق؛ أي: أتقول ذلك أو أترى المرأة الماء وتحتلم؟ (قال) عليه السلام: (نعم)؛ تحتلم وترى الماء، (ترِبت يمينكِ)؛ بكسر الراء والكاف: فعل وفاعله، والجملة خبرية؛ أي: افتقرت وصارت على التراب، فهي كلمة جارية على ألسنة العرب لا يريدون بها الدعاء على المخاطب ولا وقوع الأمر بها كما يقولون: قاتله الله، وقيل: أراد بها المثل، يرى المأمور بذلك الجد، وأنه إن خالفه؛ فقد أساء، وما زعمه ابن حجر ردَّه في «عمدة القاري».

(فبم) : أصله: فبما؛ فحذفت الألف، (يشبهها ولدها؟)؛ بالرفع فاعل، وفي «الصحيح» من حديث أنس: «فمن أين يكون الشبه؟ ماء الرجل غليظ أبيض، وماء المرأة رقيق أصفر، فمن أيها علا أو سبق يكون منه الشبه»، وفي حديث عائشة: «وهل يكون الشَّبه إلا من قبل ذلك، إذا علا ماؤها ماء الرجل؛ أشبه الولد أخواله، وإذا علا الرجل ماءها؛ أشبه أعمامه.

وهذا الحديث جاء عن جماعة


(١) في الأصل: (ذا).
(٢) في الأصل: (توفت).

<<  <   >  >>