للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

في اللفظ.

(قال)؛ أي: إسماعيل بن [أبي] خالد، (سمعت قيس بن أبي حازم)؛ بالحاء المهملة والزاي، (قال: سمعت عبد الله بن مسعود) رضي الله عنه؛ أي: كلامَه حالَ كونِه (قال: قال النبي) الأعظم (صلى الله عليه وسلم: لا حسدَ)، فـ (لا) لنفي الجنس، و (حسد) اسمه مبني على الفتح، وخبرُه محذوف؛ أي: جائز، (إلَّا في اثنتين) بتاء التأنيث؛ أي: خصلتين، وللمؤلف: (اثنين) بغير تاء؛ أي: شيئين (رجلٌ) بالرفع على تقدير: إحدى الاثنتين خصلةُ رجلٍ، فلمَّا حذف المضاف اكتسب المضاف إليه إعرابَه، والنصب على إضمار (أعني رجلًا)، وهي رواية ابن ماجه، والجرُّ على أنَّه بدل من (اثنين) (١)، وعلى رواية (اثنتين) بالتاء؛ فهو بدل أيضًا على تقدير حذف المضاف؛ أي: خصلةُ رجلٍ؛ لأنَّ (اثنتين) معناه: خصلتين، كما مر، (آتاه الله) بالمدِّ؛ أي: أعطاه (مالًا) من الحلال (فسُلِّط) بضمِّ السين، وفي رواية: (فسلَّطه) بالهاء، وعبَّر بـ (سلَّط)؛ ليدُلَّ على قهر النفس المجبولة على الشُّحِّ (على هلَكَته) بفتح اللام والكاف؛ أي: إهلاكه (في الحق) لا في التبذير.

(ورجلٌ) بالأوجه الثلاثة (آتاه الله) بالمدِّ أيضًا؛ أي: أعطاه، (الحكمة)؛ أي: القرآن، كما في حديث أبي هريرة: «لا حسد إلَّا في اثنتين؛ رجل علمه الله القرآن فهو يتلوه آناء الليل والنهار، ورجل آتاه الله مالًا فهو يهلكه- وفي رواية: ينفقه- في الحق»، (فهو يقضي بها) بين الناس، (ويعلمها) لهم، أطلق الحسد وأراد الغبطة، من باب إطلاق اسم المسبب على السبب، ومعنى الحسد هنا: شدة الحرص والرغبة، كنَّى بالحسد عنهما؛ لأنَّهما سببه والداعي إليه، ولهذا سماه المؤلف اغتباطًا، ويدُلُّ له ما ذكره المؤلف في (فضائل القرآن) من حديث أبي هريرة ولفظه: «فقال: ليتني أوتيت مثل ما أوتي فلان، فعملت مثل ما يعمل»، فلم يتمنَّ السلب، وإنَّما تمنَّى أن يكون مثلَه، وقد تمنَّى ذلك الصالحون والأخيار.

وفيه قول بأنَّه تخصيصٌ لإباحة نوع من الحسد، وإخراجٌ له عن جملة ما حُظر منه، كما رُخِّص في نوع من الكذب وإن كانت جملتُه محظورة، فالمعنى: لا إباحة في شيء من الحسد إلَّا فيما كان هذا سبيله؛ أي: لا حسد محمودٌ إلَّا هذا، وقيل: إنَّه استثناء منقطع بمعنى: لكن في اثنين، وإذا أنعم الله على أخيك نعمةً فكرهتها وأحببتَ زوالَها فهو حرام، إلَّا نعمة أصابها كافر، أو فاجر، أو مَن يستعين بها على فتنة أو فساد، ويُستدَلُّ بهذا الحديث على أنَّ الغنيَّ الشاكر الذي قام بشروط المال أفضلُ من الفقير الصابر، وتمامه في «عمدة القاري».

(١٦) [باب ما ذكر في ذهاب موسى في البحر إلى الخضر]

هذا (باب ما ذَكر في ذهاب)؛ بالفتح (موسى) وفي رواية زاد: (صلى الله عليه وسلم) هو ابن عمران بن يصهر بن قاهت بن لاوي بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم، قيل: عاش مئة وعشرين (٢) سنة، وقيل: مئة وستين (٣) سنة، وكانت وفاته في التيْه في سابع آذار لمضيِّ ألف سنة وست مئة وعشرين سنة من الطُّوفان، وموسى: معرَّب موشى؛ بالشين المعجمة، سمَّته به آسية بنت مُزاحم امرأة فرعون لمَّا وجدوه في التابوت، وهو اسم اقتضاه حاله؛ لأنَّه وجد بين الماء والشجر، فـ (مو) بلغة القبط: الماء، و (شى) : الشجر، فعُرِّب فقيل: موسى.

(في البحر) خلاف البَرِّ، سُمِّي به؛ لعمقه واتِّساعه، وهو ملتقى بحر فارس والروم، وقيل: بحر المغرب وبحر الزُّقاق، فبحر فارس ينبعث من بحر الهند شمالًا، وبحر الروم: هو بحر إفريقية والشام يمتد من البحر الأخضر إلى المشرق، وبحر إفريقية: هو بحر طرابلس الغرب، وبحر الغرب: هو البحر الأخضر الذي لا يُعرف منه إلَّا ما يلي الغرب؛ لأنَّ المراكب لا تجري فيه، وبحر الزُّقاق بين طَنجة وبرِّ الأندلس.

(إلى الخَضِر عليهما السلام)؛ بفتح الخاء وكسر الضاد المعجمتين، وقد تسكَّن الضاد مع كسر الخاء وفتحها، واسمه بَلْيا؛ بفتح الموحدة، وسكون اللام، آخره مثناة تحتية، ويقال: إبَلْيا بزيادة الهمزة، وقيل: اسمه خضر، وقيل: أرميا، وقيل: اليسع، وقيل: عامر، والمشهور الأول، وهو ابن مَلْكان؛ بفتح الميم وإسكان اللام، ابن فالغ بن عابر بن شالخ بن أرفخشد بن سام بن نوح عليه السلام، وقيل: خضرون بن عمائيل بن الغنز بن العيص بن إسحاق بن إبراهيم عليه السلام، وقيل: هو ابن حلفياء، وقيل: ابن قابيل ابن آدم، وقيل: ابن آدم لصلبه.

وكان في زمن ذي القرنين الأكبر الذي كان في زمن إبراهيم، وكان وزيره، وإنَّه شرب من ماء الحياة، والصحيح: أنَّه كان متقدِّمًا على زمن ذي القرنين.

وهو نبيٌّ على الصحيح، وقيل: إنَّه وليٌّ، وقيل: إنَّه من الملائكة، وهو غريب، وقيل: إنَّه مرسَل، فهو نبيٌّ معمَّر محجوبٌ عن الأبصار على الصحيح، وأنَّه باق إلى يوم القيامة، قيل: لأنَّه دَفن آدم بعد خروجهم من الطوفان، فنالتْه دعوة أبيه آدم بطول الحياة، وقيل: لأنَّه شرب من عين الحياة، والقول بحياته قولُ جمهور العلماء، والصالحين، والعامة، وأنكر حياته المؤلف وغيرُه من المحدِّثين، وقيل: لا يموت إلَّا في آخر الزمان حتى يرتفع القرآن، وفي «مسلم» : (أنَّ الدجَّال يقتل رجلًا) قال الراوي: إنَّه الخَضِر.

(فإن قلت) : إنَّ الترجمة تُفيد أنَّ موسى ركب البحر لمَّا توجَّه في طلب الخَضِر، مع أنَّه ثبت عند المؤلف أنَّه خرج إلى البحر وإنَّما ركب في السفينة هو والخَضِر بعد أن التقيا.

(أجيب) : بما روى عبدُ بن حُميد عن أبي العالية: (أنَّ موسى التقى بالخَضِر في جزيرة من جزائر البحر) اهـ، والتوصُّل إلى جزيرة في البحر لا يقع إلَّا بسلوك البحر، وبما رواه أيضًا من طريق الرَّبيع بن أنس قال: (انجابَ الماء عن مسلك الحوت فصار طاقة مفتوحة فدخلها موسى على أثر الحوت حتى انتهى إلى الخَضِر)، فهذان الأثران الموقوفان برجال ثقات يوضِّحان أنَّه ركب البحر إليه، كذا في «عمدة القاري»؛ فليحفظ.

(و) باب (قوله تعالى: {هَلْ أَتَّبِعُكَ}) حكايةً عن خطاب موسى الخَضِر عليهما السلام، سأله أن يعلِّمَه من العلم الذي عنده ممَّا لم يقف عليه موسى، وكان له ابتلاءً؛ حيث لم يَكِل العلم إلى الله تعالى، وهو لا ينافي نبوَّتَه وكونَه صاحبَ شريعةٍ؛ لأنَّه راعى الأدب والتَّواضع فاستجهل نفسه واستأذن أن يكون تابعًا له.

({عَلَى أن تُعَلِّمَنِ...})؛ أي: على شرط أن تعلمني، وهو في موضع الحال من الكاف، (الآية [الكهف: ٦٦]) بالنصب على تقدير: اذكر الآية، وبالرفع على أن يكون مبتدأ محذوف الخبر؛ أي: الآية بتمامها، وزاد الأصيلي باقي الآية؛ وهو قوله: {مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا} [الكهف: ٦٦]؛ أي: علمًا ذا رُشْد، وهو إصابة الخير، وقرأ يعقوب وأبو عمرو وغيرُهما: بفتحهما (٤)، وهما لغتان، وهو مفعول {تُعَلِّمَنِ}، ومفعول {عُلِّمْتَ} العائد محذوف، وكلاهما منقول من (عَلِمَ) الذي له مفعول واحد، ويجوز أن يكون علة لـ {أَتَّبِعُكَ}، أو مصدرًا بإضمار فعله.

[حديث: بينما موسى في ملإ من بني إسرائيل]

٧٤ - وبه قال: (حدثني) بالإفراد، وفي رواية: بالجمع، (محمد بن غُرَير)؛ بغين معجمة مضمومة، وراء مكررة، الأولى منهما مفتوحة، بينهما مثناة تحتية ساكنة، ابن الوليد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف، أبو عبد الله القرشي (الزهريِّ) المدني، نزيل سمرقند.

(قال: حدثنا يعقوب بن إبراهيم) بن سعد، أبو يوسف القرشي المدني الزهري، المتوفى ببغداد، سنة ثمان ومئتين في شوال، (قال: حدثني) بالإفراد، وفي رواية: بالجمع، (أبي) : إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف، أبو يعقوب القرشي المدني الزهري، شيخ محمد بن إدريس الشافعي (عن صالح) بن كَيسان؛ بفتح الكاف، التابعي، المتوفى وهو ابن مئة ونيف وستين سنة، ابتدأ بالتعليم وهو ابن تسعين سنة، (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري أنه (حدَّث)، وفي رواية: (حدثه)، (أنَّ عُبيد الله)؛ بالتصغير، (ابن عبد الله)؛ بالتكبير، ابن عُتبة (أخبره عن ابن عباس) عبد الله رضي الله عنه، (أنَّه تمارى)؛ أي: تجادل وتنازع، (هو)؛ أي: ابنُ عباس، (والحُرُّ)؛ بضم الحاء المهملة وتشديد الراء، (ابن قَيْس)؛ بفتح القاف، وسكون التحتية، آخره مهملة، (ابن حِصْن)؛ بكسر الحاء وسكون الصاد المهملتين، الصحابي (الفَزاري)؛ بفتح الفاء، والزاي، ثم الراء، نسبةً إلى فزارة بن شيبان (في صاحب موسى) عليه السلام، هل هو الخَضِر أم غيره؟ (فقال ابن عباس) رضي الله عنهما: (هو خضر)؛ بفتح أوله وكسر ثانيه، أو بكسر أوله وإسكان ثانيه،


(١) في الأصل: (اثنتين)، ولعل المثبت هو الصواب.
(٢) في الأصل: (عشرون).
(٣) في الأصل: (ستون).
(٤) أي: فتح الراء والشين؛ أي: (رَشَدًا).

<<  <   >  >>