للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

بأن قصارى فهم هذا القائل أنه ليس من عطف العام على الخاص، ثم أضرب عنه إلى بيان العموم والخصوص من وجه بين هذه الأشياء، ولم يبيِّن وجه العطف ما هو، وقد وقع في بعض النسخ بعد قوله: (والحجارة) : (والتَّور)؛ بفتح المثناة فوق، قال الجوهري: (هو إناء يشرب فيه)، زاد العلامة المطرزي: (صغير)، وفي «المغيث» : (هو إناء شبه إجانة من صفر أو حجارة يتوضأ فيه ويؤكل (١) فيه، وقيل: هو مثل قدح من الحجارة)، كذا في «عمدة القاري».

وما شرحنا عليه من قوله: (من المِخْضَبِ) أحسن؛ لأنَّها أنسب بالمعطوفات، وفي رواية: (في المخضب)، ولم يطلع ابن حجر على رواية: (من المخضب)، فقال ما قال من التكلفات؛ فافهم.

[حديث أنس: حضرت الصلاة فقام من كان قريب الدار]

١٩٥ - وبه قال: (حدثنا عبد الله بن مُنِيْر)؛ بضم الميم، وكسر النُّون، وسكون التحتية، آخره راء، الحافظ الزاهد السهمي المروزي، المتوفى سنة إحدى وأربعين ومئتين، قال في «عمدة القاري» : (ووقع في رواية الأصيلي: «ابن المنير»؛ بالألف واللام)، قال: (قلت: يجوز كلاهما، كما عرف في موضعه، وقد يلتبس هذا بابن المُنَيِّر الذي له كلام في تراجم البخاري، وهو بضم الميم، وفتح النُّون، وتشديد التحتية، وهو متأخر عن ذلك بزهاء أربعمئة سنة، وهو أبو العباس أحمد بن أبي المعاني محمد كان قاضي إسكندرية وخطيبها) انتهى: (أنه سمع عبد الله بن بَكْر)؛ بفتح الموحدة وسكون الكاف، أبا وهب البصري، نزل بغداد وتوفي بها سنة ثمان ومئتين في خلافة المأمون (قال: حدثنا حُمَيد)؛ بالتصغير، ابن أبي حميد الطويل، المتوفى وهو قائم يصلي سنة ثلاث وأربعين ومئة، (عن أنس)؛ أي: ابن مالك رضي الله عنه (قال: حضرت الصلاة)؛ أي: صلاة العصر، وكان بالمدينة، (فقام من كان) في محل الرفع فاعل (قام) (قريب الدار إلى أهله) يتعلق بقوله: (فقام)، وذلك القيام كان لتحصيل الماء والتوضؤ به، (وبقي قوم)؛ أي: عند النبي الأعظم عليه السلام في مجلسه، ولم يكونوا على الوضوء أيضًا، وإنما توضؤوا من المخضب الذي أُتي به رسول الله عليه السلام، ولذا قال: (فأُتي)؛ بضم الهمزة على صيغة المجهول (رسول الله صلى الله عليه وسلم بمِخْضَب)؛ بكسر الميم، وسكون الخاء المعجمة، وفتح الضَّاد المعجمة، آخره موحدة: إناء متخذ (من حجارة) كلمة (من) للبيان، (فيه ماء)، لكنه قليل، (فصغُر) بضم الغين المعجمة (المخضب أن يبسُط) بضم السين المهملة (فيه كفه) الشريف؛ أي: لم يسع بسط الكف فيه؛ لصغره، وقد علم من ذلك: أن المخضب يكون من حجارة وغيرها، ويكون صغيرًا وكبيرًا، وفي رواية: (فلم يستطع أن يبسط كفَّه من صغر المخضب)؛ أي: لأن يبسط، وكلمة (أن) مصدرية؛ أي: بسط الكفِّ فيه، (فتوضَّأ القوم)؛ أي: القوم الذين بقوا عند النبي الأعظم عليه السلام، ويحتمل العموم، ولعلَّ من ذهب لم يجد ماء للوضوء (كلهم) من ذلك المخضب الصغير، (قلنا)، وفي رواية: (فقلنا)، وفي أخرى: (فقلت)، وهو من كلام حميد الطويل الراوي عن أنس رضي الله عنه: (كم كنتم؟) مميز (كم) محذوف؛ تقديره: كم نفسًا كنتم؟ (قال) أي: أنس: (ثمانين)؛ أي: كنَّا ثمانين نفسًا (وزيادة) على الثمانين، فـ (ثمانين) منصوب؛ لأنَّه خبر الكون المقدر هو واسمه؛ لدلالة الكلام عليه، وفي الحديث: دلالة على معجزة عظيمة للنبي الأعظم عليه السلام، وأسألك بجاهه عندك أن تفرِّج عنا، وعن المسلمين يا أرحم الراحمين، وفيه: استحباب التهيؤ للوضوء عند حضور الصلاة، والله تعالى أعلم.

[حديث: أن النبي دعا بقدح فيه ماء فغسل يديه ووجهه فيه ومج فيه]

١٩٦ - وبه قال: ([حدثنا] محمد بن العَلَاء) بالمهملة المفتوحة وبالمد (قال: حدثنا أبو أُسَامة)؛ بضم الهمزة، وتخفيف السين المهملة، حماد بن أسامة، (عن بُرَيْد)؛ بضم الموحدة، وفتح الرَّاء، وسكون التحتية، هو ابن عبد الله، (عن أبي بُرْدة)؛ بضم الموحدة، وسكون الرَّاء: الحارث أو عامر، أو اسمه كنيته، (عن أبي موسى) : عبد الله بن قيس الأشعري رضي الله عنه، وهذا الإسناد بعينه تقدم في باب (فضل من علم وعلم)، ولا تفاوت إلا في لفظ: (حماد)، فإنه ذكر هنا بالكنية، وثَمَّة بالاسم، كذا في «عمدة القاري» : (أن النبي) الأعظم (صلى الله عليه وسلم دعا بقَدَح)؛ أي: طلب قدحًا (فيه ماء)؛ جملة اسمية في موضع الجر؛ لأنَّها صفة لـ (قدح)، (فغسل يديه)؛ بالتثنية، الفاء للعطف على (دعا) (ووجهَه)؛ بالنصب عطف على قوله: (يديه) (فيه)؛ أي: في القدح، (ومجَّ)؛ بتشديد الجيم؛ أي: صبَّ (فيه)؛ أي: في القدح، يقال: مجَّ لعابه؛ إذا قذفه، وهذا يدل على أن الغَسل -بفتح الغين المعجمة- لا على الغُسل -بضمها- ولا على الوضوء منه، وفيه: دلالة على جواز الشرب منه، وكذا الإفراغ منه على الوجوه والنحور، كما سبق في هذا الحديث.

وهو كسابقه ولاحقه يدلُّ على جواز استعمال الأواني كيفما كانت إلا ما خرج منها لأدلة، قال في «عمدة القاري» : (الأواني كلها سواء كانت من الخشب أو من جواهر الأرض طاهرة، فلا كراهة في استعمالها للأكل والشرب إلا آنية الذهب والفضة، فيُكْرَهُ الأكل والشرب والتوضؤ في آنية الذهب والفضة، ولو توضَّأ فيه؛ أجزأه وقد أساء، هذا مذهب الإمام الأعظم، ومالك، وإسحاق، وأبو ثور، والشافعي، وغيرهم، والمراد بالكراهة: التحريم، وأما المتصفر؛ فلا بأس بالأكل والشرب منه والتوضؤ فيه، ذكر أبو عبيد عن ابن سيرين: «كانت الخلفاء يتضؤون في الطست»، وعن الحسن: «رأيت عثمان بن عفان يصبُّ عليه من إبريق»؛ يعني: نحاسًا، قال أبو عبيد: وعلى هذا أمر الناس في الرخصة والتوسعة في الوضوء في آنية النحاس وأشباهه من الجواهر إلا ما روي عن ابن عمر من الكراهة، وذكر ابن أبي شيبة عن يحيى بن سليم عن ابن جريج قال: قال معاوية: كرهت أن أتوضأ في النحاس، وقال ابن بطال: «وقد وجدت عن ابن عمر: أنه توضأ في النحاس، وهذه الرواية أقرب إلى الصواب»، وفي «الأشراف» : «ما علمت أن أحدًا كَرِهَ الوضوء في آنية الصُّفر، والنحاس، والرصاص، وشبهه، والأشياء على الإباحة إلا ما روي عن ابن عمر»، قلت: وقد علمت ما قاله ابن بطال، وفي «سنن أبي داود» بسند ضعيف عن عائشة قالت: «كنت أغتسل أنا ورسول الله عليه السلام في تَوْرٍ من شَبَه»، وفي «مسند» أحمد بسند صحيح عن زينب بنت جحش: «نه عليه السلام كان يتوضأ من مِخْضَب من صُفر»، والصُّفر؛ بضم الصَّاد المهملة: هو النحاس الجيد، قال أبو عبيد: كسر الصَّاد فيه لغة، ولم يُجِزْهُ غيره، ويقال له: الشَبَه أيضًا -بفتحتين- لأنَّه يشبه الذهب) انتهى ملخصًا، والله تعالى أعلم.

اللهم إني أسألك أن تفرِّج عنا وعن المسلمين بجاه سيد المرسلين وحبيب ربِّ العالمين، واكشف يا ربَّنا هذا البلاء، وأبدله فرحًا وسرورًا برحمتك يا أرحم الراحمين.

[حديث: أتاتا رسول الله فأخرجنا له ماء في تَوْر من صُفر فتوضأ]

١٩٧ - وبه قال: (حدثنا أحمد ابن يونس) نسبه لجده؛ لشهرته به، وإلا؛ فهو أحمد بن عبد الله بن يونس (قال: حدثنا عبد العزيز ابن أبي سلَمة)؛ بفتح اللام، الماجَشون -بفتح الجيم- نسبه لجده أيضًا لشهرته به، وإلا؛ فهو عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة، فأحمد وعبد العزيز؛ كلاهما منسوبان إلى جدهما، واسم أب كلٍّ منهما عبد الله، وكنية كلٍّ منهما أبو عبد الله، وكلٌّ منهما ثقة حافظ فقيه، كذا في «عمدة القاري» (قال: حدثنا عَمرو بن يَحيى) بفتح أولهما، (عن أبيه) يحيى بن عمارة، (عن عبد الله بن زيد) الأنصاري الصحابي الجليل رضي الله عنه (قال: أَتى)؛ بفتح الهمزة على البناء للفاعل، وفي رواية: (أتانا) (رسول الله)، وفي رواية: (النبي) الأعظم (صلى الله عليه وسلم)؛ أي: إلى دارنا، (فأخرجنا) من الدار (له)؛ أي: للنبي الأعظم عليه السلام (ماء)؛ بالمد؛ لأجل الوضوء (في تَور) بالمثناة الفوقية المفتوحة (من) للبيان (صُفر)؛ بضم الصَّاد المهملة، وقد تُكْسَر؛ أي: من نحاس أصفر، وقدَّمنا عن الجوهري: (أن التور: هو إناء يشرب فيه)، وزاد في «المغرب» : صغير، وفي «المغيث» : إناء شبه إجانة من صُفْر أو حجارة يُتَوَضَّأُ فيه ويُؤْكَل، وقال ابن قرقول (٢) : (هو مثل القدح من الحجارة)، وقوله: (في تور من صفر) زيادة عبد العزيز، قال الكرماني: (فإن قلت: لم يذكر في الترجمة


(١) في الأصل: (ويكل).
(٢) في الأصل: (قرقور)، وهو تحريف عن المثبت.

<<  <   >  >>