للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

(ابن صُرَد)؛ بضمِّ الصاد المهملة، وفتح الراء، بعدها دال مهملات، من أفاضل الصحابة، الخزاعي الصحابي ابن الصحابي، سكن الكوفة أول ما نزل بها المسلمون، خرج أميرًا في أربعة آلاف يطالبون (١) بدم الحسين رضي الله عنه سموا: بالتوابيين، وهو أميرهم، فقتله عسكر عبيد الله بن زياد بالجزيرة سنة خمس وستين (قال: حدثني) بالإفراد (جُبَيْر)؛ بضمِّ الجيم، وفتح الموحدة، وسكون التحتية، آخره راء (بن مُطعِم)؛ بلفظ الفاعل من الإطعام، القرشي النوفلي من سادات قريش، مات بالمدينة سنة أربع وخمسين (قال) أي: جبير (قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: «أمَّا»)؛ بفتح الهمزة، وتشديد الميم، حرف شرط وتفصيل وتوكيد، والدليل على الشرط لزوم الفاعل بعدها؛ نحو قوله تعالى: {فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ} [البقرة: ٢٦]، والتفصيل نحو قوله تعالى: {أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ} [الكهف: ٧٩]، {وَأَمَّا الغُلامُ} [الكهف: ٨٠]، {وَأَمَّا الجِدَارُ} [الكهف: ٨٢]، وأمَّا التوكيد؛ فقد ذكره جار الله الزمخشري، فإنَّه قال: (فائدة: «أمَّا» في الكلام للتوكيد، تقول: زيد ذاهب، فإذا قصدت ذلك، وأنَّه -لا محالة- ذاهب، وأنَّه بصدد الذهاب، وأنَّه منه عزيمة).

قلت: أمَّا زيد؛ فذاهب، وههنا هي أيضًا للتأكيد، فإذا كانت للتأكيد؛ فلا يحتاج إلى التقسيم، ولا يحتاج أن يقال: إنَّه محذوف، كذا حققه في «عمدة القاري».

وزعم الكرماني: أنَّ (أمَّا) للتفصيل، فأين قسيمه؟

قلت: اقتضاء التقسيم غير واجب، ولئن سلمنا؛ فهو محذوف يدل عليه السياق، روى مسلم في «صحيحه» : أنَّ الصحابة تماروا في صفة الغسل عند رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، فقال صلَّى الله عليه وسلَّم: «أمَّا أنا؛ فأفيض»؛ أي: وأمَّا غيري؛ فلا يفيض، أو فلا أعلم حاله كيف يعمل.

ورده في «عمدة القاري» بأنَّه كلام من غير تحقيق، والتحقيق ما قدمناه، وأمَّا الذي رواه مسلم؛ فإنَّه من طريق أبي الأحوص، عن أبي إسحاق: تماروا في الغسل عند رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، فقال بعض القوم: (أمَّا أنا؛ فاغسل رأسي بكذا وكذا...)؛ فذكر الحديث.

وقال بعضهم: هذا هو القسيم المحذوف.

قلت: لا يحتاج إلى هذا؛ لأنَّ الواجب أن يعطى حق كل كلام بما يقتضيه الحال، فلا يحتاج إلى تقدير شيء من حديث روي من طريق لأجل حديث آخر في باب من طريق آخر) انتهى كلام «عمدة القاري».

والمراد بقوله: (بعضهم) : ابن حجر، فإنَّه تبع الكرماني في ذلك، ولا يخفى ما في كلامهما من عدم الاحتياج إليه؛ لأنَّه متعسف كما علمت (أنا فأُفيض)؛ بضمِّ الهمزة من الإفاضة؛ وهي الإسالة (على رأسي ثلاثًا)؛ أي: ثلاث أكف، وهكذا في رواية مسلم؛ والمعنى: ثلاث حفنات؛ كل واحدة منهن بملء الكفين، ويدل عليه ما رواه أحمد في «مسنده» : (فآخذ ملء كفي، فأصب على رأسي).

وما رواه أيضًا عن أبي هريرة: (كان رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يصب بيديه على رأسه ثلاثًا)، وفي «معجم الإسماعيلي» : أنَّ وفد ثَقيف سألوا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فقالوا: إنَّ أرضنا باردة، فكيف نفعل في الغسل؟ فقال: «أمَّا أنا؛ فأفرغ على رأسي ثلاثًا»، وفي «الأوسط» للطبراني مرفوعًا: «تفرغ بيمينك على شمالك، ثم تدخل يدك في الإناء، فتغسل فرجك، وما أصابك، ثم تتوضأ وضوءك للصلاة، ثم تفرغ على رأسك ثلاث مرات تدلك رأسك كل مرة»، وقال الداودي: (الحفنة باليد الواحدة)، وقال غيره: باليدين جميعًا، والحديث المذكور يدل عليه، والحفنة باليد الواحدة، وبما ذكرنا سقط قول بعضهم: إنَّ لفظة (ثلاثًا) محتملة للتكرار، ومحتملة أن تكون للتوزيع على جميع البدن، كذا قرره صاحب «عمدة القاري».

قلت: وقوله: (بعضهم) : المراد به: ابن حجر، فإنَّه ذكر في «شرحه» الاحتمالين، والذي دلت عليه الأحاديث إنَّما هو التكرار لا التوزيع، فإنَّ حديث الطبراني المتقدم صريح في الدلالة على التكرار فقط، فاحتمال التوزيع بعيد جدًّا، كما لا يخفى.

وزعم العجلوني (أنَّ السياق أشعر أنَّه عليه السلام لا يفيض إلَّا ثلاثًا، وأنَّ غيره المذكور كان يفيض أكثر منها أو أقل) انتهى.

قلت: وليس كذلك، فإنَّ السياق مشعر بأنَّه عليه السلام كان يفيض ثلاثًا فقط، وقوله: (وإنَّ غيره...) إلخ هذا ليس يفهم من الحديث أصلًا، فإنَّ معنى (أمَّا) التأكيد، كما علمت، ويدل لهذا ما تقدم عند أحمد، والإسماعيلي، والطبراني، فإنَّه يدل على أنَّه لا يشعر الحديث بما ادَّعاه، ورواية مسلم السابقة لا تدل على ما ادَّعاه أيضًا؛ لأنَّ المراد من قول بعض القوم (أمَّا أنا...) إلخ غسل الرأس فقط بدون إفاضة عليه وعلى جميع البدن، فهو خاص بالرأس، فعمَّم لهم عليه السلام بأنَّه يفيض على رأسه ثلاثًا وعلى سائر بدنه وهذا ظاهر، كما لا يخفى.

وقوله: (وأشار) أي: النبيُّ الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم (بيديه) الشريفتين بلفظ التثنية (كلتيهما) من كلام جبير بن مطعم، وفي رواية الكشميهني: (كلاهما)، وحكى ابن التين في بعض الروايات: (كلتاهما)، والأولى رواية الأكثرين.

قال صاحب «عمدة القاري» : كون كلتا وكلا عند إضافتهما إلى المضمر في الأحوال الثلاثة بالألف لغة من يراها تثنية، وأنَّ التثنية لا تتعين، كما في قول الشاعر:

إنَّ أباها وأبا أباها... . . . . . . . . .

وأمَّا وجه رواية الكشمهني: (كلاهما)؛ بدون الياء؛ فبالنظر إلى اللفظ دون المعنى)؛ انتهى.

وزعم ابن حجر: أنَّه يجوز الرفع فيها على القطع.

قلت: وهو فاسد، فإنَّ النحاة صرَّحوا بأنَّ ألفاظ التوكيد لا يجوز قطعها، بخلاف النعوت، فإنَّها يجوز فيها القطع إذا علم المنعوت، وهنا ليس كذلك؛ فافهم، وتمامه في «إيضاح المرام» فيما وقع في «الفتح» من الأوهام؛ فيراجع.

قال في «عمدة القاري» : (ويستنبط من الحديث: أنَّه يكون الغسل ثلاث مرات، وعليه إجماع العلماء، وأمَّا الفرض فيه؛ فغسل سائر البدن بالإجماع، وفي المضمضة والاستنشاق خلاف، والجمهور على أنَّهما فرضان)، وقال النووي: (لا نعلم خلافًا في استحباب التكرار في الغسل إلا ما تفرد به الماوردي، وهو شاذٌّ، ورد عليه: بأنَّ أبا علي السنجي قاله أيضًا، ذكره في «شرح الفروع»، فلم يتفرد به، وتمامه فيه).

قلت: وقال علماؤنا: ثم يفيض الماء باديًا بالصبِّ على رأسه ثلاثًا مستوعبات، ويفيض الماء على سائر بدنه ثلاثًا يستوعب الجسد بكل واحدة منها، وهو سنة؛ للحديث، فإن لم يستوعب في كل واحدة؛ لم تحصل سنة التثليث، والأولى فرض، والثنتان بعدها سنتان على الصحيح كما في «الهندية»، و «السراج».

وقال في «الجوهرة» : (الثنتان سنة على الصحيح حتى لو لم يحصل بالثلاث استيعاب؛ يجب أن يغسل مرة بعد أخرى حتى يحصل، وإلا؛ فلم يخرج عن الجنابة، كما في «مجمع الأنَهر»، وما علمت من أنَّه يبتدأ بالرأس هو ما مشى عليه الإمام أبو الحسن القدوري، وهو ظاهر الرواية عن الإمام الأعظم، وهو الأصح؛ كما في أكثر المعتبرات، وهو ظاهر الأحاديث الصحيحة، وتمامه في «منهل الطلاب»، والله تعالى يلهمنا الصواب).

[حديث: كان النبي صلى الله عليه وسلم يفرغ على رأسه ثلاثًا]

٢٥٥ - وبه قال: (حدثنا) وفي رواية: (حدثني)؛ بالإفراد (محمَّد بن بَشَّار)؛ بفتح الموحدة، وتشديد الشين المعجمة، الملقب ببندار، قال في «عمدة القاري» : (وليس في «الصحيحين» محمَّد بن بشار غيره، وضبط بعضهم له بالمثناة، والسين المهملة؛ فخطأ ظاهر؛ فليحفظ) (قال: حدثنا غُنْدَر)؛ بضمِّ الغين المعجمة، وسكون النون، وفتح الدال المهملة على الأصح، واسمه: محمَّد بن جعفر البصري، وكان شعبة زوج أمه (قال: حدثنا شعبة) : هو ابن الحجاج، (عن مُخَوَّل)؛ بلفظ اسم المفعول من التخويل؛ بالخاء المعجمة، ويروى: بكسر الميم، وسكون الخاء المعجمة، وهاتان الروايتان عن أبي ذر، ورواية الأكثرين: بكسر الميم، ورواية ابن عساكر: بضمِّ الميم، ابن راشد -بالشين المعجمة- النهدي -بالنون-


(١) في الأصل: (يطلبون)، ولعل المثبت هو الصواب.

<<  <   >  >>