للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

قال: الذي ينبغي أن يكون بين المصلي وسترته قدر ما بين منبره والجدار القبلي، وقيل غير ذلك، تركناه؛ لأنَّه [لا] طائل تحته) انتهى.

قلت: أشار بهذا إلى ما قاله ابن حجر وعبارته بعد كلام الكرماني: (وأوضح منه ما ذكره ابن رشيد: أنَّ البخاري أشار بهذه التَّرجمة إلى حديث سهل الذي سبق في باب «الصلاة على المنبر»، فإنَّ فيه: «أنَّه عليه السَّلام قام على المنبر وصلى عليه»، فاقتضى أنَّ ذكر المنبر يؤخذ منه موضع قيام المصلي، فإنَّ أكثر أجزاء الصلاة حصلت على المنبر، ونزوله عن المنبر؛ لأنَّ الدرجة لم تسع قدر سجوده، ولما سجد في أعلاه؛ صارت الدرجة العليا سترة له) انتهى.

قلت: هذا تكلف وكونه-البخاري- أشار بترجمته إلى حديث سهل بعيد جدًّا؛ لأنَّه لو كان مراده هذا؛ لكان ذكر الحديث تحت ترجمته، وليس فيه اقتضاء كون المنبر قيام المصلي؛ لأنَّ المنبر ليس محلًّا للصلاة، ولا يسع المصلي عليه؛ لأنَّه درجات، فليس فيه مكان يسع أركان الصلاة، على أنَّه ليس لهذه التَّرجمة إشارة عليه ولا دلالة إليه، وهذا من هفوات ابن حجر وابن رشيد، ولهذا اعترضه العجلوني، فقال: (يتوقف في دعواه الأوضحية)؛ يعني: فإنَّه محل خفاء ظاهر من الحديث للتَّرجمة، وعلى كل حال؛ فكلامه لا طائل تحته؛ فافهم.

وفي الحديث: دلالة على استحباب القرب من السترة، ومذهب الأئمة الحنفية: أنَّ السنة ألَّا يزيد ما بين المصلي والسترة على ثلاثة أذرع من قدم المصلي كما بيناه.

وقال البغوي: (استحب أهل العلم الدنو من السترة بحيث يكون بينه وبينها قدر مكان السُّجود، وكذلك بين الصفوف).

وقول ابن الصلاح: (قدروا ممر الشاة بثلاث أذرع)، لا يخفى ما فيه من البعد؛ فافهم.

ومذهب الشَّافعي وأحمد كما قاله القسطلاني: أن يكون بين المصلي والسترة أقل من ثلاثة أذرع.

وقال ابن القاسم عن مالك: (ليس من الصَّواب أن يصلِّي وبينه وبين السترة صفان).

وروى ابن المنذر عن مالك: (أنَّه تباعد عن سترة وأن شخصًا قال له: أيها المصلي؛ ألا تَدْنُ من سترة، فمشى الإمام إليها وهو يقول: {وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُن تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا} [النساء: ١١٣]).

وجمع ابن التين بين حديث الباب وحديث بلال بما إذا قام؛ كان بينه وبين القبلة قدر ممر الشاة، وإذا سجد أو ركع؛ كان بينهما ثلاثة أذرع من موضع رجليه، ولم يحدَّ في ذلك مالك حدًّا إلا بقدر ما يركع فيه ويسجد، ويتمكن من دفع المار فيه، وقد سبق في الحديث الأول، والله تعالى أعلم بالصَّواب.

(٩٢) [باب الصلاة إلى الحربة]

هذا (باب) حكم (الصلاة إلى) جهة (الحَرْبة)؛ أي: المركوزة بين المصلي وبين القبلة، و (الحَرْبة) : بفتح الحاء، وإسكان الرَّاء المهملتين؛ وهي دون الرمح العريض النصل.

[حديث: أن النبي كان يركز له الحربة فيصلي إليها]

٤٩٨ - وبالسند إلى المؤلف قال: (حدثنا مسدد) هو ابن مسرهد البصري (قال: حدثنا يحيى) هو ابن سعيد القطان، (عن عبيد الله)؛ بالتصغير: هو ابن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب العمري القرشي المدني العدوي (قال: أخبرني) بالإفراد (نافع) هو مولى ابن عمر المدني، (عن عبد الله) زاد أبو ذر: (ابن عمر) هو ابن الخطاب رضي الله عنهما: (أنَّ النَّبي) الأعظم، بفتح الهمزة (صلى الله عليه وسلم كان يُركَز)؛ بِضَمِّ التحتية أوله مبنيًّا للمفعول، ولأبي ذر والأصيلي: بالفوقية، من الركز بالزاي؛ وهو الغرز في الأرض؛ أي: تُغرَز (له الحَرْبة)؛ أي: عند إرادته الصلاة.

وقال أهل السير: كانت للنبي الأعظم صلى الله عليه وسلم حربة دون الرمح يقال لها: العنزة، فكأنَّها صارت بالغلبة علمًا لها؛ قاله الشَّارح.

قلت: ويحتمل أنَّه أطلق عليها الحربة؛ لأنَّ برأسها حربة؛ من إطلاق البعض وإرادة الكل مجازًا، فإنَّ العنزة: هي العكازة، والغالب أن يكون برأسها حربة؛ وهي مقدار نصف الرمح كما قدمناه.

(فيصلِّي) أي: النَّبي الأعظم صلى الله عليه وسلم (إليها)؛ أي: يتوجه إليها ولا يصمد إليها صمدًا؛ لحديث أبي داود عن المقداد قال: (ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلِّي إلى عود، ولا عمود، ولا شجر إلا جعله على حاجبه الأيمن أو الأيسر، لا يصمد [له] صمدًا)؛ أي: لا يقابله مستويًا مستقيمًا، بل كان يميل عنه، فالسنة: أنَّ يجعل السترة على أحد حاجبيه، وهو مذهب رأس المجتهدين الإمام الأعظم رضي الله عنه؛ فافهم.

ومطابقة الحديث للتَّرجمة ظاهرة، وساقه في الباب قبله، وذكره هنا مختصرًا.

(٩٣) [باب الصلاة إلى العنزة]

هذا (باب) حكم (الصلاة إلى) جهة (العَنَزة)؛ بفتح العين المهملة والنُّون وبالزاي؛ أي: الحربة المركوزة بين المصلي وبين القبلة، وقيل: زُجُّها إلى أسفل، وهي نصف الرمح، وما قيل: إنَّها أقصر من الحربة؛ ممنوع؛ لتصريح أهل السير: بأنه عليه السَّلام كانت له حربة دون الرمح، يقال لها: العَنَزة، كما قدمناه؛ فافهم.

قيل: على المؤلف حذف أحد البابين؛ لوجود التكرار.

وأجيب: بأنَّه لا تكرار لهذا الباب مع سابقه، وفيه تأمل؛ فافهم.

[حديث: خرج علينا رسول الله بالهاجرة فأتي بوضوء]

٤٩٩ - وبالسند إلى المؤلف قال: (حدثنا آدم)؛ بالمد: هو ابن أبي إياس (قال: حدثنا شعبة) هو ابن الحجاج (قال: حدثنا عَون) بفتح العين المهملة وبالنُّون (بن أبي جُحيفة) بِضَمِّ الجيم مصغرًا (قال: سمعت أبي)؛ أي: أبا جُحيفة، واسمه وهب بن عبد الله السُّوائي (قال) وللأصيلي: (يقول) : (خرج علينا رسول الله) : ولأبوي ذر والوقت: (النَّبي) الأعظم (صلى الله عليه وسلم) أي: إلى الصحراء ونحن هناك (بالهاجرة)؛ أي: فيها؛ وهي وقت اشتداد الحر عند الظهيرة، (فأُتي) بِضَمِّ الهمزة مبنيًّا للمفعول (بوَضوء)؛ بفتح الواو؛ أي: ماء للوضوء (فتوضأ)؛ أي: النَّبي الأعظم صلى الله عليه وسلم؛ أي: وضوءه للصلاة (فصلى) بالفاء، وفي رواية: بالواو (بنا) أي: معشر الصَّحابة (الظُّهرَ والعصرَ)؛ بالنصب على المفعولية والعطف؛ أي: صلى الظُّهر أولًا في وقتها، فلما فرغ منها؛ دخل وقت العصر، فقام فصلى بهم العصر، فتكون صلاته في وقتين حقيقة، وإنَّما عبر عنهما بوقت واحد ظاهرًا مجازًا؛ لقرب وقتهما، ولقلة الزمن بينهما، لا أنَّه عليه السَّلام جمع بينهما بوقت واحد كما يتوهمه المخالفون؛ لأنَّه ليس في الحديث ما يدل عليه؛ لأنَّه لما خرج بالهاجرة -وهي اشتداد الحر-، وهو قرب العصر؛ فاشتغل بالوضوء وصلاة الظُّهر، وهو يحتمل المدة، فلما فرغ من ذلك؛ دخل وقت العصر وهو في صلاة الظهر، أو حين فرغ منها، والصلاة إذا وقعت تحريمتها في الوقت؛ فهي أداء لا قضاء، وهذا ظاهر لمن له أدنى وقوف على معرفة

<<  <   >  >>