للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

لا دليل عليه؛ فافهم.

قلت: ويستنبط من هذا الحديث أمور؛ الأول: افتراض الصلاة، الثاني: وجوب الصدق فيما يقوله المطابق للواقع، الثالث: فيه وجوب العفاف، الرابع: فيه وجوب الزكاة، الخامس: فيه... (١)

[حديث: فرج عن سقف بيتي وأنا بمكة فنزل جبريل ففرج صدري]

٣٤٩ - وبالسند إلى المؤلف قال: (حدثنا يحيى ابن بكير)؛ بضم الموحدة: هو أبو زكريا يحيى بن عبد الله بن بكير المخزومي المصري، ونسبه لجده؛ لشهرته به (قال: حدثنا الليث)؛ بالمثلثة: هو ابن سعد الفهمي الحنفي، (عن يونس) : هو ابن يزيد، وفي رواية: (حدثني يونس) (عن ابن شهاب) : هو محمد بن مسلم الزهري، (عن أنس بن مالك) : الصحابي الجليل رضي الله عنه، (قال: كان أبو ذر)؛ بالذال المعجمة المفتوحة، وتشديد الراء: هو جندب -بضم الجيم، والدال المهملة- ابن جنادة -بضم الجيم- الغفاري، وكان يقول: يحرم على الإنسان ما زاد على حاجته من المال رضي الله تعالى عنه (يحدث)؛ بضم التحتية أوله (أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال: فُرِج)؛ بضم الفاء، وكسر الراء، وبالجيم؛ أي: فتح (عن سقف بيتي)؛ يعني: فتح فيه فتح، وروي: (فشق).

فإن قلت: كان البيت لأم هانئ، فكيف قال: (بيتي) بإضافته لنفسه؟

قلت: إضافته إليه لأدنى ملابسة، وهذا كثير في كلام العرب كما يقول أحد حاملي الخشبة للآخر: خذ طرفك، قاله إمام الشَّارحين.

قلت: وأم هانئ: هي بنت أبي طالب، وأخت علي، تزوجها هبيرة بن أبي المغيرة المخزومي، فإنه عليه السَّلام كان تلك الليلة نائمًا في دارها رضي الله عنها.

وفي «عمدة القاري» : (فإن قلت: روي أيضًا أنه كان في الحطيم، فكيف الجمع بينهما؟

قلت: أما على كون العروج مرتين؛ فظاهر، وأما على كونه مرة واحدة؛ فلعله عليه الصَّلاة والسَّلام بعد غسل صدره دخل بيت أم هانئ، ومنه عرج به إلى السماء، والحكمة في دخول الملائكة من وسط السقف ولم يدخلوا من الباب كونُ ذلك أوقع صدقًا في القلب فيما جاؤوا به) انتهى.

(وأنا بمكة) : جملة اسمية محلها نصب؛ لأنَّها وقعت حالًا، (فنزل جبريل عليه السَّلام)؛ أي: من الموضع المفروج في السقف مبالغة في المفاجأة، (ففرج عن) : وفي رواية بإسقاط لفظة: (عن) (صدري)؛ بفتح الفاء، والراء، والجيم، وهو فعل ماض؛ أي: شقه، وفي رواية: (شرح صدري)، ومنه: {شَرَحَ اللهُ صَدْرَهُ} [الزمر: ٢٢]، فالشرح: التوسعة، ومكان فسيح؛ أي: واسع، وقد شرح الله صدره عليه [الصَّلاة] والسَّلام بحيث وسع مناجاة الحق، ودعوة الخلق بعد ما ضاق عنهما جميعًا، فإن مقام حضور الحق سبحانه ومناجاته مقام شهود الحق أو لغيبته عن الخلق، ومن كان غائبًا عن الخلق؛ كيف يتأتى له دعوة الخلق ومعاناتهم؟! فإن دعوتهم تستلزم الحضور معهم، والحضور مع المخلوق ينافي الحضور مع الخالق ظاهرًا فيضيق الصدر عن الجمع بينهما، فكان حاضرًا مع الحق، مستغرقًا في مقام مناجاته دائمًا، وهو غائب عنه، مشتغل بدعوة الخلق ظاهرًا، فكان غائبًا حاضرًا.

فإن قلت: ذكر ابن إسحاق أنه عليه السَّلام شق صدره وهو مسترضع في بني سعد عند حليمة، ورجحه القاضي عياض؟

قلت: أجيب: بأن ذلك وقع مرتين والحكمة في الشق؛ الأول: نزع العلقة التي قيل له عليه السَّلام عند نزعها: هذا حظ الشيطان منك، وفي الثاني: ليكون مستعدًّا للتلقي؛ لما حصل له في تلك الليلة، قاله السهيلي، وقد روى الطيالسي والحارث في «مسنديهما» من حديث عائشة رضي الله عنها: أنَّ الشق وقع مرة أخرى عند مجيء جبريل عليه السَّلام إليه بالوحي في غار حراء، وفي «الدلائل» لأبي نعيم: (أن صدره عليه السَّلام شق وعمره عشر سنين)، ومثله في «الأحاديث الجياد» لمحمد بن عبد الواحد، كذا قرره إمام الشَّارحين في «عمدة القاري».

(ثم غسله بماء زمزم) : والغسل طهور، والطهور شطر الإيمان، و (زمزم) غير منصرف؛ اسم للبئر الذي في المسجد الحرام، إنَّما خصه؛ لفضله على غيره؛ أو لأنَّه يقوي القلب، (ثم جاء بطَسْت)؛ بفتح الطاء، وسكون السين المهملة، آخره مثناة فوقية، قال ابن سيده: (الطس، والطست، والطسة معروف)، وجمع الطس: أطساس، وطسوس، وطسيس، وجمع الطسة والطسة: طساس، ولا يمنع أن يجمع طسة على طسيس، بل ذلك قياسه، والطساس: بائع الطسوس، والطساسة: حرفته، وعن أبي عبيد: (الطست فارسي).

قلت: هو في الفارسية بالشين المعجمة، وقال الفراء: (طيِّئ تقول: طست، وغيرهم يقول: طس)، وهذا يرد ما حكاه ابن دحية، قال الفراء: (يقال: الطسة أكثر في كلام العرب من الطس، ولم يسمع من العرب: الطست)، وقال ابن الأنباري: (يقال: الطست؛ بفتح الطاء وكسرها، قاله أبو زيد)، وقال ابن قرقول: (طَس؛ بالفتح والكسر، والفتح أفصح، وهي مؤنثة، وخص الطست بذلك دون بقية الأواني؛ لأنَّه آلة الغسل عرفًا)، كذا في «عمدة القاري».

(من ذهب) : وكلمة (من) بيانية؛ وهو اسم للحجر الرزين المعلوم، وليس فيه ما يوهم استعمال آنية الذهب، فإن ذلك فعل الملائكة واستعمالهم، وليس بلازم أن يكون حكمهم حكمنا، أو لأنَّ ذلك كان أول الأمر قبل استعمال الأواني من النقدين؛ لأنَّه كان على أصل الإباحة، والتحريم إنَّما كان بالمدينة، وإنما كان الطست من ذهب؛ لأنَّه أعلى أواني الجنة وهو رأس الأثمان وله خواص؛ منها: أنه لا تأكله النار في حال التعليق، ولا تأكله الأرض، ولا تغيره، وهو أنقى شيء وأصفاه، وقال في المثل: (أنقى من الذهب)، وهو بيت الفرح والسرور، قال الشاعر:

صفرًا لا تتنزل الأحزان ساحتها... لو مسها حجر مسته ضراء

وهو أثقل الأشياء، فيجعل في الزيبق الذي هو أثقل الأشياء، فيرسب وهو موافق لثقل الوحي وهو عزيز، وبه يتم الملك، كذا في «عمدة القاري».

قلت: وإنما كان الذهب أعز الأشياء؛ لأنَّه حين كان في الجنة آدم ووقع منه ما وقع من أكل الشجرة فجميع الأشياء فرحت حتى تنزل إلى الدنيا إلا الذهب، فإنه حزن على مفارقة الجنة، وكذلك الفضة، فإنها أيضًا حزنت على ذلك، فأبدلهما سبحانه بأن جعلهما أعز الأشياء، والله أعلم.

(ممتلئ)؛ بالجر صفة لـ (طست)، وتذكيره باعتبار الإناء؛ لأنَّ الـ (طست) مؤنثة (حكمةً وإيمانًا) : منصوبان على التمييز، وجعل الحكمة والإيمان في الإناء، وإفراغهما فيه مع أنَّهما معنيان، وهذه صفة الأجسام من أحسن المجازات، أو أنه من باب التمثيل، أو تمثيلله النبي الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم المعاني كما تمثل له أرواح الأنبياء الدارجة بالصور التي كانوا عليها، ومعنى المجاز فيه: كأنه جعل في الطست شيء يحصل به كمال الإيمان والحكمة وزيادتهما، فسمَّى ذلك الشيء حكمة وإيمانًا؛ لكونه سببًا لهما، كذا قاله إمام الشَّارحين، ثم قال: (والحكمة: اسم من حكُم؛ بضم


(١) بياض في الأصل

<<  <   >  >>