للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

عليه السَّلام: «وصلاة الرجل في جماعة تضعف على صلاته في بيته وسوقه بخمس وعشرين ضعفًا».

وقيل: إنَّ الصلاة التي لم يكن فيها فضيلة الخُطَا إلى الصلاة، ولا فضيلة انتظارها تفضل بخمس، والتي فيها ذلك تفضل بسبع.

وقيل: إنَّ ذلك يختلف باختلاف المصلين والصلاة؛ فمن أكملها وحافظ عليها؛ فوق من أخل بشيء من ذلك.

وقيل: إنَّ الزيادة لصلاتي العشاء والصبح؛ لاجتماع ملائكة الليل والنهار فيهما، ويؤيده حديث أبي هريرة: «تفضل صلاة الجماعة صلاة أحدكم وحده بخمسة وعشرين جزءًا، ويجتمع ملائكة الليل والنهار في صلاة الفجر»، فذكر اجتماع الملائكة بواو فاصلة، واستئناف الكلام وقطعه من الجملة المتقدمة.

وقيل: لا منافاة بين الحديثين؛ لأنَّ ذكر القليل لا ينفي الكثير، ومفهوم العدد باطل عند جماعة من الأصوليين.

وقال ابن الأثير: إنَّما قال: «درجة»، ولم يقل: جزءًا، ولا نصيبًا، ولا حظًّا، ولا شيئًا من أمثال ذلك؛ لأنَّه أراد الثواب من جهة العلو والارتفاع، وأنَّ تلك فوق هذه بكذا وكذا درجة؛ لأنَّ الدرجات إلى جهة فوق.

قلت: قد جاء فيه لفظ: الجزء والضعف، كما قدمناه، فكأنَّه لم يَطَّلع عليهما.

وقد قيل: إنَّ الدرجة أصغر من الجزء، فكأنَّ الخمسة والعشرين إذا جزئت درجات؛ كانت سبعًا وعشرين درجة.

قلت: هذا ليس بصحيح؛ لأنَّه جاء في «الصَّحيحين» : «سبعًا وعشرين درجة»، و «خمسًا وعشرين درجة»، فاختلف القدر مع اتحاد لفظ الدرجة.

وقد قيل: يحتمل أن يكون الدرجة في الآخرة، والجزء في الدنيا.

فإن قلت: قد علم وجه الجمع بين هذين العددين، ولكن ما الحكمة من التنصيص عليهما؟

قلت: نقل الطيبي عن التوربشتي: وأمَّا وجه قصر أبواب الفضيلة على خمس وعشرين تارة، وعلى سبع وعشرين أخرى؛ فإنَّ المرجع في حقيقة ذلك إلى علوم النُّبوة التي قصرت عقول الألباب عن إدراك جملها وتفاصيلها، ولعل الفائدة فيما كشف به حضرة النُّبوة هي اجتماع المسلمين مصطفِّين كصفوف الملائكة المقربين، واقتداء بالإمام، وإظهار شعائر الإسلام، وغيرها، انتهى.

قلت: هذا لا يشفي الغليل، ولا يجدي العليل، والذي ظهر لي في هذا المقام من الأنوار الإلهية، والأسرار الربانية، والعنايات المحمَّدية: أنَّ كل حسنة بعشر أمثالها بالنص، وأنَّه لو صلى في بيته؛ كان يحصل له ثواب عشر صلوات، وكذا لو صلى في سوقه؛ كان لكل صلاة عشرًا (١)، ثم إنَّه إذا صلى بالجماعة؛ يضاعف له مثله، فيصير ثواب عشرين صلاة، وأمَّا زيادة الخمسة؛ فلأنَّه أدى فرضًا من الفروض الخمسة، فأنعم الله عليه ثواب خمس صلوات أخرى نظير عدد الفروض الخمسة زيادة على عشرين إنعامًا وفضلًا منه عليه، فتصير الجملة خمسة وعشرين.

وجواب آخر: وهو أنَّ مراتب الأعداد آحاد، وعشرات، ومئات، وألوف، والمئة من الأوساط، وخير الأمور أوساطها، والخمسة والعشرون ربع المئة، وللربع حكم الكل.

وأمَّا زيادة السبعة؛ فقال الكرماني: «يحتمل أن يكون ذلك لمناسبة أعداد الركعات في اليوم والليلة؛ إذ الفرائض سبع عشرة، والرواتب المؤكدة عشرة» انتهى.

قلت: الرواتب المؤكدة اثني عشر؛ لحديث المثابرة، فيصير تسعة وعشرين، فلا يطابق الواقع، فنقول: يمكن أن يقال: إنَّ أيام العمر سبعة، فإذا صلى بالجماعة؛ يزاد له على العشرين ثواب سبع صلوات كل صلاة من صلوات كل يوم وليلة من الأيام السبعة، وأمَّا الوتر؛ فلعله شرع بعد ذلك.

ثم العلماء اختلفوا هل هذا الفضل لأجل الجماعة فقط حيث كانت، أو إنَّما يكون للجماعة التي تكون في المسجد لما يلازم ذلك من أفعال تختص بالمساجد؟ قال القرطبي: «والظَّاهر الأول؛ لأنَّ الجماعة هو الوصف الذي عُلِّق عليه الحكم») انتهى كلام إمام الشَّارحين.

واعترضه العجلوني بأنَّ تعليله بقوله: (فإن أحدكم...) إلى آخره: يقتضي ترجيح الثاني لا سيما على رواية الفاء، انتهى.

قلت: بل الأظهر الأول؛ لأنَّ الجماعة سواء كانت في المسجد، أو في البيت، أو غيرهما لها هذا الفضل؛ لأنَّ الفضل محكوم به للجماعة مطلقًا، وأمَّا الحديث؛ فمبني على الغالب؛ بدليل ما رواه البخاري في «تاريخه» : «صلاة رجلين يؤم أحدهما صاحبه أزكى عند الله من أربعة تترى، وصلاة ثمانية يؤمهم أحدهم أزكى عند الله من صلاة مئة تترى»، ويدل عليه أيضًا روايات تقدم ذكرها، فهذا كما رأيت غير مقيد بالمسجد، بل الفضل عام مطلقًا؛ فافهم.

واعترض العجلوني على قوله: (الرواتب المؤكدة اثني عشر) بأنَّ هذا لا يرد على الكرماني؛ لأنَّه مبني على مذهبه أنَّ الأربعة قبل الظُّهر مؤكدة.

قلت: هو ممنوع، فهو وإن كان موافقًا لمذهب الأئمة الحنفية إلا أنَّه يرد على الكرماني؛ حيث إنَّه ثابت في الحديث الذي ذكره، ويدل عليه ما في «الصَّحيحين» : «من ترك أربعًا قبل الظُّهر؛ لم تنله شفاعتي»، وهو شامل لما تُرِك بعضها؛ كأن صلى ركعتين، فإنَّه لا يكون مؤديًا بل تاركًا، فهو يدل على تأكيد الأربع، كما لا يخفى، ولم يرجع العجلوني عن تعصبه وعناده، والحق ما قاله إمام الشَّارحين، والعناد بعد ذلك مكابرة، والله أعلم.

(٨٨) [باب تشبيك الأصابع في المسجد وغيره]

هذا (باب) حكم (تشبيك الأصابع)؛ أي: إدخال أصابع إحدى اليدين بين أصابع اليد الأخرى، وهي جمع إصبع، وفيها عشر لغات: تثليث الهمزة والموحَّدة، والعاشرة: أُصبُوع؛ بِضَمِّ الهمزة والموحَّدة أيضًا مع الواو، (في المسجد وغيره)، والألف واللَّام فيه للجنس؛ فيشمل كل مسجد، وأراد بالغير: المنزل، أو الدكان، أو غيرهما.

والمراد بالحكم: الجواز، وهو ظاهر ترجمة المصنف، وأنَّه لا كراهة فيه؛ لأنَّ حديث أبي موسى دال على جواز التشبيك مطلقًا، وحديث أبي هريرة يدل على جوازه في المسجد، ففي غيره من باب أولى، وسيأتي بيان مذاهب الأئمة فيه.

واعترض بأنَّ حديث أبي موسى يدل على الجواز مطلقًا، ولا ذكر للمسجد فيه.

وأجيب: بأنَّ التَّرجمة في بعض النُّسخ: (في المسجد وغيره)، وهي ظاهرة، وأمَّا على باقي النُّسخ -أي: التي سقط منها لفظ: (وغيره) -؛ فإمَّا أنَّ الراوي اختصر الحديث، أو اكتفى البخاري بدلالته على بعض التَّرجمة؛ حيث دل الحديث الذي بعده على تمامها؛ فتأمَّل.

قال إمام الشَّارحين: (والموجود في غالب النُّسخ في هذا الباب حديثان؛ أحدهما: حديث أبي موسى، والآخر: حديث أبي هريرة، وفي بعض النُّسخ حديث آخر عن ابن عمر رضي الله عنهما، وجد ذلك بخط البرزالي، ولم يستخرجه الإسماعيلي وأبو نعيم، ولا ذكره ابن بطال أيضًا، وإنما حكى أبو مسعود الدمشقي في كتاب «الأطراف» : أنَّه رآه في كتاب أبي رميح عن الفربري، وحمَّاد بن شاكر عن البخاري، وهو هذا) انتهى.

[حديث: شبك النبي صلى الله عليه وسلم أصابعه]

٤٧٨ - ٤٧٩ - ٤٨٠ - وبالسند إلى المؤلف قال: (حدثنا حامد بن عُمر)؛ بِضَمِّ العين المهملة: هو البكراوي من ذرية أبي بكرة الثقفي، القاضي بكرمان، نزيل نيسابور، المتوفى بها سنة ثلاث وثلاثين ومئتين، (عن بِشْر)؛ بكسر الموحَّدة أوله: هو ابن المفضل الرقاشي، الذي كان يصوم يومًا، ويفطر يومًا، ويصلِّي كل يوم أربع مئة ركعة، المتوفى سنة


(١) في الأصل: (عشر)، وليس بصحيح.

<<  <   >  >>