للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

سبع وثمانين ومئة، والمُفضَّل؛ بِضَمِّ الميم، وفتح الضَّاد المعجمة المشددة، (قال: حدثنا عاصم) هو ابن محمَّد بن زيد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب العمري المدني، وثَّقه أحمد وغيره، (قال: حدثنا واقد)؛ بالقاف: هو ابن محمَّد بن زيد المذكور، فهو أخو عاصم، وثَّقه أبو زرعة وغيره، (عن أبيه) هو محمَّد بن زيد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، وثقه غير واحد، (عن ابنِ عُمر)؛ بِضَمِّ المهملة: هو عبد الله المذكور القرشي العدوي (أو ابنِ عَمرو)؛ بفتح العين المهملة، بالجر عطفًا على «ابنِ» المجرور قبله: هو عبد الله -أيضًا-ابن عَمرو بن العاص، وكلمة «أو» فيه للشك، قال إمام الشَّارحين: والظَّاهر أنَّ الشك من واقد، انتهى، فافهم، (قال) أي: ابن عُمر أو ابن عَمرو على الشك: (شبَّك) : ولابن عساكر: «يشبك» (النَّبيُّ) الأعظم (صلى الله عليه وسلم أصابعه)؛ أي: أدخل أصابع يده اليمنى في اليد اليسرى، وسيأتي سبب تشبيكهما في هذا الحديث مما سيأتي عن الحُميدي.

(قال أبو عبد الله)؛ أي: المؤلف، وفي رواية: (قال البخاري)، والأولى هي الصَّواب؛ لأنَّها على عادة المؤلف في التعبير عن نفسه، والثانية ذكرها العجلوني، ولم يعزُها لأحد من الرواة، فالله أعلم بصحتها؛ فافهم: (وقال عاصم بن علي) هو ابن عاصم بن صهيب الواسطي، شيخ المؤلف والدارمي، كان من الثقات والأعيان، وقال ابن معين: هو ضعيف، وذكر له ابن عدي أحاديث مناكير، مات في نصف رجب سنة إحدى وعشرين ومئتين، كذا في «عمدة القاري»، ثم قال: وهذا تعليق من البخاري، ووصله إبراهيم الحرمي في «غريب الحديث» له قال: حدثنا عاصم بن علي: حدثنا عاصم بن محمَّد عن واقد: سمعت أبي يقول: قال عبد الله: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم»؛ فذكره، انتهى، وتبعه ابن حجر، والقسطلاني، وغيرهما.

قال العجلوني: إذا كان عاصم بن علي شيخ المؤلف؛ فلم جزموا بتعليق الحديث وعُدُوله عن «حدثنا»؟ وأجاب: بأنَّه كان على سبيل المذاكرة، ولعله ثبت عندهم أنَّه لم يسمعه منه؛ فتأمَّل.

قلت: عادة المؤلف ذكر التعاليق وهذا منها، وعدوله عن «حدثنا»؛ لأنَّ عاصم بن محمَّد قال: «سمعت هذا الحديث من أبي فلم أحفظه، فقوَّمه لي واقد»، ولأجل هذا ذكره المؤلف بصيغة التَّعليق.

وكونه على سبيل المذاكرة ممنوعٌ؛ لأنَّها لا تمنع قول: «حدثنا»، كما لا يخفى، فكم تحصل المذاكرة مع المشايخ ويقول المذاكر: «حدثنا».

وقوله: «ولعله ثبت عندهم أنَّه لم يسمعه منه» : ممنوع؛ لأنَّه شيخه والشيخ يسمع منه عادة، لا سيما وقد قال: «قال أبو عبد الله: وقال عاصم»، فهذا يدل على سماعه منه، ولكن سبب تعليقه هو ما ذكرناه؛ فافهم.

(حدثنا عاصم بن محمَّد) هو ابن زيد بن عبد الله العمري المدني (قال: سمعت هذا الحديث) أي: المذكور آنفًا (من أبي) هو محمَّد بن زيد المذكور، (فلم أحفظه)؛ أي: منه؛ لما أنَّه كان في مكان فيه شيء يشغل البال ويُخلُّ بالحفظ، أو لكونه كان صغيرًا فلم يعِ، ويحتمل غير ذلك، (فَقَوَّمه)؛ بفتحات مع تشديد الواو؛ أي: صححه (لي واقد) هو أخوه ابن محمَّد المذكور، (عن أبيه) هو محمَّد بن زيد المذكور (قال) أي: واقد: (سمعت أبي) هو محمَّد بن زيد المذكور (وهو يقول) جملة حالية: (قال عبد الله) هو ابن عمرو بن العاص من غير شك، كذا جزم به القسطلاني، وتبعه العجلوني، لكن مقتضى كلام إمام الشَّارحين في «عمدة القاري» أنَّه على الشك أيضًا، ويدل عليه أنَّ الحديث واحد، وقد يقال: إنَّه ابن عمر بن الخطاب من غير شك؛ لأنَّه أطلقه، فينصرف إليه؛ فافهم: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم)، وقوله: (يا عبد الله بن عَمرو) بفتح العين المهملة ثابت في أكثر الروايات، ساقط عند الأصيلي؛ فافهم؛ (كيف بك إذا بقِيت) بكسر القاف (في حُثَالة من الناس؟) الجار والمجرور صفة (حُثَالة)، وهي بِضَمِّ الحاء المهملة، وتخفيف الثَّاء المثلَّثة، قال ابن سيده: هي ما يخرج من الطعام من زوان (١) ونحوه مما لاخير فيه، وقال اللحياني: هي أجلُّ من التراب والدقاق قليلًا، وخصه بالحنطة، والحُثَالة والحثل: الرديء من كل شيء، وقيل: هو القشارة من التمر والشعير وما أشبههما، وحُثَالة القرظ: نفايته، كذا في «عمدة القاري».

قلت: والمراد بها: جهال الناس، ويقال لهم: الهمج؛ لما في الحديث: «الناس اثنان؛ عالم ومتعلم»، والباقي همج وهم رعاع الناس؛ أي: أخساؤهم؛ والمعنى: كيف بك إذا بقِيت في همج الناس وجهالهم؟

(بهذا)؛ أي: بالحديث السَّابق، وهو تشبيكه عليه السَّلام لأصابعه، ففي الحديث: جواز تشبيك الأصابع سواء كان في المسجد أو غيره؛ لإطلاق الحديث، ولكن العلماء اختلفوا في تشبيكها في المسجد وفي الصلاة؛ فقال الإمام الأعظم وأصحابه: ويكره تشبيكها -أي: الأصابع- في الصلاة؛ لقول عمر بن الخطاب فيه: «تلك صلاة المغضوب عليهم»، وكذا يكره تشبيكها حال السعي إلى الصلاة؛ لما روى أحمد، وأبو داود، وغيرهما مرفوعًا: «إذا توضأ أحدكم فأحسن وضوءه، ثم خرج عامدًا إلى المسجد؛ فلا يشبك بين يديه؛ فإنَّه في صلاة»، وإذا كان منتظرًا لها بالأولى، والذي يظهر أنَّ الكراهة تحريمية؛ للنَّهي المذكور، كما في «البحر»، وأمَّا إذا انصرف من الصلاة؛ فلا بأس به، وحكمة النَّهي: أنَّه من الشَّيطان، كما في الحديث، وأنَّه يجلب النَّوم؛ وهو من مظان الحدث، وأنَّ صورة التشبيك تشبه صورة الاختلاف، كما نبَّه عليه في حديث ابن عمر، فكره ذلك لما هو في حكم الصلاة حتى لا يقع في النَّهي عنه، انتهى، وكره تشبيكها في الصلاة إبراهيم النخعي، وهو قول مالك، وهو قول أحمد أيضًا، كما صرح به في «الغاية» و «شرحها»، ورخص فيه ابن عمر وابنه سالم، فكانا يشبكان بين أصابعهما في الصلاة، ذكرهما ابن أبي شيبة، وكان الحسن البصري يشبك بين أصابعه في المسجد، وقال مالك: إنَّهم لينكرون تشبيك الأصابع في المسجد، وما به بأس، وإنَّما يكره في الصلاة، ولم يذكر العجلوني الحكم فيه في مذهبه.

وقد وَرَد النَّهي عن ذلك في أحاديث؛ منها: ما ذكرناه عن أحمد وأبي داود.

ومنها: ما أخرجه ابن حبان في «صحيحه» عن كعب بن عجرة: أن النَّبي صلى الله عليه وسلم قال له: «يا كعب؛ إذا توضأت فأحسنت الوضوء، ثم خرجت إلى المسجد؛ فلا تشبك بين أصابعك، فإنك في صلاة».

ومنها: ما أخرجه الحاكم في «مستدركه» من حديث إسماعيل بن أمية، عن سعيد، عن أبي هريرة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا توضأ أحدكم في بيته، ثم أتى المسجد؛ كان في صلاة حتى يرجع، فلا تقل هكذا»، وشبك بين أصابعه، وقال: حديث صحيح على شرط الشيخين.

ومنها: ما رواه ابن أبي شيبة عن مولًى لأبي سعيد وهو مع النَّبي صلى الله عليه وسلم، فدخل عليه السَّلام المسجد فرأى رجلًا جالسًا وسط الناس -وقد شبك بين أصابعه- يحدث نفسه، فأومأ إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يفطن له، فالتفت إلى أبي سعيد، فقال: «إذا صلى أحدكم؛ فلا يشبكن بين أصابعه، فإنَّ التشبيك من الشَّيطان (٢)».

فإن قلت: هذه الأحاديث معارضة لحديث الباب.

قلت: غير مقاومة لها في الصحة ولا مساوية.

قلت: أحاديث النَّهي صِحاح، وقد بلغت قريبًا من التواتر؛ لكثرة رواتها، وتعدد طرقها، فهي مقاومة لحديث الباب في الصحة، بل تترجح عليه، فيبقى التعارض، فيحمل حديث النَّهي على ما إذا كان في الصلاة وحالة السعي إليها، ويحمل حديث الإباحة على ما إذا كان خارج الصلاة وانصرف منها، وهذا وجه التوفيق بينهما؛ فليحفظ.

وقال


(١) في الأصل: (ذودن)، وهو تحريف.
(٢) في الأصل: (الصلاة)، وهو سبق نظر.

<<  <   >  >>