جعل مصدرًا بمعنى: المرور؛ فدلالته عليه باللزوم، ولهذا قال إمامنا الشَّارح: (المَمَر من لوازم الخَوْخَة، فذِكرها يغني عن ذكره) انتهى.
ثم قال: (والظَّاهر من وضع هذه التَّرجمة: الإشارة إلى جواز اتخاذ الخوخة والممر في المسجد؛ لأنَّ حديث الباب يدل على ذلك) انتهى.
واعترضه العجلوني بأنَّه إن أراد بـ (يدل على) جواز اتخاذ الخوخة والممر لنحو الإمام؛ فمُسلَّم، وإن أراد العموم؛ فلا؛ لأنَّ الشَّارع أمر بسد كل خوخة غير خوخة أبي بكر؛ فافهم.
قلت: وهو غير ظاهر، فإنَّ كون جواز اتخاذ الخوخة والممر لنحو الإمام يحتاج لدليل، والحديث لا يدل عليه؛ لأنَّ أبا بكر لم يكن إذ ذاك إمامًا، بل المراد بجواز اتخاذ الخوخة والممر على العموم مطلقًا، سواء كان مدرسًا، أو ناظرًا، أو متوليًّا، أو مؤذنًا، أو غير ذلك؛ لأنَّ حديثي الباب مطلق، فيحمل على العموم.
ولهذا قال الدماميني في «المصابيح» : (نبَّه بذلك على أنَّ المرور في المسجد لما يعرض للإنسان من شؤونه جائز، وهو من قبيل الاتفاق بما لا يضر كبير مضرة، ولا يقال: إنَّ المساجد لم توضع طرقات؛ فإنَّ التشديد في ذلك تنطع، والمسجد والطرقات كلها لله مرافق للمسلمين، فيستعان ببعضها على بعض؛ كمجامع مصر، وقد كان ممر أبي بكر إلى داره في المسجد) انتهى.
وقال صاحب «المنحة» : (أي: جوازهما فيه) انتهى؛ فهو ظاهر في العموم، ويحتمل أنَّ الشَّارع أمر بسد كل خوخة تطل على حجرته؛ لأنَّ قوله في الحديث: (سُدُّوا عني)؛ أي: عن حجرتي، أو عن بابي حتى لا أحد ينظر إليه عليه السَّلام؛ لكونه كان في مرضه الذي مات فيه؛ فافهم.
وقال إمام الشَّارحين: (ويستفاد من هذا الحديث: جواز الخطبة قاعدًا، قاله الكرماني، قلت: هذه الخطبة لم تكن واجبة، وباب التطوع واسع) انتهى.
قلت: والظَّاهر أنَّ هذه الخطبة كانت خطبة جمعة، ويحتمل أنَّها لم تكن للجمعة بل للتذكير، وعلى الأول؛ فتجوز الخطبة الواجبة قاعدًا أو مضجعًا، كما في «التاترخانية»؛ لأنَّ القيام حال الخطبة سنة لا واجب، فلو قعد فيهما أو في أحدهما؛ أجزأه وكره من غير عذر، فلو كان مريضًا؛ أجزأه من غير كراهة، هذا مذهب الإمام الأعظم رضي الله عنه والجمهور، والله تعالى أعلم.
(٨١) [باب الأبواب والغلق للكعبة والمساجد]
هذا (باب) حكم اتخاذ (الأبواب) جمع باب؛ وهو الفرجة في الحائط (والغَلَق)؛ بفتح الغين المعجمة واللَّام؛ وهو المغلاق؛ وهو ما يغلق به الباب، قاله إمامنا الشَّارح.
قلت: وبه صرح في «الصِّحاح» و «مختصره» و «القاموس»، والظَّاهر أنَّه الخشبة، أو العصاة، أو القفل، والغال؛ مما يغلق به الباب؛ كالمفتاح للغال ونحوه، ويدل لهذا حديث الباب؛ فافهم.
ويحتمل أنَّ المراد: حكم غلق الأبواب في غير وقت صلاة، فيكون الغلق شاملًا للفتح والغلق في وقت الصلاة وفي غير وقتها، والمقصود منه الصيانة والحفظ؛ فافهم.
وقوله: (للكعبة والمساجد) بيان لاتخاذ الأبواب وغلقها؛ يعني: باب حكم اتخاذ الأبواب وغلقها الكائن للكعبة والمساجد، فهو بيان وتفسير للسابق، فقول العجلوني: (من عطف العام على الخاص)؛ غير ظاهر؛ لأنَّ الكلام الأول لم يتم إلا بلاحقه، وليس فيه عطف، بل هو بيان وتفسير لذلك؛ فافهم، على أنَّ الكعبة تابعة للمسجد الحرام، فذكر المساجد يغني عنها، لكن لما كان لها أحكام مختصة بها؛ نص عليها بانفرادها؛ تفسيرًا لما سبق، وهي ليس لها أبواب بل واحد فقط كما هو المعهود منها.
والمراد بالحكم: الوجوب، ولهذا قال ابن بطال: (اتخاذ الأبواب للمساجد واجب؛ لتصان عن مكان الريب وتنزه عما لا يصلح فيها؛ أي: ولأجل حفظها من أيدي العادية وغيرها، فاتخذت الأبواب؛ لحفظها مما يدانسها).
وتقدير (الحكم) أولى من تقدير العجلوني (الجواز)؛ لأنَّه خاص والحكم أعم، وهو أولى؛ فافهم.
وقوله: (قال أبو عبد الله)؛ أي: محمَّد بن إسماعيل بن إبراهيم بن بردزبه البخاري الجعفي، جامع هذا «الصَّحيح»، ثابت عند الأكثرين، ساقط عند الأصيلي وابن عساكر: (وقال لي عبد الله بن محمَّد) هو الجعفي المسندي مذاكرةً: (قال: حدثنا سفيان) هو ابن عينية، (عن ابن جريج) بجيمين مصغرًا، هو عبد الملك بن عبد العزيز (قال: قال لي ابن أبي مُلكية)؛ بِضَمِّ الميم؛ بالتصغير، هو عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي ملكية، واسمه زهير بن عبد الله بن جدعان التيمي المكي القاضي: (يا عبد الملك) هو اسم ابن جريج؛ (لو رأيتَ) بفتح التَّاء (مساجد ابن عبَّاس وأبوابها)؛ أي: لرأيت عجبًا أو حسنًا؛ لإتقانها، فجزاء (لو) محذوف، كما قاله إمام الشَّارحين، ثم قال: (ويحتمل أن تكون «لو» للتَّمني، فلا تحتاج إلى الجزاء، وهذا الكلام يدل على أنَّ هذه المساجد كانت لها أبواب وأغلاق بأحسن ما يكون، ولكن كانت في الوقت الذي قال ابن أبي مُليكة لابن جريج: «خربت واندرست»، ومطابقته للتَّرجمة في قوله: «وأبوابها») انتهى.
قلت: يعني: وإنَّ الغالب أنَّ لأبوابها أغلاقًا.
قال العجلوني: (وهل الجمع مراد فيها؛ لأنَّها كانت متعددة أو هي اسم لمسجد واحد عمَّره في الكوفة أو غيرها؛ فليحرر) انتهى.
قلت: قول ابن أبي مليكة: (لو رأيت مساجد ابن عبَّاس) يدل على أنَّ الجمع الحقيقي مراد فيها؛ لأنَّه الأصل في الكلام، فهي متعددة؛ لأنَّه لا مانع من أنَّه عمَّر مسجدًا في الكوفة، ومسجدًا في الطَّائف، ومسجدًا في غيرهما؛ لأنَّه قد سكن الطَّائف وتوفي فيه، ومسجده هناك مشهور؛ كما هو في الكوفة وغيرهما؛ فليحفظ.
[حديث: أن النبي قدم مكة فدعا عثمان بن طلحة ففتح]
٤٦٨ - وبالسند إلى المؤلف قال: ([حدثنا] أبو النُّعمان) بِضَمِّ النُّون، هو محمَّد بن الفضل السدوسي البصري (وقتيبة) زاد أبو ذر: (ابن سعيد) : هو المنقري (قالا) بالتثنية: (حدثنا حمَّاد) زاد أبوا ذر والوقت: (ابن زيد) هو ابن درهم الأزدي الحمصي البصري، (عن أيوب) هو السختياني، (عن نافع) هو مولى ابن عمر، (عن ابن عمر) هو عبد الله بن عمر بن الخطاب القرشي العدوي رضي الله عنهما: (أن النَّبي) الأعظم (صلى الله عليه وسلم قدِم)؛ بكسر الدَّال المهملة (مكة) أي: المكرمة عام الفتح، (فدعا) أي: النَّبي الأعظم صلى الله عليه وسلم (عثمان بن طلحة) هو ابن أبي طلحة عبد الله بن عبد العزى العبدري الحجبي، قتل أبوه وعمه يوم أُحُد كافرين في جماعة من بني عمهما، وهاجر هذا مع خالد بن الوليد وعمرو، ودفع النَّبيُّ عليه السَّلام له وإلى ابن عمه شيبة بن عثمان مفتاح الكعبة، كذا في «عمدة القاري».
وقال الكرماني: (أسلم عثمان يوم هدنة الحديبية، وجاء يوم الفتح بمفتاح الكعبة وفتحها، فقال عليه السَّلام: «خذوها -يعني: المفتاح- يا آل أبي طلحة خالدة تالدة، لا ينزعها منكم إلا ظالم»، ثم نزل المدينة، فأقام بها إلى وفاة النَّبي عليه السَّلام، ثم تحول إلى مكة ومات بها سنة اثنتين وأربعين) انتهى.
وقال البيضاوي وغيره: (أسلم عثمان يوم الفتح، وأتى يوم الفتح بمفتاح الكعبة وفتحها، ودفع رسول الله مفتاح الكعبة إليه وإلى ابن عمه شيبة بن عثمان لما نزلت آية: {إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا}) [النساء: ٥٨] انتهى.
وهو مخالف لما زعمه الكرماني من أنَّه أسلم يوم الحديبية؛ فيحرر.
وقال العجلوني: (ورجوع ضمير «خذوها» إلى